موجة الغبار والتقلبات المناخية

سعود المغيص
1439/05/30 - 2018/02/16 07:17AM
الخطبة الأولى
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله تعالى واعلموا أننا نعيش هذه الأيام موجةً من الغُبار ملأت الفضاءَ والهواء ، وعمَّت جميع الأرجاء . غبارٌ متطايرٌ يُضيِّقُ النَّفَس ، ويُعشي العينَ ، ويُشعثُ الشعرَ ، ويوسِّخ الجسد والثياب . ويَعظُمُ الخطبُ عند الأطفال ، والمصابين بأمراض التنفُّس والربو وغيرِه
عباد الله : ونحن نستلهمُ من التقلبات المَناخية الدروسَ والعِبَر ،
والتي أولها : نعلمُ أنها كلها بأمر الله تعالى ومشيئته وإرادته ، لا يقع شيء في الكون إلا بعلمه وإذنه ومشيئته ، فهو المسبب لها والآمر لها ، وهو وحده تعالى المتصرف بالكون كله. فالخلق خلقه والكون كونه ، وهو الرب العظيم الذي لا يُسأل عما يفعل ، ولا يحق لأحد من الخلق أن يتوجه إليه بالاعتراض أو التعقيب ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ونعلم ُ ياعباد الله أنه ما نزل بلاءٌ إلا بذنب ، ولا رُفع إلا بتوبة ، وأننا في زمن قد كثُرت فيه ذنوبُ بعضنا ، وبورزَ الجبارُ بأنواعٍ من المعاصي والآثام والله يقول( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ )
ومن الدروس المستفادة من التقلبات المَناخية والغبار اتهام النفس والاعتراف بالتقصير انطلاقاً من قولِ اللهِ تعالى (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِيَ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ولما نزل قول الله تعالى ( وَاَلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ، وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ : لَا ، يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ ، وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَلَّا يُقْبَلَ مِنْهُمْ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ )
ومن الدروس المستفادة من التقلبات المَناخية والغبار أن الله يقدر تلك الأقدار المزعجة للناس من الغبار أو تأخر نزول المطر ، أو الحر الشديد أو البرد الشديد ، ليُحدث الناس توبة وإنابة ، وتقرباً إلى الله تعالى والتجاءً إليه ، وهذا من عظيم رحمة الله تعالى بهم ، حيث لو كانت أجواء المسلمين دائمة الصفاء ،غزيرة الأمطار ، وأرضهم دائمة الخضرة والجمال لكان ذلك سبباً في غفلتهم وقسوة قلوبهم وانصرافهم عن دينهم ، ولكن الله اللطيف الخبير الرحيم يأبى أن تقسو قلوب عباده المؤمنين ، فيحدث الله لهم ما يكون سبباً في وصلهم به وتقربهم إليه بالدعاء وإلحاحهم عليه بسرعة الغيث وانكشاف الغمة.
اللهم احفظنا بحفظك وتولنا بولايتك وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ،أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم .
 الخطبة الثانية 
أما بعد عباد الله :
ومن الدروس المستفادة من التقلبات المَناخية والغبار أن هذا الغبار والرياح مهما بلغت الشدة ، ومهما تضايق منها الناس ، إلا أنه يحمل الخير من حيث ندري أو لا ندري ، فهو يُسمّد الأرض ويعيد إليها صلاحيتها للزراعة والإنبات ، وهو يقتل حشرات لا يعلمها كثرتها إلا الله تعالى ، ولو بقيت لكان لها الأثر الكبير في الإضرار بالناس وبالممتلكات والزروع ، والرياح لها قدرة رائعة في تلقيح الأشجار وانتقال حبوب اللقاح من شجرة إلى أخرى ، فسبحان من بيده التدبير وله الحكمة البالغة. 
ومما يتذكره المسلم في مثل هذه الأجواء قولَ الله تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) ومما يتذكره المؤمن حينما يؤذيه الغبار أن يتذكر يوم يُملأ أنفُه وجسدُه غُباراً وتُراباً  

اللهم اجعلنا في ذلك اليوم من السعداء ، واكتُب لنا من فضلك ما تحفظنا بما تحفظُ به عبادك الصالحين ، يا رب العالمين ،
الا وصلوا وسلموا  
 
المشاهدات 986 | التعليقات 0