موسم عظيم

أبو شهد
1436/12/05 - 2015/09/18 07:35AM
الحمد لله سهّل للعباد وأفاض عليهم من سحائب الجود وسوابغ الإنعام ما لا يعد ولا يحصر، أحمده سبحانه وأشكره شرع مواسم وهيأ مناسبات ينيب فيها العبد إلى ربه ويغسل قلبه من دنس الذنوب ويتطهر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله نبي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم صل وسلم وبارك على محمد وعلى آل محمد وعلى صحب محمد ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المحشر.أما بعد:
فأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله حق تقاته، وسارعوا إلى مغفرة ربكم ورضوانه وجناته، واعلموا أن على المسلم أن يعرف قدر عمره وهدف حياته، فهو صاحب هدف ومبدأ وغاية يريد تحقيق عبودية الله ومرضاته، ويعرف قيمة الحياة ويستغل الساعات بل حتى اللحظات، فيكثر من فعل الخيرات إلى الممات، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) تذكيرا بأن الأعمار كلها مواسم يربح فيها المسلم العاقل، ويخسر فيها العاصي الغافل.
وبعض الناس تمر عليه مواسم الطاعات وهو في لهو ومعاص ومنكرات، أو غفلة في دنياه، أجلب عليه الشيطان بخيله ورَجِلِه حتى حُرم من معرفة فضل الأيام، فضلا عن العمل الصالح فيها، فبعض النفوس ضعيفة مهينة حتى في مواسم الخيرات والنفحات، لا تطيق الصبر سويعات، ولا تفكر بالحسنات والسيئات؛ بل همها تلبية الرغبات والشهوات، حتى وإن كانت في مواسم الخيرات!.
ونحن، يا عباد الله، في موسم عظيم ، وأيام فاضلة، عشرَ ذي الحجة، وهي أعظم الأيام؛ بل هي أحب الأيام إلى الله، وَقَدْ مَضَىْ بعضُ هَذِهِ الْأَيَّامِ،وإننا لنعجب أن تمر هذه الأيام على بعض المسلمين وهو لا يشعر بها ولا بعظمتها أو قدرها عند الله! ننظر لأحوال بعض الناس فنعجب لغفلته عن فضل العمل الصالح فيها! ؛فهل من وقفة صادقه للمحاسبة؟ وهل من وقوف جاد للتأمل؟.
إخوة الايمان: لقد فضَّل الله عشر ذي الحجة على غيرها من الأيام، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أفضل أيام الدنيا أيام العشر )
فما السر -أيها المسلمون- حتى أصبحت هذه الأيام أعظم الأيام وأحبها إلى الله؟ تعالوا لنعرف المزايا؛ فقيمة الشيء بحسب مميزاته وصفاته، وأنت إذا عرفت مزايا وصفات هذه الأيام كنت أشد حبا لها، وأشد حرصا على العمل بها.
ومن هذه الأسرار والمزايا:
أولا: أن هذه الأيام تأتي في أوقات غفله خاصة لمن لم يحج؛ فإنه يعيش في بيته وبين أهله وربما هو في اجازة فتذهب هذه الأيام من حيث لا يشعر، فهو في أكل وشرب وذهاب وإياب فتنتهي عشر ذي الحجة وهو في غفلة عنها وعن فضلها؛ ولذلك ذكر بعض أهل العلم أن العبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها... كمن قام مثلا في جوف الليل وأكثر الناس نيام.
ثانيا: أن هذه الأيام شرفت لوقوع ركن الحج فيها وهو ركن من أركان الإسلام؛ ولأنها جمعت من أمهات العبادة من صلاة وصيام وصدقة وحج مما لا تجتمع مثل هذه الأمهات في وقت آخر، قال ابن حجر: والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة من صلاة وصيام وصدقة وحج ولا يتأتى ذلك في غيره.
ثالثاً: أن الله تعالى أقسم بها في قوله (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) والله -سبحانه وتعالى- لا يقسم إلا بأمر عظيم، وقد فسر أهل التفسير أن الليالي العشر هي العشر من ذي الحجة كما قال ابن عباس،
رابعاً: أن فيها أحب الأيام وأعظمها وهو يوم العيد، قال صلى الله عليه وسلم ( أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر ) ويوم القر هو يوم الإستقرار في منى وهو اليوم الحادي عشر .
خامساً: أن فيها يوم عرفة اليوم التاسع، وصيامه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-. ويوم عرفه يوم مغفرة الذنوب وقال صلى الله عليه وسلم «خَيْرُالدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَمِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُوَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ »
ويوم عرفه يَوْمُ الْعِتْقِ مِنَ النَّارِ، فَسَلُوا اللهَ تَعَالَى أَنْيُعْتِقَكُمْ وَوَالِدِيكُمْ وَمَنْ تُحِبُّونَ مِنَ النَّارِ «مَا مِنْ يَوْمٍأَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِعَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟»
ولو لم يكن في عشر ذي الحجه إلا يوم عرفه لكفاها ذلك فضلا .
سادساً : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيها بكثرة التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح . كما جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد )
سابعاً: أن فيها عبادة لا تأتي فيما عداها من الأيام وهي الأضحية، فإنها معلم من معالم الملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية على صاحبيهما الصلاة والسلام. وأنه لا يجوز الصدقة بثمن الأضحيه ، لأن الذبح وإراقة الدماء هو المقصود ،وقال صلى الله عليه وسلم ( ما عمل إبن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة الدم ، وإنها لتأتي يوم القيامه بقرونها وأضلافها وأشعارها وإن الدم ليقع عند الله بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا )
فهي عباده مقرونة بالصلاة كما قال سبحانه (فصل لربك وانحر )
وأول وقتها من بعد صلاة العيد ،وينتهي بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر .
فهذه بعض أسرار ومزايا عشر ذي الحجة، فيا أيها العاقل اللبيب: مزايا وصفات مثل هذه الصفات كيف سيكون موقفك منها؟ وما حالك في ساعاتها ولحظاتها؟ ما الإستعداد لمواسم الرحمن ، وكيف سيكون التعامل مع أيام الله المباركات ، فالسعيد من إغتنم تلك المواسم ولم يجعلها تمر عليه مروراً عابراً ،
أسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا على اغتنام الأيام والساعات الفاضلات، وأن يجعلنا فيها من المقبولين، أستغفر الله العظيم الجليل من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.أما بعد:
عباد الله : لقد بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- فضل العشر الأوائل من ذي الحجة، وحث على اغتنامها، وحري بالمسلم إذا سمع من نبينا -عليه الصلاة والسلام- الكلام عن فضل شيء من الأعمال أن يؤثر ذلك في عمله، وألا تكون المسألة عندنا فقط معلومات نجمعها دون أن يكون لها تأثير في حياتنا.
ما هو تأثير قول النبي -عليه الصلاة والسلام- لما مدحها فقال: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه العشر"، كيف يؤثر فيك هذا الكلام؟ هل يدفعك فعلا إلى أن تصلي الضحى في هذه الأيام العشر، وتقول: ما دام أن صلاة الضحى في هذه العشر أفضل من صلاة الضحى في غيرها، إذاً فسأكثر من صلاة الضحى وأزيد من عدد الركعات وأداوم عليها.
ما تأثيرها عليك في قراءة القرآن؟ بعضنا ربما ختم القرآن في رمضان، ثم مَرَّ عليه الآن أكثر من شهرين وهو لم يختم القرآن مرة أخرى، ما تأثير الحديث الذي مدح هذه العشر عليك؟ هل دفعك إلى أن تقول: والله أنا سأختم القرآن خلال هذه العشر بإذن الله، فأقرأ في كل يوم ثلاثة أجزاء لا تستغرق مني ساعة وربع أو ساعة ونصف لأختم القرآن في هذه العشر؛ لأن قراءة القرآن أفضل وأعظم أجراً من قراءتي في غيرها، هل يؤثر فيك هذا الحديث فعلا فيدفعك إلى أن تكثر من قراءة القرآن فيها؟.
هل يدفعك هذا الحديث إلى الصدقة إلى البذل من مالِك؟
أو إذا مشيت بسيارتك ثم رأيت العمال البسطاء الذين تصهرهم الشمس صهرا وهم ينظفون الشوارع فذهبت واشتريت ماءً أو عصيراً أو خبزاً، وتقول في نفسك: يا ربي، لما سمعت نبيك -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر
يا ربي، أنا أُسرع لأعمل بمحبوباتك ما دام أنك يا ربي تحب الصدقة في هذه العشر أكثر من محبتك لها في غيرها،
والصدقة -أيها الأحبة- ينتفع بها المرء في حياته قبل مماته، وكم من مشكلة وقعت فيها يسر الله حلها بسبب صدقة تصدقت بها يوما! وكم من مصيبة نزلت بك فخففها الله عنك أو رفعها بسبب صدقة تصدقت بها! وكم من ظلمٍ كان سيقع عليك ثم رده الله تعالى عنك بسبب صدقة تصدقت بها! وكم من إنسان كان في كروبات فلما تعرف إلى الله تعالى برحمته لعباده أنزل الله تعالى عليه رحمته.
ونحن نحتاج أيها الأحبة إلى أن نتعرف إلى الله تعالى ببعض الأعمال، حتى إذا وقعت في كربة كذا قلت: اللهم اكشف عني هذه الكُربة بعملي ذاك الذي قدمته بين يديك، "تعرَّفْ إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".
أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ –عباد الله- ولنكثر من الدعاء في هذه الأيام الفاضله ولنخص بالدعاء إخواننا في فلسطين وسوريا ؛ وَلْنُلِحَّ عَلَى اللهِ وَلْنَلجَأْ إِلَيهِ مُخلِصِينَ صَادِقِينَ، فَإِنَّ الدُّعَاءَ سِلاحٌ وَأَيُّ سِلاحٍ، نَصَرَ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ وَأَولِيَاءَهُ.
هذا وصلوا وسلموا على النذير البشير ، والسراج المنير ، نبي الهدى والخير ، فقد أمركم بذلك السميع البصير ، فقال في الذكر الحكيم ، والقرآن العظيم : " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم على صاحب الوجه الأنور ، والجبين الأزهر ، والقلب الأطهر ، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ، اللهم أعز الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ،
اللَّهُمَّ يا مَنْ بِيَدِهِ مَفاتِيحُ الفَرَجِ فَرِّجْ عَنْ إِخْوانِنا في فلسطين وفي كل مكان وَاكْشِفْما بِهِمْ مِنْ غٌمَّةٍ، اللَّهُمَّ يا عَزِيزُ يا جَبَّارُ يا قَاهِرُ يا قَادِرُيا مُهَيْمِنُ يا مَنْ لاَ يُعْجِزُه شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّماءِ،أَنْزِلْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ عَلَى اليَهُودِ الصَّهَايِنَةِ، اللَّهُمَّ يا مَنْبِيَدِهِ مَقَالِيدُ الأُمُورِ، يا مَنْ يُغَيِّرُ وَلاَ يَتَغَيَّرُ قَدْاشْتاقَتْ أُنْفُسُنا إِلَى عِزَّةِ الإِسْلاَمِ، فَنَسْأَلُكَ نَصْراً تُعِزُّبِهِ الإِسْلاَمَ وَأَهْلَهُ وَتٌذِلُّ بِهِ البَاطِلَ وَأَهْلَهُ .. يا ربَّالعالمينَ.
اللهمَّ طهِّرْالمسجدَ الأقصى من رِجسِ يهودٍ، اللهمَّ عليكَ باليهودِ الغاصبينَ، والصهاينةِالغادِرينَ، اللهمَّ عليكَ بهم فإنهم لا يُعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لايعجِزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجِزونك.
اللهم من أرادَنا الإسلامَ والمسلمينَ أوأرادَ بلادَ الإسلامِ والمُسلمينَ بسوءٍ، اللهم فأشغِله في نفسِه، واحبِسه فيبدنِه، وعذِّبه في جسدِه، اللهم اكشِفْ سِرَّه، واهتِكْ سِترَه، وأبطِلْ مكرَه،واكفِنا شرَّه، واجعلهُ عِبرَةً يا ربَّ العالمينَ.
عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العظيمالجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)
المرفقات

795.doc

المشاهدات 1334 | التعليقات 0