موعظة عامه

عوض آل دبيس
1443/05/13 - 2021/12/17 03:56AM

 موعظة عامه 13-5-1443هـ                              الخطبة الأولى

 أما بعد: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأوثقَ العُرى كلمةُ التقوى، وخيرَ المِلل ملَّةُ إبراهيم، وخيرَ السُّنن سُنَّة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأشرفَ الحديث ذِكْرُ الله - عزَّ وجلَّ - وأحسنَ القَصص هذا القرآن، وخيرَ الأمور عوازمُها، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، 

أيها الناس: إنَّ مع الحياة موتًا، وإنَّ مع الدنيا آخِرة، وإنَّ لكلِّ شيء حسيبًا، وعلى كل شيء رقيبًا، وإنَّ لكلِّ حسنة ثوابًا، ولكل سيِّئة عقابًا، وإنَّ لكل أَجل كتابًا، مَن انقطع إلى الدنيا وكَلَه الله إليها، ومَن حاول أمرًا بمعصية الله كان أبعدَ له مما رجَا، وأقربَ مما اتَّقى، ومَن طلب محامدَ الناس بمعاصي الله عادَ حامدُه من الناس ذامًّا، ومَن أرْضى الناس بسخط الله وَكَله الله إليهم، ومَن أرْضَى الله بسخطِ الناس كفاه الله شرَّهم، ومَن أحسن فيما بيْنه وبيْن الله كفاه ما بيْنه وبيْن الناس، ومَن أحسن سريرتَه أصلحَ الله علانيته، ومَن عمل لآخرتِه كفاه الله أمْرَ دنياه.

 أيها الناس: أقْبِلوا على ما كُلِّفتموه مِن إصلاح آخرتِكم، وأعْرِضوا عمَّا ضُمِن لكم من أمر دُنياكم، ولا تَستعملوا جوارحَ غُذِيت بنِعَم الله في التعرُّض لسخطِه بمعصيته، واجعلوا شُغلَكم بالتماسِ مغفرتِه، واصرِفوا هِممَكم إلى التقرُّب إليه بطاعته،

إنَّه مَن بدأ بنصيبه مِن الدنيا فاتَه نصيبُه مِن الآخرة، ولا يُدرك منها ما يُريد، ومَن بدأ بنصيبه مِن الآخرة وصَل إليه نصيبه مِن الدنيا، وأدْرَك مِن الآخرة ما يُريد.

 أيها الناس: إيَّاكم والظلمَ؛ فإنَّ الظلم ظلماتٌ يومَ القيامة، وإيَّاكم والفحشَ؛ فإنَّ الله لا يحبُّ الفحش والتفحُّش، وإياكم والشُّحَّ؛ فإنَّما هَلَك مَن كان قبلكم بالشحِّ، وأفضلُ أهلِ الإسلام فيه مَن سَلِم المسلمون من لِسانه ويده، وإنَّ النادم ينتظر الرحمة، وإنَّ المُعجَب ينتظر المَقْت.

 أيها الناس: ألاَّ وإنَّكم في يومِ عملٍ ليس فيه حساب، ويُوشِك أن تكونوا في يومِ حسابٍ ليس فيه عمل، وإنَّ الله ليعطي الدنيا مَن يحبُّ ومَن يُبغض، ولا يُعطي الآخرةَ إلا مَن يحب، وإنَّ للدنيا أبناءً وللآخرةِ أبناءً، فكونوا من أبناءِ الآخِرة ولا تكونوا من أبناءِ الدنيا، وإنَّ شرَّ ما يُتخوَّف على المرء اتِّباعُ الهوى وطولُ الأمل.

 أيها الناس: إيَّاكم وفضولَ المطعم؛ فإنَّ فضول المطعم يَسِم القلبَ بالقسوة، ويُبطئ الجوارحَ عن الطاعة، ويُصِمُّ الآذان عن سماعِ الموعظة.

 وإيَّاكم وفضولَ النظر؛ فإنَّه يُبدِّد الهوى، ويُولِّد الغفلة، وإيَّاكم والطمع؛ فإنَّه يُشرِب القلب شدَّةَ الحرص وحبَّ الدنيا، فكيف يَعمل للآخرة مَن لا تنقطع مِن الدنيا رغبتُه، ولا تَنقضي فيها شهوته؟!

 إنَّ العجبَ كلَّ العجبِ لمنَ صدَّق بدار البقاء وهو يسعَى لدار الفناء، وعرف أنَّ رِضا الله في طاعته وهو يسعَى في مخالفته! بئس العبدُ عبدٌ تجبَّر واعتدى، ونسِي الجبَّار الأعلى، بئس العبدُ عبدٌ سهَا ولَهَا، ونسي المقابِرَ والبِلَى، بئس العبدُ عبدٌ بغَى وطغَى، ونسِي المبدأ والمنتهَى، بئس العبد عبدٌ طمعٌ يقوده، بئس العبدُ عبدٌ هوى يُضلُّه.

 يا ابن آدم: عندَك ما يَكفيك، وأنتَ تطلُب ما يُطغيك، لا بقليل تَقْنَع، ولا بكثير تشبَع، وإذا أصبحتَ معافىً في بدنك، آمنًا في سِرْبك، عندك قُوتُ يومِك، فكأنَّما حِيزتْ لك الدنيا بحذافيرها.

دعوا الدنيا لأهلها، فوَحقِّ مَن نفْسُ محمد - صلى الله عليه وسلم - بيده، لن تزولَ قدمَا عبدٍ يومَ القيامة حتى يَسألَه الله - عزَّ وجلَّ - عن ماله: مِن أين جمَعه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن عُمُره: فيمَ أفناه؟ وعن شبابه: فيمَ أبلاه؟ وعن أمانته: كيف أدَّاها؟ والذي نفْسُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم - بيده، إنَّ القيام بين يدي الله تعالى يومَ القيامة ليبلغ بالعبدِ حتى يتمنَّى أن ينصرفَ ولو إلى النار.

 تفرَّغوا من همومِ الدُّنيا ما استطعتُم، فمَن كانت الدنيا همَّه قضى الله عليه ضيعتَه، وجعَل فقره بيْن عينيه، ومَن كانتِ الآخرة همَّه، جمَع الله عليه شمله، وجعل غِناه في قلبه، وما أقبل أحدٌ على الله بقلْبه إلا أقبل الله عليه بقلوبِ عباده المؤمنين، فكان الله بكلِّ خيرٍ أسرع،

 ألاَ وإنَّ السعيد ياعباد الله مَن اختار باقيةً يدوم نعيمُها، على فانية لا ينفكُّ عذابها،

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾      باركَ الله لي ولكم...........    

الخطبة الثانية

أما بعد: فأيُّها الناس، تُوبوا إلى الله قبلَ أن تموتوا، وبادِروا بالأعمال الصالِحة قبل أن تُشغَلوا، وصِلوا الذي بيْنكم وبيْن ربِّكم تَسْعَدوا، وأكثِروا من الصَّدقة تُرزقوا، وأمُروا بالمعروف تُخْصَبوا، وانهوا عن المنكرِ تُنصروا، فإنَّ الرِّزْق مقسوم، وإنَّ العمر محدود، فأجْمِلوا في الطلب، وبادِروا العمل قبلَ حلول الأجَل، فإنَّ الأعمال الصالِحة مُحْصاة، فأكْثِروا لله صالِحَ العمل.

أيها الناس: أكْثِروا من ذِكْر هادِم اللذات؛ فإنَّكم إذا ذكرتموه في ضِيق وسَّعه عليكم فرضيتم به فأُجرتم، وإنْ ذكرتموه في غِنًى زهَّدكم فيه فجُدتُم به فأُثبتم.

إنَّ المنايا قاطعاتُ الآمال، وإنَّ الأيام والليالي يُدْنِيانِ الآجال، وإنَّ المرء بين يومين: يوم قد مضَى أُحصِي فيه عملُه فخُتم عليه، ويوم قد بقِي لا يَدري لعلَّه لا يَصِل إليه،

ألا وإنَّ أكيس الناس أكثرُهم للموت ذِكرًا، وأحسنهم له استعدادًا، ألاَ وإنَّ علامات العقل: التَّجافي عن دارِ الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والتزوُّد لسُكْنى القبور، والتأهُّب ليوم النُّشور.

أيها الناس: إنَّ مَن في الدنيا ضيفٌ وما بيده عارِية، وإنَّ الضيف مرتحلٌ والعارية مردودة، ألاَ وإنَّ الدنيا عرَضٌ حاضِر يأكل منه البَرُّ والفاجِر، وإن الآخرة وعْدٌ صادِق يَحكُم فيها مَلِك ٌقادر، فرحِم الله امرأً نظرَ لنفسه، ومهد لرَمْسِه، ما دام رَسَنُه مرخًى، وحبْلُه على غاربه مُلقًى، فإنَّ هذه الدار دارُ الْتواء لا دار استواء، ومنزلُ تَرَح لا منزل فَرَح، مَن عرَفها لم يفرحْ لرخاء، ولا يحزن لشقاء، فإنَّ الله خلَقَها دارَ بلوى، والآخِرة دار عُقْبى، فجعَل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببًا، وثوابَ الآخرة مِن بلوى الدنيا عِوضًا، فيأخذ ليُعطي، ويَبتلي ليَجْزي.

فاتَّقوا الله حقَّ تقاته، واسعَوا في مرضاته، ولا تَحقِرُنَّ مِن المعاصي شيئًا وإنْ صغُر في أعينكم، فإنَّه كبيرٌ في حقِّ مَن عصيتم، وإنَّه لا صغيرةَ مع الإصرار، ولا كبيرةَ مع استغفار، فليأخذِ العبدُ مِن نفسه لنفسه، ومِن دنياه لآخرته، ومِن الشَّبيبة قبل الهَرَم، ومِن الحياة قبل الموت، فما بعدَ الموت مِن مُستعتَب، ولا بعد الدنيا إلا الجَنَّة أو النار، ومَن أراد السلام فليحفظْ ما جرى به لسانُه، وليحرُسْ ما انطوى عليه جَنانُه، وليحسنْ عملَه، وليقصِّر أملَه،                                                    صلوا وسلموا....

المرفقات

1639713410_موعظة عامه 26-7-1436هـ.docx

المشاهدات 2066 | التعليقات 0