مواصلة العمل الصالح بعد رمضان.

عادل بن عبد العزيز الجهني
1446/10/05 - 2025/04/03 22:32PM

 

خطبة مواصلة العمل الصالح بعد رمضان.

 

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحين، أحمده سبحانه وهو للحمد أهل، وأشكره رغبة في الزيادة من الفضل، وأشهد أن لا إله إلا الله الإله الحق المبين، وأصلي وأسلم على خير من حَمِد ربه وأثنى عليه في العالمين، صلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبه وأهل بيته الطيبين، صلاةً سرمديةً إلى يوم الدين، أمّا بعدُ.

فأوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله، فتقوى الله هي أعظم ما أُمر به العباد، وهي الزاد العظيم ليوم التناد 

 ﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَقُولُوا۟ قَوۡلࣰا سَدِیدࣰا ۝٧٠ یُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَـٰلَكُمۡ وَیَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن یُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِیمًا ۝٧١﴾

﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَلۡتَنظُرۡ نَفۡسࣱ مَّا قَدَّمَتۡ لِغَدࣲۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِیرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾

عباد الله

لقد أكرم اللهُ هذه الأمّة بهذه الشريعة العظيمة، والأحكام الكاملة الرفيعة، ومِنْ ذلك ما منّ به عليهم من شريعة الصيام والقيام، فأمضى المسلمون شهرًا يتنقلّون بين الطاعات، ويتقربون إلى ربهم بأنواع القربات.

ولمّا كانت حكمة الله كاملة، فقد قضى أن يجعل هذه المواسم التعبدية شهرًا واحدًا لعلمه بضعف النفوس، وعدم قدرتها على مواصلة العبادة بهذا الجهد الدؤوب، فجعل شهرَ رمضان ثلاثين يومًا وليلة، وهيْئه ليكون ميقاتًا وزمانًا للتزوّد منه، وجعل عباداته ذخرًا ونفعًا لمِا بعدها من الأزمان، فطوبى لعبدٍ انتفع به، وجعله منطلقًا لِما يُقرّبه من ربه.

أيّها المؤمنون

ليس للعبادة في حياة المؤمن زمنًا محددًا، بل هي عبادة متواصلة حتى يلقى العبدُ ربَه فينال رضاه، ويكون من أهل السعادة التي لا تنقطع ولا تزول، قال اللهُ تعالى:  ﴿واعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينُ﴾ واليقين هو الموت، فليس للمؤمن وانقطاع للعبادة والتقرّب إلى الله إلا بالموت.

وإنّ الموفق من عباد الله هو الذي انتفع من رمضان انتفاعًا بيّنًا واضحًا، فتراه بعد رمضان في أحسن حال، وصار شأنه مع عباداته وعلاقته مع ربه إلى خير مآل.

فبعد أن كان مُفرّطًا في صلاة الجماعة صار من المسارعين إليها، والمسابقين إليها، فيُؤلمه فواتها، بل يُحزنه لو فاته جزءًا منها.

وأمّا حاله مع قراءة القرآن فأصبح لا يترك التلاوة، وجعل له وِردًا يقرأه كل يوم ليُغذّي روحه من كتاب الله، ويُنير صدره بهذه الآيات البيّنات.

وأصبح يُولي البِر والصلة عناية، ويولي معاشرة الأهل والعناية بالأبناء رعاية.

وهذّب الصومُ والقيامُ وسائرُ الطاعات أخلاقَه، فصار يُعاشر غيره بمعروف، ويتعامل مع الآخرين بخُلقٍ كريم

ومن آثار الصوم على هذا العبد الموفق ما آل إليه حاله من حفظ الجوارح، ورعاية الحرمات، فصار غاضًّا لبصره بعد أن كان يُطلق له العنان، مراقبًا لسمعه فلا يسمح له إلا أن يسمع ما يُرضي الرحمن، أمّا لسانه فصار له حافظًا قد ترك الغيبة، وتنزّه عن الكذب والزور والبهتان وسائر المحرمات التي كان يتساهل بها، واستبدل كثرة الكلام بغير ذكر الله إلى ذكره على كل حال، قدوته في ذلك رسول الله صلى اللهُ عليه وسلم الذي كان يذكر الله على كلِّ أحيانه.

ومن آثار الصوم على هذا العبد ما أثمره من المحافظة على وقته، والظنّ بزمانه العزيز، فصار لا يُضيّع منه شيئًا فيعتني بساعات يومه وليله، ويسعى أن يملأه بالخير، ولا يُضيّع منها شيئًا قدْر استطاعته.

إنّ مثل هؤلاء هم الذين انتفعوا من الصوم حقًا، وكانوا عباد الله صدقًّا، فالمسلم مهما غفل عن مقصد وجوده، وضعف عن طاعة ربه، فيبقى الأصل فيه محبة الله، ومراعاة أمره، والعناية بزمانه، والرعاية لأوامر ربه، والحنان للرجوع إليه، فربُه كريم يدعوه دومًا إلى التوبة والإنابة إليه، والخلق كلهم بحاجة إلى التوبة على الدوام، قال اللهُ تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ فالفلاحُ في هذا السبيل، والظفر والفوز من هذا الطريق.

أيّها المؤمنون

إنّ بركات عبادة الصوم لا يكاد ينفك عنها أحدٌ من أهل الإسلام لإحاطة أجواء رمضان بالجميع، فقد كانت المساجد ملئ بالعُبّاد، وكثرة الأعمال الصالحة هي الأغلب المعتاد، فيرى المسلمون المساجدَ يؤمها الآلاف بل ومئات الآلاف والملايين كما في الحرمين الشريفين، ويرى الكثير التالين لكتاب ربهم، وتُبصر عيونهم المتصدقين، وتفرح نفوسهم بسفر الإفطار وكثرة المعتمرين وغيرها من الأعمال. 

إنّ هذه الصورَ لها أثرها على النفوس، فحريٌ بالعبد الناصح لنفسه أن لا يجعلها تمرّ عليه مرورًا عابرًا، فقد كان له الأثر الكبير بالتنافس على الطاعات، والمسابقات إلى ربه بالإكثار من الباقيات الصالحات فاغتنموا هذا التأثر لتنتفعوا بها بقية عمركم.

صلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام ….

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية.

الحمدُ لله الذي هدانا، ولدينه القويم اجتبانا، وأصلي وأسلم على من بعثه الله رحمة للعالمين. 

عباد الله

ولمّا كانت النفس ضعيفةٌ وميّالة إلى الكسل، ومتصفة بالضعف والخور إلا من رحم الله، كان لزامًا عليها مواصلة المسير، ومدافعة الشيطان الرجيم الذي لم يزل يصرف النفوس عن الطاعات، ويبذل جهده لتثبيطهم عن فعلها، فالحذر الحذر من الحوْر بعد الكوْر، ومن النكوص إلى المعصية بعد السلامة من شرها، ومن استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.

لقد أصبحت أيّها المؤمن مصليًا، وصرت ممن قال اللهُ فيهم: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾

فإيّاك إيّاك أن تُفرط في الفرض، أو تتكاسل عن السُنّة، أو تزهد فيما يرفعك عند ربك من صلاة الليل والسنن الرواتب وغيرها من النوافل.

وإيّاك إيّاك من هجر القرآن الذي هو الشفيع العظيم.

ولا يجفو لسانك عن الذكر، أو تُحبس اليد عن الصدقة ولو بالقليل، فما أجمل الطاعة بعد الطاعة،

وما أشنع المعصية بعد شرف القربة

وما أسوأ الجفاء بعد جميل الوصال.

وتعَاهَدَ القلب بالمراقبة فادفع عنه كل وساوس الشيطان، وراقب خُلُقك في كل موقف ونزال، فالنفوس لا بدّ لها من امتحان.

ولا بد أن توقن أيّها المؤمن أنّ مواصلة الطاعات يحتاج إلى مجاهدة النفس، فالجنّة وربِّ السماء غالية، فهي السلعة العالية، والمنزلة الرفيعة السامية، فلا يصلُ إليها إلا الكُمّل من البشر، الذين سعوا إليه بجهدهم، وصبروا على كل سبب وسبيل يوصلهم إليها.

ولا بدّ لك أن تبحث عن الأسباب التي تجعل المرء يثبت على هذه الأعمال الصالحة، ولعل مِنْ أهمّها الصحبة الطيبة فهي خير معين لك للمداومة على العمل الصالح وأولى الصحبة هم أهل بيتك من زوجك وولدك فتعاونوا على طاعة الرحمن، ومن أسباب المداومة على العمل الصالح المحافظة على قدر مناسب تستطيع المداومة عليه كالسنن الرواتب كل يوم وصلاة الوتر كل ليلة وقراءة جزء من القرآن ونحوها مما هو يسير على المرء، ومن الأمور المهمة في هذا المقام لزوم الدعاء فإنّه المعين الأساسي لكل ما يُرضي اللهُ عن عبده.

اللهم أعزّ الاسلام والمسلمين…..

ين…..

 

المشاهدات 775 | التعليقات 0