موت الفجأة حكمه، أنواعه ، التأهب له

الغزالي الغزالي
1434/01/29 - 2012/12/13 16:32PM
موت الفجأة حكمه، أنواعه ، التأهب له 1صفر 1434هـ 14/12/2012
الحمد لله، لا إلهَ إلا هو الحيّ القيوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، سبحانه وبحمده، يكشف البلوى ويزيل الهموم، نحمده سبحانه ونشكره على عظيمِ آلائه، وجزيلِ نَعمائه، والنِّعم بشكرِ الله تدوم، ونشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدَه لا شريكَ له شهادةً خالِصة مخلصة تقِي برحمة الله من نار السموم، ونشهد أنّ نبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله، اجتباه واصطفاه وأعطاه ما يَروم، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، الذين حازوا أشرف العلوم، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الجديدان والسحاب المركوم.. (أَمَّا بَعْدُ) فأوصي نفسي وإياكم أيها الناس بتقوى الله تعالى، والعمل بطاعته، واجتناب معصيته؛ فإننا لا ندري متى نفارق دنيانا إلى قبورنا، ونجهل الحال التي يختم بها لنا، ولا نعلم أي عمل نلقى به ربنا.. والموت قد تسبقه إلى العبد نذُرٌ وعلامات من مرض مهلك، أو حرب مبيدة، أو حكمٍ من بشر بقصاص أو قتل سواء كان بحق أم بباطل. وقد يأتي الموت للعبد بغتة وهوعلى أتم حال، وأفضل استقبال، وقد يأتيه وهو في أسوإ الأحوال، أو مفتونا بالأشغال، و مغرورا بالآمال، وهذا الذي يفجع الأحياء، ويخافه الناس على أنفسهم؛ لقلة الزاد، وضعف الاستعداد. وهذا يوجب الخوف الدائم على العباد، وترقب الموت في أي لحظة، قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ}. لقد فطر الله تعالى الأحياء كلهم على الخوف من الموت، واتقاء أسبابه، واجتناب مظانه، كما فطرهم على التشبث بالحياة، وبذل الغالي والنفيس فيها ومن أجلها. ومع أن كل الأحياء تَفِرُّ من الموت، وتتقي أسبابه، إلا أن كل مخلوق لا بدَّ أن يموت {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ}. وإذا كان همُّ الكافر في الدنيا أن يستمتع بملذاتها، ويعب من شهواتها، فإن همةَ المؤمن في الدنيا عمارة الآخرة، والتزود من الباقيات الصالحات؛ مستحضرا الموت والقبر والحساب والجنة والنار، فمن فعل ذلك كانت دنياه مطية لآخرته ومزرعة لها. ونسيان الموت سبب للهو والغفلة والانغماس في الدنيا، كما أن تذكر الموت سبب للزهد في الدنيا والإقبال على الله، وعلى العمل الصالح الذي يرضاه؛ ولذا حثنا النبي على تذكر وتذاكر الموت وعدم نسيانه لئلا نغفل فنفاجأ به يوما ما، فقال : (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) رواه النسائي من حديث أبي هُرَيْرَةَ (ض). وأكثر ما يخافه المؤمن في الموت أن يباغته وهو لم يتهيأ له، وإلا فإن المقدم والمشرف على الموت لمرض أو نحوه تتغير حياته في آخر أيامه، فترخص عنده الدنيا وتعظم الآخرة، فيكون ما ألمَّ به من علامات الموت ومقدماته خيرا له؛ ذلك أن من عادة الإنسان التسويف والتأجيل في التوبة والعمل الصالح، مع طول الأمل والرغبة في الدنيا، وكل ذلك من الغرور وتزيين الشيطان. ومن عجيب ما يقدر الله تعالى على الإنسان موت الفجأة، ويكون عاما وخاصا: أما العام فيشمل أهل بلاد بوقوع وباء مهلك يحصد الأرواح ويملأ المقابر، ويتساقط الناس فيه سراعا، حيث تفنى أسر وعشائر بأكملها، وتغلق دور وتخلو مدن من ساكنيها، وحفار القبور لا يرفع ظهره من كثرة من يدفنون، فما يلبث أن يدفن هو فيما حفر من قبور، وكم من مغسل للموتى، غسل على ذات السرير الذي غسل الناس عليه، وقد وقع ذلك كثيرا في التاريخ في القديم والحديث، وفي الشرق والغرب. وفي زمن الصحابة(ض)هلك كثير منهم، ومن التابعين في طاعون عَمَوَاس الذي ضرب بلاد الشام في خلافة عمر(ض)، فمات فيه خلق كثير، ومن مشاهير من مات فيه من الصحابة أبو عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل وزوجتاه وأولاده كلهم، وأبو جندل رضي الله عنهم. وكانت هذه الأوبئة العامة تنتقل من بلاد إلى بلاد، وتعاود الظهور زمانا بعد زمان، وتشمل أحيانا الإنسان والحيوان كما وقع في أخريات القرن الخامس الهجري، إذ كثرت الأمراض بالحمى والطاعون في العراق والحجاز والشام، وأعقب ذلك موت الفجأة ثم ماتت الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم حتى قلت وعزت الألبان واللحوم، فيما ذكره المؤرخون. ولما منَّ الله تعالى على البشرية باكتشاف أمصال وتلقيحات ضد الأمراض المعدية، والأوبئة الفتاكة، كانت وصارت الأعاصير والزلازل والفيضانات ميادين رحبة لموت الفجأة.. تضرب بلادا في لحظة فتهلك أهلها وتتركها خرابا يبابا، ولا قدرة للبشر على مواجهتها أو دفعها أو تخفيفها. وعقب اختراع الطائرات والسفن العملاقة أضحت مجالا جديدا من مجالات موت الفجأة بسقوط الطائرات، وغرق السفن والعبارات، فتهلك فيها أنفس كثيرة ما كانت تظن أن ركوبها فيها هو آخر العهد بالحياة. وأما الموت المفاجئ الخاص فيقع لفرد أو أسرة على إثر هدم أو حرق أو غرق أو نحوذلك.. ثم كانت حوادث السيارات في العصر الحاضر من أوسع المجالات الفردية لموت الفجأة، يخرج الرجل أو الأسرة من منزلهم بسيارتهم فيؤتى بهم إلى ثلاجة الموتى. وقد يموت العبد بشيء لا يظن أنه يموت به أبدا.. وفي حجة الوداع وقع رجل في عرفة من راحلته فوقصته فمات، وكم من سقوط لا يميت في العادة هلك به صاحبه، وكم من ضربة لا تؤلم مات المضروب بها، وليست في الحقيقة سوى مقادير قُدِّرت على بني آدم، كانت هذه أسبابها، كبرت الأسباب أم صغرت. وموت الفجأة لا يُذم ولا يمدح، فقد يكون رحمة للمؤمن الطائع، كما يكون عقوبة على الكافر والفاجر، فمن كان مستعدا للموت كل حين ووقت، مسلحا بالإيمان والعمل الصالح فإن موت الفجأة رحمة في حقه، وتخفيف عليه. ومن كان متثاقلا عن الطاعات، مسارعا إلى المحرمات، فإن موت الفجأة نقمة عليه وعذاب في حقه؛ لأن الميت يبعث يوم القيامة على ما مات عليه؛ ولأنه لا يتمكن من التوبة ومن أداء ما عليه من الحقوق؛ ولذا كان موت الفجأة كأخذة الغضب،وجاء في حديث عند أبي داود عن عُبَيْدِ بن خَالِدٍ السُّلَمِيِّ:(مَوْتُ الْفَجْأَةِ أَخْذَةُ أَسِفٍ) أي غضبان، صحيح. قال النخعي رحمه الله تعالى: إنْ كانوا ليكرهون أخذةً كأخذةِ الأَسِف. نسأل الله تعالى أن يحسن خواتمنا، وأن يرزقنا الاعتبار بغيرنا، والاستعداد لما أمامنا، وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة..
(آمين) وأقول قولي هَذَا..


الحمد لله العليم الحكيم؛ خلق عباده فقسم أرزاقهم، وضرب آجالهم،{ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا، وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}، نحمده تعالى على ما أعطانا، ونشكره على ما أولانا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ونشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ اصطفاه الله تعالى من بين العالمين خاتما لرسالاته، وإماما لرسله وأنبيائه، وشفيعا يوم القيامة لعباده، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه؛ والتابعين لهم بإحسان إلى يوم لقائه.. (أَمَّا بَعْدُ) أيها المسلمون: جاء في الحديث الذي حسنه بعض أهل العلم أن من اقتراب الساعة ظهور موت الفجأة. وموت الفجأة موجود من قديم الزمان، ولكن ظهوره وانتشاره في الأزمان المتأخرة أكثر منه في الزمان المتقدم، وفي زمننا هذا يكثر موت الفجأة بالسكتات القلبية، أو الجلطات الدماغية، أو الذبحة الصدرية، أو ارتفاع ضغط الدم أو السكر أو انخفاضهما، ترى الرجل الشديد المعافى الذي لا يشكو بأسا فيصرع فجأة بأحد هذه الأعراض، أو ينام فتكون نومته الكبرى، التي لا يفيق بعدها إلا وهو في القبر، والدراسات الطبية تثبت أن موت الفجأة بهذه الأعراض يزداد، يوما بعد يوم حتى أضحى ظاهرة معلومة، وفي البلاد المتقدمة في الطب، ظهر فيها أن أمراض القلب هي السبب الأول للوفاة. والملاحظ أن غالب هذه الأعراض المميتة تنشأ عن توتر القلب وعدم استقراره وراحته بسبب ضغط العيش وصخب الحياة وإزعاجها في هذا الزمن، وكثرة المشكلات وتعقدها، والقلق والتوتر يلازمان أكثر الناس؛ ولذا فهم أحوج ما يكونون إلى سلامة قلوبهم واستقرارها وعدم توترها، وأنفع علاج لذلك: الديمومة على ذكر الله تعالى؛ فإن به راحة القلوب وطمأنينتها، كما قال تعالى: { الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله، أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القُلُوب} وللصلاة تأثير عجيب على القلب وإراحته، وإفراغ ما فيه من شحنات التوتر والقلق؛ والنبي ( كان إذا حَزَبَهُ أَمْرٌ صلى)، وكان يقول:( يا بِلاَلُ أَرِحْنَا بِالصَّلاَةِ) رواهما أحمد. وموت الفجأة لا يخرج عن قدر الله تعالى وتدبيره، ومعلوم أن الدعاء يرد القدر والقضاء، وكان من دعاء النبي :( اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من الْهَدْمِ، وَأَعُوذُ بِكَ من التَّرَدِّي، وَأَعُوذُ بِكَ من الْغَرَقِ وَالْحَرقِ...) رواه أبو داود عن أبي الْيَسَرِ(ض). والجامع بين هذه الأربعة شدتها وكونها فجأة، وروى ابن عُمَرَ رضي الله عنهما قال:( كان من دُعَاءِ رسول الله اللهم إني أَعُوذُ بِكَ من زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ). وموت الفجأة قد يكون من فُجاءة النقمة، ثم إن فجع الإنسان بموت صفي أو قريب فيه زوال النعمة، وتحول العافية؛ ولذا تعوذ النبي من ذلك، وحري بمن يخاف الفواجع والمفاجآت، أن يحافظ على هذا الدعاء المبارك في شتى المناسبات. وليتق العبد ظلم الناس والتعدي عليهم وبخسهم حقوقهم، فكم من مظلوم دعا على ظالم في ماله وولده، فاستجيب له ففقد الظالم ماله، ومات أولاده أمامه. وقد جاء عن مطرف بن عبد الله رحمه الله تعالى:( أنه كان بينه وبين رجل كلام فكذب عليه، فقال مطرف: اللهم إن كان كاذبا فأمته، فخر مكانه ميتا، فرفع ذلك إلى الوالي فقال: قتلت الرجل، قال لا ولكنها دعوة وافقت أجلا). ولما كان موت الفجأة أخذةُ أَسِفٍ في حق المفرط، والأسِفُ هو الغضبان؛ فإن مما يطفئ غضب الله تعالى الصدقة، كما جاء عن أَنَسِ(ض) قال: قال رسول الله :( إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَتَدْفَعُ عن مِيتَةِ السُّوءِ) رواه الترمذي، وصححه ابن حبان. ومن مات له قريب فجأة فليحتسب ويصبر فور علمه، لأن الصبر عند الصدمة الأولى كما جاء في الحديث. ويسعى في نفعه بالصدقة عنه، والدعاء له، وإبراء ذمته من الحقوق التي عليه؛ كما روت عَائِشَةُ(ض) أَنَّ رَجُلًا قال لِلنَّبِيِّ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَظُنُّهَا لو تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لها أَجْرٌ إن تَصَدَّقْتُ عنها قال نعم) متفق عليه. وبما أن الموت قد يفجأ العبد في أي لحظة، فواجب عليه أن يكون مستعدا له بالتوبة، والاستغفار والعمل الصالح، ومجانبة الموبقات وسائر المحرمات، وأن يكتب وصيته لبيان ما له على الناس، وما للناس عليه، روى ابن عمر(ض) أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله قال:(ما حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ له شَيْءٌ يوصى فيه، يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إلا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ، قال عبد الله بن عُمَرَ: ما مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سمعت رَسُولَ الله قال ذلك، إلا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي) رواه الشيخان. إلهنا اجعل خير أعمالنا آخرها، وخير أعمالنا خاتمها، وخير أيامنا يوم لقاك.. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد.. إلهنا أنت أحقّ من ذكر، وأرأف من ملك، وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، أنت الملك لا شريك لك، والفرد الذي لا ندّ لك، كل شيء هالك إلا وجهك، تُطاع فتشكر، وتعصى فتغفر، حُلْت دون النفوس، وأخذت بالنواصي، وأجّلت الآجال، القلوب لك مفضية، والسر عندك علانية، العباد عبادك، والخلق خلقك، نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك أن تثبتنا في هذه الدار، وتلحقنا بالصالحين الأبرار. وأن تجعلنا في دار القرارمن الفائزين والمقبولين، وعلى الصراط عابرين، وفي الجنان منعمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. إلهنا إن جلت وجمت خطايانا فعفوك أوسع لنا، ربنا حقق توبتنا واقبلها، واشفِ قلوبنا واحفظها.. اللهم يا حي يا قيوم، أنزل علينا رحمة من عندك ترحم بها كبيرنا، وتصلح بها صغيرنا، وتهدي بها شبابنا، وتصلح بها نساءنا، وتفرج بها همومنا، وتكشف بها كروبنا، وتشرح بها صدورنا، وتيسر بها أمورنا، وتقضي بها ديوننا، وتغفر بها ذنوبنا، وتدخلنا إلى الجنة بكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعنا، وقوّنا، وشدّ أزرنا، ونفذ أمرنا، وأوثق عزائمنا، وسدد رأينا، وصوّب سهامنا، ووحّد كلمتنا، وثبت قلوبنا.. اللهم احفظنا بحفظك، واحرسنا بعينك وعونك، واخصصهما بأمنك ومنّك.. اللهم ارزقنا الخلد في جنانك، والشوق إلى لقائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجاءك، واقطع رجاءنا عمن سواك، وامنحنا شرف رضاك، اللهم أقبل علينا بحنانك وعطفك، اللهم اقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، واغفر ذنوبنا، وثبت ألسنتنا، وجنّبنا الخطايا والذنوب والموبقات، ووفقنا للعمل بالباقيات الصالحات، وألهمنا ذكرك في جميع الأوقات، وزحزحنا عن الناروأدخلنا فسيح الجنات.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين) والحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 3281 | التعليقات 1

اللهم ارزقنا توبة قبل الموت، و رحمة بعد الموت.. آمين.