مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ

محمد البدر
1440/06/23 - 2019/02/28 12:04PM
الْخُطْبَةِ الأُولَى:
عِبَادَ اللَّهِ: قَالَ تَعَالَى :﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا﴾ .فعليكم بتقوى الله في السرِّ والعلن علمًا وعملًا وتربيةً واستقامةً؛ واحرصوا على الاجتماع والائتلاف والاتِّحاد على التوحيد والاتِّباع؛ ونبذ الفُرْقةَ وأسبابَ الاختلاف؛ قَالَ تَعَالَى :﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(31)مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الروم] وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ .
عِبَادَ اللَّهِ: نحتاج دوماً إلى النصيحة الصالحة التي تحث على التقوى والاستقامة, وتقوم الطريق وتزيل الغشاوة وتبصر بالأخطاء وتوجه نحو الأمام, وعليكم بالتمسك بجماعةِ المسلمين وإمامِهم، فَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا فَقَالَ « أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ » رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. ولا شكَّ أنَّ مُلازَمةَ الجماعةِ المُنتظِمة بإمامٍ يَنْعَمُ فيها المرءُ باستقرار الأحوال، وذهابِ الخوف وحلولِ الأمن؛ فيَسْلَمُ دِينُه وعِرْضُه؛ ولو كان مع ضيق العيش وقلَّةِ المؤونة ،خيرٌ مِنْ بحبوحة العيش وسَعَةِ الرزق في حالة الاضطراب والفوضى الناجمة عن مُفارَقة الجماعة؛ فإنَّ تلك الحالَ تعمُّ فيها الفتنةُ فتُسْفَكُ فيها الدماءُ، وتُستباحُ الأموالُ، وتُنتهَك المحارمُ، وتُقْطَع السُّبُلُ، ويضعف الدينُ، وينقص العلمُ، وينتشر الجهلُ، ويتسلَّط السفهاءُ ويتمكَّن الجُهَّالُ، وغيرها مِنَ الآثار الوخيمة والمفاسدِ العظيمة على الأمَّة؛ و عليكم بالقيام بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، حِسًّا ومعنًى، قَالَ تَعَالَى :﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾. وينبغي على المسلمين أن يأتلفوا ولا يختلفوا، وأَنْ يتحابُّوا ولا يتعادَوْا، وأَنْ يتناصروا ولا يتخاذلوا، وأَنْ يتعاونوا على البرِّ والتقوى ولا يتعاونوا على الإثم والعدوان، وعليهم بالتخلُّق بالأخلاق الحسنة ، والتحلِّي بالآداب الفاضلة مِنَ: الإخلاص والصدق، والإحسان والعدل والاعتدال، والرحمة والرِّفق والحِلْم والتواضع، وصلة الأرحام وتفقد الفقراء واليتامى والأرامل والسعي عليهم وتربية الأبناء وتنشئتهم على التوحيد والسنة وغيرها مِنْ مكارم الأخلاق. واجتنبوا يا عباد الله الأغراضَ الدنيئة والاغترارَ بالدنيا والمال وسائرِ فِتَن الشهوات، والحذرٍ مِنْ فِتَن الشُّبُهات وأمراضِ القلوب مِنْ حبِّ الظهور، والطعن في الأخيار والتشفِّي فيهم، والتصدِّي للدعوة بلا علمٍ ولا زادٍ، أو بعلمٍ ناقصٍ دون تأهُّلٍ ولا تأهُّبٍ، وبلا زكاةِ نفسٍ ولا تربيةٍ ولا مجاهدةٍ والتزموا السيرَ وَفْقَ منهج النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأخلاقيِّ قَالَ تَعَالَى :﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم].
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ:
عِبَادَ اللَّهِ:اعلموا أن استجابة الدعاء والنصر على الأعداء والتمكين للإسلام والمسلمين ليس بالشِّعريَّات والخطابات والأغاني والأناشيد والقصائد والقصص والتمثيليات والمسرحيات وغيرها، ولا بتنظيم المظاهرات والمسيرات، والتَّنديدات، والاستنكارات والشجب والإدانة و تعليمات الطوائف والجماعات ، وإنَّما بالعودة إلى الكتاب والسنة علي فهم سلف الأمة قَالَ تَعَالَى :﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾.واعلموا أن من أهم أسباب تسلُّط الأعداء وتجرأهم على بلاد المسلمين ترك التوحيد والسنة كذلك انتشار الشرك واقتراف المعاصي والذنوب، وانتشار الجهل بأحكام الدِّين وتعاليمه وظهور دعاة الفتنة دعاة وتميعهم للدين وتلميع الإعلام وتسخيره لهم ، وبخاصَّة فيما يتعلَّق بأمور المعتقد، فكثيرٌ من مجتمعات المسلمين قد ترسَّبت فيها كثيرٌ من البدع العقديَّة، فضلاً عن البدع في الفروع، فكم يُرى ويُسمع ويُقرأ منَ الذَّبح لغير الله والطَّواف حول الأضرحة وتعظيم القبور والأولياء والتذلل لبعض المخلوقين والاستعانة بالسحرة والمشعوذين وغيرهم وإقامة الموالد ، حتَّى أصبح التَّوحيد غريبًا في بعض بلاد المسلمين بسبب تكاثر البدع وظهورها، كذلك الإعجاب والتَّبعيَّة لأعداء الإسلام، والمحاكاة والمشابهة لهم، وهذا مصداق قول النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  :«لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ،حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى قَالَ « فَمَنْ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. الا وصلوا ..
المشاهدات 1958 | التعليقات 0