موعظة عن الموت

أنشر تؤجر
1446/03/30 - 2024/10/03 16:30PM

الخُطْبَةُ الأُولَى :

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فاتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى ،﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

عباد الله : لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يتخول أصحابه بالموعظة الفينة بعد الأخرى .

ومن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام أمرنا بالإكثار من ذكر الموت , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"أكثروا ذكر هاذم اللذات " يعني الموت {صحيح} ومعنى هاذم اللذات : أي قاطع اللذات.

ذكر الموت حياة , ونسيانه غفلة ؛ وأن الإنسان مهما طال عمره لابد أن ينتقل من هذه الدار إلى الدار الآخرة , قال تعالى :{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}

     هو الموتُ ما منه ملاذ ومهربوا           متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبوا

       نأمل آملاً ونرجو نتاجها                  وعلى الردى مما نرجيه اقربوا .

ولو نجي أحدٌ من الموت لنجي منه محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى :{إنك ميت وإنهم ميتون }

وجاء عند الطبراني في الأوسط وعند الحاكم في مستدركه وهو حديثً حسن ، عن علي بن أبى طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتاني جبريل فقال :" يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب ما شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزيٍ به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغنائه عن الناس "

      كل أبن أنثي وأن طالت سلامته             يوما على آلة حدباء محمول

عباد الله : إن للموت سكرات عظيمة ، ومعنى سكرات الموت أي : كرباته وغمراته ، قال تعالى :{وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} فعند الموت تظهر الحقائق للإنسان ويصبح الغيب عنده شهادة  :(ذلك ما كنت منه تحيد ) أي : ذلك الموت الذي كنت منه تهرب وتفر ولكن لا مفر ولا خلاص .

وجاء في البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزلت به سكرات الموت كان بين يديه ركوة أو علبه فيها ماء فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه ، ويقول لا اله إلا الله إن للموت سكرات ثم نصب يده فجعله يقول في الرفيق الأعلى حتى قبض ومالت يده "

عباد الله : إذا حان أجل الإنسان أرسل الله سبحانه وتعالى إليه ملك الموت لقبض روحه ، قال تعالى :(قول يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ) فتذكر يا عبدالله عندما ينزل ملك الموت لقبض روحك ، فبدت روحك تخرج من أعضائك عضواً عضوا ، فبردت القدمان ، والتفت الساقان ، وارتخت اليدان ، وبلغت الحلقوم :(فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حين إذا تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون) وقال تعالى :( كَلا إِذَا بَلَغَتِ الترقي  وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ  وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ القيامة)

إن ملائكة الموت تأتى المؤمن في صورة حسنة جميلة ، وتأتي المنافق والكافر في صورة مخيفة ، كما جاء ذكره في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه الطويل .

وإن الإنسان في حالة الاحتضار يكون في موقف عصيب ، فإذا كان من المؤمنين المستقيمين على طاعة ربهم ، فإن الملائكة تتنزل عليه بالبشارة من الله وعدم الخوف والحزن ، قال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَاَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}

اللهم أجعلنا من عبادك المؤمنين يا ذا الجلال والإكرام .

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ :

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .

عباد الله : كثيرا من الناس إذا ذكر الموت ، فإنه يذكره على أنه يقطعه من الدنيا ولذاتها ومن الأهل والأبناء ، وهذه النظرة للموت تسبب الحزن ، ولا تثمر عند العبد الحرص من الزيادة من الخير والعمل الصالح .

ولكن النظرة الصحيحة للموت : هي أن نذكر الموت على أنه يقطعنا من العمل الصالح ، فهذه النظرة للموت هي التي تثمر العمل الصالح .

عباد الله : إن الإنسان إذا نزل به الموت تمنى أمنية واحدة ، وهي الرجوع والعودة إلى الدنيا ليس من أجل التمتع بالملذات وتشييد القصور العاليات ، بل حتى يعمل الصالحات ، قال تعالى :(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)

وقال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ  وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

ألا فاتقوا الله - عباد الله – وكونوا مستعدين للموت دائماً , وذلك بالإكثار من الأعمال الصالحة والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى ؛ فإن الدنيا مزرعة الآخرة .

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها

                                 إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخير طاب مسكنه

                                وإن بناها بشر خاب بانيها

اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاهَا ، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا ، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا .

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمر أعداء الدين ، اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخط والنار .

اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أَعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا ، وَخَيْرَ أَعْمَارِنَا آخِرَهَا ، وَخَيْرَ أَيَّامِنَا يَوْمَ أَنْ نَلْقَاكَ ، وَاجْعَلْ آخِرَ كَلاَمِنَا مِنَ الدُّنْيَا لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله .

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِيِشَةً هَنِيَّةً ، وَحَيَاةً رَضِيَّةً ، وَمِيِتَةً سَوِيَّةً .

( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )

صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

المرفقات

1727962231_خطبة عن الموت مختصرة 1.docx

المشاهدات 715 | التعليقات 0