موعظةُ الصيفِ-13-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد محمد
موعظةُ الصيفِ-13-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
مَاذا يَعني لَنا مَا نَراهُ من التَّقلُّباتِ الجَويَّةِ، والتَّغيُّراتِ المَنَاخيَّةِ؟ فَمِنْ صَيفٍ إلى شِتاءٍ، وَمِنْ سُكونٍ إلى هَواءٍ، لَيلٌ ونَهارٌ، صَفاءٌ وغُبارٌ، حَرارةٌ تَلتَهِبُ مِنها الأقدَامُ، وبُرودةٌ تَتَكَسَّرُ مِنها العِظامُ، أَحوالٌ يَنظرُ إليها بعضُهم نَظرةً بَصريَّةً حِسيَّةً، ويَنظرُ إليها المُؤمنُ العَاقلُ نَظرةً قَلبيَّةً تَدَبُريَّةً، قَالَ-تَعالى-: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ)، فَأصحَابُ العُقولِ يَرونَ بِعَينِ البَصيرةِ مَا لا يَراهُ الآخَرونَ.
قُلوبُ العارِفِـــــينَ لَـــــــــــها عُيونٌ تَرى مَا لا يَراهُ النَّاظِرونَا
لَو تَأمَّلَ المُؤمنُ في فَصلِ الصَّيفِ، لَرَأى فِيهِ العِبرَ والعِظَاتٍ، والفَوائدَ والآياتِ.
فَمِنْ مَوَاعظِ الصَيْفِ: أَن يَعلمَ الإنسانُ أنَّ هَذهِ الحَياةَ لا تَصلُحُ أَبدًا لِلخُلودِ، فَمُنَغِصاتُ العَيشِ فِيها لَيسَ لَها حُدودٌ.
يَتمنَّى المَرءُ فِي الصَّيفِ الشِّتا فإذَا جَاءَ الشِّتاءُ أَنكَره!
فهو لَا يَرضَى بحـــــــــــَالٍ وَاحِدٍ قُتلَ الإنسَانُ مَا أَكفرَه!
فَلا رَاحةَ ولا سَعادةَ إلا في جَناتِ النَّعيمِ، حَيثُ الرَّحمةُ والرِّضوانُ والسُّرورُ المُقيمُ، هُناكَ (لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا)، فَهُم (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)، لا يُريدونَ الانتِقالَ والتَّحوِّلَ عَنْها أَبدًا.
وَمِنْ مَواعظِ الصَّيفِ: أَنَّهُ كَمَا أنَّنا لا نَستطيعُ أن نَقِفَ في حَرِّ الظَّهيرةِ مَكْشُوفِي الرُّؤوسِ، حُفاةَ الأقدامِ، فَإنَّ هُناكَ يَومًا طُولُهُ خَمسونَ أَلفَ عَامٍ، يَقومُ النَّاسُ فِيهِ عُراةَ الأجسامِ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي العَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا"، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلى فِيهِ-فَمِهِ-، فَاعمَلْ عَملًا يَجعَلُكَ في الظِّلِ، "فالرَّجُلُ فِي ظِلِّ صَدَقَتِه"، "ومَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا-أَخَّرَ مُطَالَبَةَ مَدِينٍ حتى يجدَ مالًا للسدادِ-، أَوْ وَضَعَ لَهُ-أسقطَ عَنْهُ بعضَ الدَّيْنِ-، أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّه"، "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: الإِمَامُ الْعَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ بِعِبَادَةِ اللّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا؛ حَتَّى لاَ تَعْلَمُ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ"، فَلا ظِلَّ في ذَلكَ اليَومِ، إلا بِعَملٍ صَالحٍ في الدنيا.
وَمِنْ مَواعظِ الصَّيفِ: أن نَتَذكَّرَ فِي أَشَدِّ مَا يَكونُ مِنْ حَرارةِ الصَّيفِ، أنَّ هَذا إنَّما هو نَفَسٌ مِن أَنفاسِ النَّارِ، قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا، فَقالَتْ: يا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذِنَ لَهَا بنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ في الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ في الصَّيْفِ، فَهْوَ أَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ ما تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ-البردِ-"، وقَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-لأصحَابِهِ-رضيَ اللهُ عنهم-: "نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ، قَالُوا: وَاللهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا"، فَاستَعيذوا باللهِ-تَعالى-مِن جَهَنَمَ، قَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: " ما سألَ رجلٌ مسلمٌ اللهَ الجنةَ-ثلاثًا-إلَّا قالتِ الجنةُ: اللهم أدخلْهُ الجنةَ، ولا استجارَ رجلٌ مسلِمٌ اللهَ منَ النارِ-ثلاثًا-إلَّا قالتِ النارُ: اللهمَّ أَجِرْهُ منِّي".
تَفِرُّ مِنَ الهَـــــــــــــــجيرِ وَتَتَّقيهِ فَهَلّا مِنْ جَهَنَّمَ قَد فَرَرتا
وَلَستَ تُطيقُ أَهوَنَها عَذابًا وَلَو كُنتَ الحَديدَ بِها لَذُبتا
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فمِنْ مَواعظِ الصَّيفِ: أَن حَرارةَ الجَوِّ لا يَنبغي أن تَكونَ عَائقًا عَنِ الطَّاعاتِ، بَل يَتَذكَّرُ المَسلمُ أنَّ الأجرَ فيهِ يَضاعفُ دَرجاتٍ، فَلَمَّا اعتَذرَ المُنافِقونَ عَن الجِهادِ بالمَالِ والنَّفسِ، بِسَببِ حَرارةِ الشَّمسِ، أجابهم اللهُ-تعالى-بِقولِهِ: (فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِـمَقعَدِهِم خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الحَرِّ قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدٌّ حَرًّا لَو كَانُوا يَفقَهُونَ)، فإيَّاكم والتَّفريطَ في صَلاتَيِّ الظُّهرِ والعَصرِ في الصَّيفِ بِسَببِ السَّهَرِ والحَرِّ، فَإنَّ وَراءَكم أَيَامًا طَويلةً في ظُلمَةِ القَبرِ، كانَ أبو الدرداءِ-رضيَ اللهُ عنهُ-يقولُ: "صوموا يومًا شديدًا حرُّه لحرِ يومِ النُشُورِ، وصَلُّوا ركعتينِ في ظُلمةِ الليلِ لظلمةِ القُبورِ".
مَنْ كَانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ
أَوِ الْغُبَارُ يَخَافُ الشَّيْنَ وَالشَّعَثَا
وَيَأْلَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقَى بَشَاشَتُهُ
فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا رَاغِمًا جَدَثًا
فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ غَبْرَاءَ مُوحِشَةٍ
يُطِيلُ فِي قَعْرِهَا تَحْتَ الثَّرَى لُبْثَا
تَجَهَّزِي بِجَهَازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ
يَا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدَى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثَا
مِنْ مَواعظِ الصَّيفِ: أَنَّهُ يَقولُ لَنَا: إنْ كُنتُم في هَذا الحَرِّ، في أَمنٍ في البِلادِ، وعَافيةٍ في الأجسَادِ، وَوَفرةٍ في الزَّادِ، فَإنَّ هُناكَ مَن يَسكُنُ في العَراءِ، حَيثُ لا مَاءَ ولا كَهرباءَ، وهُناكَ ضَحَايا الفَيَضَاناتِ أو الزلازلِ، أو الحروبِ والمجازرِ، وهُناكَ مَنْ جَليسُهُ الخَوفُ والفَقرُ، وأَنيسُهُ الظُّلمُ والقَهرُ، وأَنتَ في نَعيمٍ في هَذا الصَّيفِ، فاحمدِ اللهِ على كُلِ حالٍ.
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.
اللَّهُمَّ اغفرْ لنا وللمسلمينَ، وارحمْنا وارزقْنا وإياهُم.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1721272981_موعظةُ الصيفِ-13-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1721272981_موعظةُ الصيفِ-13-1-1446هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf