"مهمات مع بدء الدراسة"، أ.د. صالح دعكيك

شادي باجبير
1446/04/22 - 2024/10/25 21:27PM

بسم الله الرحمن الرحيم

خطبة: "مهمات مع  بدء الدراسة"، أ.د. صالح دعكيك، مسجد آل ياسر، حضرموت، المكلا، 23/9/2024م

*الحمد لله رب العالمين    

   عباد الله : حينما يأتي عام دراسي جديد، تتجدد معه المسؤولية علينا تجاهه، وتضع ثقلها من جديد على كاهل القواسم الثلاثة: الأسرة، والمدرسة، والمعلمين، ليتجدد معه الخطاب، على التذكير بعظم تلك الأمانة، وواجب الاعتناء بها، فإن الأمانة على الإنسان متعددة الجوانب، ومنها الجانب التعليمي والتربوي للنشء، قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾. الأحزاب (72).  ويقول عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته». رواه مسلم (1829).

أيها الإخوة :

    إن رسالة التعليم ليست أن يحمل الطلاب على عواتقهم كمًّا من المقررات والكتب، أو أن يحفظوها طيلة فصل أو عام، ثم يتخففون منها بأداء الامتحان، ويرمون بتلك المقررات، وكأن شيئا لم يكن، بل رسالة التعليم رسالة لنهضة أمة، وإثبات وجودها بين الأمم، بتخرج العلماء والقادة في كل مجالات الحياة، وهل تتسابق أمم الأرض اليوم إلا في مضمار العلم، والأمة الجاهلة المتخلفة لا مكان لها بين الأمم، بل تكون منهزمة، وعالة على غيرها حتى ولو كان عدوها.

   إن طبيعة الإسلام تفرض على الأمة التي تعتنقه أن تكون أمة متعلمة، ترتفع فيها نسبة المتعلمين، وتهبط أو تنعدم نسبة الجاهلين، وشواهد هذا في القرآن الكريم والسنة النبوية أكثر من أن تحصر، ويكفي هذه الأمة فخرا أن أول آيات كتابها نزولا على نبيها هي: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾. العلق (1-5)، فهذه الآيات تاج على رأس هذه الأمة، ووشاح عال على تقديرها للعلم العلماء.

    إن أمتنا هي أمة " اقْرَأْ "، ويجب أن تكون كذلك، فهذه اللفظة وحدها فيها من الدعوة إلى: العلم، والثقافة والفكر والبحث والكتابة والتنقيب في إرجاء السموات والأرض ما فيها، إنها أول صيحة في عالم الدنيا تسمو بقدر القلم، وتفيض بقيمة العلم، وتعلن الحرب على الأمية الغافلة، وتجعل اللبنة الأولى في بناء كل أمة عظيمة تنظر إلى المجد.

     أننا جميعا -آباء وأمهات ومعلمون ومدرسة ومجتمع وطلاب- يجب أن ندرك هذا المعنى ونعمقه في نفوسنا؛ لننطلق على آفاق العلم الرحبة في كل مجال، وأمة " اقْرَأْ " أحق بذلك.

أيها الأفاضل: جميعنا نهتم في بداية الدراسة بتوفير كل لوازم المدرسة لأبنائنا، ولو بتوفير ذلك من قوتنا وطعامنا، وهذا لا شك هو عين المسئولية، والأجر حاصل بذلك، ولكن الأهم يمتد لما بعد ذلك، فهناك متابعة للأبناء ذكورا وإناثا، ومراجعة لدروسهم، وتفقد لأحوالهم، وأحوال من يحتكون بهم من زملائهم، والسؤال عنهم والتواصل بإدارة المدرسة، والزيارة لهم إلى مدارسهم، وتلك الزيارة وحدها كم ستترك من أثر تربوي ونفسي عميق في نفوس الأبناء، ولو يكن ذلك إلا مرة في الفصل.

  إننا ندرك جميعا - آباء وأمهات - أن أمانة تعليم الأبناء لا يتم أبدا بمجرد توفير مستلزماتهم المدرسية، ولهذا يعجب المرء من الضعف الشديد في المتابعة والتواصل، كما إن الضعف يمتد أيضا في قلة العناية في ربط الأولاد والبنات بحلقات التحفيظ، والتي هي من أنجح محاضن تربية النشء واستقامتهم.

 واعلموا معاشر الآباء أن تربيتهم جهاد، وأَعْظِمْ به من جهاد تؤجرون عليه، علَّك أيها الأم وأيتها الأم إذا كنت في قبرك وحيدًا فريدًا، تأتيك أنوار دعواتهم، تنير الظلمات، وتسعد الخاطر.

    إنه يتوجب على من أراد صلاح أبنائه وبناته، وبرهم وإحسانهم ودعاءهم، أن يهتم اهتماما بالغا بدينهم، كما يهتم بدنياهم، ويجمع بين الحسنيين.

أيها الإخوة: التعليم النظامي المجاني نعمة جليلة، حيث تتولى الدولة وفقها الله، وتوفر معظم ما يلزم للعملية التعليمية، من مدارس ومناهج وكتب ومدرسين، على ما يعتري ذلك من النقص والبخس في ظروفنا الحالية، فهي نعمة يجب أن تقابل بالشكر، فإن قوبلت بالجحود والنكران، فاقل سلبياتها نزع البركة منها، وهو ما نلمسه حاليا من تأفف الطلاب والطالبات ، وكذا تذمر المدرسين أحيانا، وربما أولياء أمور الطلاب، وما يقع في المدارس من قل التوفيق، وكثرة المشاكل بين الطلاب والمدرسين، وقلة السكينة في المدارس، وفقدان قدر من الاطمئنان، وغير ذلك، مما هو مشاهد ومعروف.

   إننا بحاجة للتذكير بهذه النعمة التعليمية، والمحافظة عليها، وتذكير الطلاب والطالبات بمميزاتها وإيجابياتها، وحثهم على الحفاظ على ممتلكاتها، وإمساك اللسان عن الاستطالة عليها، والسلبيات التي ترافق العملية التعليمية، يجب أن تعالج مع تواصل الآباء بإدارات المدرسة، ومن استبان له عيب ونقص من الكتاب أو الصحفيين فعليه شرعا معالجة ذلك عبر الأطر الرسمية، وليس عبر إشاعة ذلك في صفحات الفضاء الشبكي، فذلك أدعى لحصول المصالح ودفع المفاسد.

    كثير أولئك الذين يختارون المدارس الخاصة لتعليم أولادهم، رغم الرسوم المرتفعة التي تصل إلى مئات الآلاف!! وفي تقديري أن ما يدفع الناس لذلك أمرين أساسيين:

(الأمر الأول): الاهتمام التعليمي الذي يجدونه لأولادهم، ومتابعتهم حضورا وغيابا.

(والأمر الثاني): الاطمئنان على أولادهم من سلبيات زملاء السوء، وتبعاتها الخطيرة.

     والسؤال هنا: هل بإمكان إدارات المدارس العامة السعي لتوفير ما يمكن توفيره من الاهتمام والاطمئنان المذكورين، ومحاولة تضييق المساحة الشاسعة في ذلك؟

    لا شك أن هناك عقبات متعددة في طريق هذا المطلب، تحتاج تذليل، من خلال تسهيلات إدارة التربية، وتعاون المعلمين، وبذل قصارى جهودهم مع الإدارة والآباء والخيرين في المجتمع، إننا على أمل أن يتحقق ذلك ولو على مراحل، والله تعالى الموفق لكل خير.

  أيها المعلمون والمعلمات:

      لا شك تدركون أنكم أصحاب رسالة سامية، ومهنة شريفة، أنتم ورثة الأنبياء في تعليم الأجيال وتربيتهم، وعلى قدر عطائكم يكون مستقبل البلاد والعباد، وتعلمون أثر تعليمكم على الأجيال، فكل قادة وسادة المجتمع يمر بمقاعدكم.

  فجملوا عملكم بالإخلاص، وأحسنوا عملكم فإن الله ناظر إليه،﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون﴾.

 والله إنكم  معاشر المعلمين والمعلمات في مهمة عظيمة وعلى ثغر من ثغور الإسلام، تعليما وتربية، ودفاعا عن ثوابت الأمة، وتربية الجيل القادم، خصوصاً في زمان كثرت فيه أسباب الانحراف عن العقيدة، وإثارة الشبهات، وغزو الأخلاق، يأتي الطلاب والطالبات من كل صوب، بأنماط  من التفكير والسلوك، متأثرين بما يشاهدون وما يسمعون، من فضاءات الشبكة العنكبوتية، التي تقذف بزَبَدِها للجميع، فتؤثر على القلوب والعقول والأخلاق، بما لم يقع في عالم البشر من قبل، وهنا تتعاظم مسئولية حاملي التربية والتعليم، وتكبر الأمانة الملقاة على عواتقهم، فهم يمارسون التربية كما يمارسون التعليم.

     ولا شك أن حجم المسئولية كبير جدا أمام وزارة التربية والتعليم ومكاتبها وخبرائها، في مواجهة كل تلك المستجدات على الساحة، ومواجهتها بخطط فعالة، جديرة بالوقوف أمام هذا المد من الداهم، كما يضع الأسرة والمجتمع كله، بل قبل ذلك الدولة في مسئولية مباشرة مع تلك المستجدات.

    ومن المقترحات المطروحة لأنشطة المدارس القيام باستضافات للعلماء والدعاة والأكاديميين والمفكرين والمختصين في التربية وعلم النفس والاجتماع ومكافحة المخدرات، وغيرهم من المثقفين بطرق موضوعات مختلفة، تعقبها حوارات مفتوحة، تعالج مشكلات الشباب والفتيات المنتشرة.

    فيا معشر معاشر المعلمين والمعلمات، ابذلوا ما تستطيعون، وقدموا ما تطيقون، استنفذوا كل طاقاتكم لأداء ما تتطلبه المرحلة، زاحموا الشر والفساد في الفكر والأخلاق، ولا تجعلوا له بابا يلج منه، ولا تسمحوا له بالمرور بين مقاعدكم، وليكن شعار أحدكم: "والله لن تلج من قبلي أبدا"، وما دام الله هو من وراء القصد، فهو مؤيدكم وناصركم ومسدد خطاكم، قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾. الحج (78).

   بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ....

 

 

((الخطبة الثانية))

أيها الفضلاء:

  من الواجبات الانسانية والمجتمعية توقير المعلم واحترامه، وتقدير الجهد الكبير، والعمل الجليل الذي يمارسه، فالمعلم هو ركن المجتمع الأهم الذي عليه تتخرج كل الأجيال بكافة تخصصاتها، فيجب أن يأخذ حقه من التبجيل والتكريم، كما قال شوقي رحه الله.

قُمْ للمعلّم وَفِّهِ التَّبْجِيلا *** كاد المعلمُ أن يكونَ رسولاً

وعلينا كأولياء أمور أن نربي أولادنا على احترام المعلم وتبجيله، ونؤكد على ذلك في مناسبات مختلفة لنغرس ذلك في الأجيال، كما يجب أن يتعامل كل مسئولي الدولة مع المعلم بما يليق بمهمته الشريفة.

قال بعض الشعراء مبينًا مَغَبَّة ازدِرَاء المعلّم، قال الشاعر:

إن المعلمَ والطبيبَ كلاهُما *** لا يَنْصَحَانِ إذا هما لم يُكْرَمَا

فاصبر لدائك إن أهنتَ طَبِيبَهُ *** واصبر لجهلك إن جَفَوْتَ مُعلّما

   فالمعلم جدير بالإكرام والاحترام في كل مكان، وحدير بأن يفسح له في المجالس حيثما كان، ردا للجميل وأداء لحق العلم والتعليم، وإذا شاهد الأولاد والبنات كيف نبجل المعلم والمعلمة، ونعلي مكانته فإن ذلك يكون من أكبر الدروس الواقعية، التي تؤسس لتبجيل الناشئة للمعلم، بما يليق بمكانته ودوره. 

     أسأل الله الحي القيوم أن يصلح حالنا، ويصلح الراعي والرعي، ويأخذ بأيدينا جميعا لما يحبه ويرضاه.

      والحمد لله رب العالمين

المشاهدات 39 | التعليقات 0