موافقة مع تعميم الوزارة @ العمالة السئبة @ تعديل

عبدالله منوخ العازمي
1440/02/22 - 2018/10/31 09:17AM

لقد جمعت شريعة الإسلام المحاسن كلها، فصانت الدين، وحفظت العقول وطهرت الأموال وصانت الأعراض وأمنت النفوس وحذرت من كل عمل يخل بالأمن والاستقرار وكان من دعوات الخليل إبراهيم عليه السلام (رب اجعل هذا البلد ءامنا)

وامتن الله على ثمود قوم صالح بنحتهم بيوتهم من غير خوف ولا فزع فقال عنهم  (وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً ءامنيين)

 

وأنعم الله على سبأ الآلاء المتتابعة، والأماكن الآمنة قال تعالى (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياماً ءامنيين)

 

وامتن الله على قريش بهذه النعمة فقال سبحانهفليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف)

 

فالأمن من أعظم نعم الله على عباده بعد نعمة الإسلام والإيمان روى الترمذي في سننه من حديث عبيد الله بن محصن الخَطمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)

 

وإذا ضاع الأمن سفكت الدماء وانتهكت الأعراض والحرمات وعمت الفوضى وأصبح الناس في فقر وجهل وخوف ولم يهنؤوا بطعام ولا بنوم ولا بغيرهما من ملذات الدنيا.

أيها المسلمون، خص الله بلاد الحرمين بخصائص ومزايا جعلتها مهوى أفئدة المسلمين ومحط أنظارهم وأمنية لكثير من أبناء المسلمين للعمل فيها والقرب من البيت الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ولما تشهده من الأمن والاستقرار ورغد العيش ولذلك تكاثرت العمالة في بلادنا طلباً للقمة العيش

 

وهؤلاء أعني العمالة لهم حقوق وعليهم واجبات وليس المقام للحديث عن هذه الحقوق والواجبات فهذا له موضع آخر ولكن أردت التنبيه على أمور تتعلق بالوافدين من هذه العمالة على هذه البلاد فقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء هل يجوز أخذ مبلغ من المال مقابل الكفالة للوافد؟

 

وهو ما يعمله بعض المقاولين حينما يستقدم عمالا، ويتفق مع العامل على أجرة ستين في الشهر، فيؤجره لمقاول آخر بعشرة في اليوم، فيأخذ المقاول الأول ثمانية، ويعطي العامل اثنين، فما حكم الإسلام في ذلك؟

 فكان الجواب: ما يتعلق بجلب العمال وتشغيلهم عند غير من استقدمهم، وأخذ أجرة على الكفالة، سبق أن عرض هذا الموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وأصدر فيه قرارا هذا نص مضمونه. 

 الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد: 

 بحث المجلس موضوع استقدام العمال وتشغيلهم عند غير المستقدمين، على أن يكون للمستقدم جزء مشاع من أجورهم، أو مبلغ معلوم منها، بناء على الأسئلة الكثيرة المتكررة التي ترد إلى الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، واطلع على البحث الذي أعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وبعد المناقشة وتداول الآراء قرر المجلس أن كل استخدام وتشغيل للمستقدمين يخالف ما أقرته الدولة للمصلحة العامة فهو ممنوع، وأن كل ما يأخذه المستقدمون من العمال مقابل تمكينهم من العمل عند غيرهم يعتبر محرما؛ لأن الكتاب والسنة قد دلا على وجوب طاعة ولي الأمر في المعروف، ولما يترتب على استخدام العمال على غير الوجه الذي استقدموا من أجله من الفساد الكبير، والشر العظيم على المسلمين، فوجب منعه.

 

كما سئلت اللجنة الدائمة عن العمالة الأجنبية السائبة أو الهاربة من كفلائهم، هل التستر عليهم والبيع والشراء منهم بحجة أنهم مساكين أو أننا بحاجة لهم جائز شرعا أم لا؟

 الجواب: لا يجوز التستر على العمالة السائبة والمتخلفة والهاربة من كفلائهم ولا البيع أو الشراء منهم؛ لما في ذلك من مخالفة أنظمة الدولة، ولما في ذلك من إعانتهم على خيانة الدولة التي قدموا لها، وكثرة العمالة السائبة، مما يؤدي إلى كثرة الفساد والفوضى وتشجيعهم على ذلك، وحرمان من يستحق العمل والتضييق عليه في كسب رزقه. 

 

عباد الله، لا يخفى عليكم أن من الأمانة الوفاء بالعقود فعلى كل من العامل وصاحب العمل أن يفيا بما تعاقد عليه والتزما به ما دامت عقودهما والتزاماتهما موافقة للشريعة الإسلامية، قال تعالى (يا أيها الذين ءامنوا أوفوا بالعقودفرب العمل يلتزم بالأجرة ونوع العمل ومقداره وزمنه حسب ما تم الاتفاق عليه 

 

والعامل يلتزم بالقيام بما وكل إليه على أحسن وجه، روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قال اللهثلاثة أنا خصهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره) وروى أبو يعلى في مسنده من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).

أيها المسلمون، الأضرار والمفاسد التي تترتب على تشغيل العمال عند غير من استقدموا له أو إيوائهم والتستر عليهم ممن هم من مخالفي الإقامة والعمل كثيرة

فمن ذلك:

  ارتكاب بعض المخالفين من ضعاف النفوس لجرائم أمنية وأخلاقية وجنائية وكذلك الدعوة إلى أديانهم الباطلة وأفكارهم المنحرفة والتغرير بأبناء المسلمين وإفسادهم، مما يهدد أمن المجتمع وينشر الرذيلة والفساد وهذا من أعظم المفاسد والشرور.

 

ومنها: استخدام بعضهم من قبل جهات أجنبية معادية لهذه البلاد للإضرار بأمن بلاد الحرمين

 

ومنها: أن كثرة العمالة السائبة يؤدي إلى كثرة الفساد ونشر الفوضى وحرمان من يستحق العمل، وكذلك مزاولة بعض النشاطات التجارية والصناعية والزراعية بطريقة فيها إضرار بمصالح البلد وغيرها من الشرور والمفاسد، ويتحمل صاحب العمل المتسبب في ذلك كفلاً من الوزر قال تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم…..

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد عباد الله اعلموا أن من الأنظمة عظيمة النفع: الأنظمة التي وضعتها الجهات المختصة لتنظيم الاستقدام من خارج البلاد وتجريم التحايل على ذلك أو التستر على العمالة المتخلفة المخالفة لها والتعامل معها، ولا ينكر نفع هذه الأنظمة وعظم المصالح التي تحققها إلا صاحب هوى، لذلك كانت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بوجوب الالتزام بهذه الأنظمة وتحريم مخالفتها والتي نصت على 

أن الجهات المختصة في الدولة قد وضعت أنظمة وتعليمات تنظم وجود العمالة الوافدة وتنقلها من مكان إلى آخر، ومن يسمح لها بالعمل لديه

والالتزام بتلك الانظمة والتعليمات أمر واجب لا تجوز مخالفته ولا التحايل عليه بوجه من الوجوه لقوله عز وجل (يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم).

 

فما أصدره ولي الامر تحقيقا للمصلحة العامة يتعين الالتزام به ويأثم من يخالفه، وبناء على ذلك فلا يجوز نقل العمالة الوافدة أو تشغيلها الا وفق ما تقتضيه الانظمة والتعليمات في هذا الشأن ويأثم المتستر على تلك العمالة كما يأثم مشغلها والناقل لها لان كل واحد من هؤلاء متعاون على الاثم والعدوان والله عز وجل يقول (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان).

 

عباد الله، إن لوجود هذه العمالة السائبة المخالفة للأنظمة أضرار وأخطار عظيمة لا تخفى على ذي عقل، وتتعدد هذه الأضرار والأخطار فمنها ما هو ديني عقدي: كعمل كثير منهم على نشر دياناتهم على المسلمين ولو بالتشكيك في دين المسلمين أو نشر أفكار لفئات ضالة وطوائف منحرفة ومنها ما هو أمني: كارتكاب فئات منهم جرائم بشعة أخلاقية وجنائية واستخدام بعضهم من جهات أجنبية تسعى إلى الإضرار بهذه البلاد بأعمال إرهابية أو أخرى تجسسية أو العمل على نشر المخدرات ومنها ما هو اجتماعي: كتكاثرهم في تجمعات عشوائية فاقدة للهوية سرعان ما تصبح مرتعاً خصباً لانتشار الجريمة والفساد وتتسبب في ظهور أجيال ناشئة على الفقر والجهل والجريمة ممتهنة للتسول والاحتيال.

 

ومنها ما هو صحي: كنقل بعضهم الأوبئة والأمراض المعدية ونشرها في البلاد بسبب دخولهم بدون أي شهادات صحية وهو ما يسهم في زيادة الأعباء على الخدمات الصحية التي تقدمها الدولة لهم أو تكافح بها الأوبئة التي تسببوا في نقلها.

عباد الله إن التزام الأنظمة واللوائح الرسمية والقوانين المرعية من أعظم ما يدفع الضرر عن المجتمعات ودفع الضرر مقصد شرعي من مقاصد الدين الآمر بتحقيقه فأرحم الناس بالناس نبيا محمد صلى الله عليه وسلم بقوله (لا ضرر ولا ضرار).

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم

 

المشاهدات 1303 | التعليقات 0