من وصايا الناصح الأمين

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإيمان والعقيدة ... إن خير الناصحين، وسيد الهداة والمرشدين هو محمد بن عبدالله ﷺ ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) إن نبينا ﷺ قد خصه الله بخصائص عظيمة ... فقد أوتِيَ ﷺ جوامع الكلم، فكان ﷺ يعبِّر عن الشيء العظيم بأوجز عبارة، وأخصر لفظ، وصاياه تكتب بماء الذهب، وألفاظه تنسج من نسج الحرير، فما أعظم لفظه وما أجمل معناه.

واعلموا ... أن أفضل أمان للأمة من الانحراف والانزلاق والتفتت والحزبية هو التمسك بوصايا السنة وهديها، والعض عليها بالنواجذ فهي الملجأ والدواء الناجع من الأهواء والقلق والقلاقل. ويوم تمسك سلفنا بهدي المصطفى ﷺ نجوا من الفتن والأهواء، ولما استهان بعض الناس بهديه ﷺ وتركوا التمسك بوصاياه أصابهم ما أصابهم. ففي غياب نصائح الحبيب ﷺ من الأمة استحقت ما توعدها الله به ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ).

فتعالوا بنا – أيها الإخوة - لنستمع لبعض وصاياه ﷺ، وكما قيل:

اعمل بآثار النبي فإنها النور المبين *** واقبل نصيحتها ففيها العز والشرف المكين

كان النّبي ﷺ في مجلسٍ مع أصحابه رضوان الله عليهم فقالﷺ ( من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يُعلِّم من يعمل بهن؟ ) فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله – وفي هذا إشعار بالاهتمام وعظم الوصيّة - فأخذ بيدي فعدّ خمساً فقال ( اتّق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحبَّ للناس ما تُحبّ لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب ).

فهذه جملة من وصاياه الكريمة، من أخذ بها صلُح أمرُ دينه ودنياه، وكان في الآخرة من المفلحين.

الوصية الأولى ( اتق المحارم تكن أعبد الناس ) المحارم تشمل جميع المحرّمات من فعل المنهيّات وترك المأمورات التّي جاء ذكرها في كتاب الله تعالى، وفي سنّة نبيّه المصطفى ﷺ فإذا اجتنب المرء جميع ما نهى الله عنه ارتقى إلى أعلى مراتب العبودية، لأنه جاهد نفسه على ترك الحرام، قال الله تعالى ( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) قالت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: من سرّه أن يسبق الدّائب المجتهد فليكفّ عن الذّنوب. وقال الحسن البصريّ- رحمه الله: ما عَبد العابدون بشيء أفضلَ من ترك ما نهاهم الله عنه.

الوصية الثانية ( وارض بما قَسَم الله لك تكن أغنى النّاس ) فالسّعيد هو من رضي بما قسم الله له, وصبر لمواقع القضاء خيره وشره, فهو الغنى الحقيقي، لأن كثيرًا من النّاس لديهم حظّ من الدّنيا، لكنّهم فقراء النّفس ومساكين القلب, فقد أعمى الطّمع قلوبهم عن مصدر السّعادة والغنى الحقيقيّ، الذي هو غنى القلب والرّضا وسكينة النّفس، وصد رسول الله ﷺ ( ليس الغِنَى عن كثرةِ العَرَضِ . ولكنَّ الغِنَى غِنَى النَّفسِ ) قال الله تعالى (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ )  فالقلب السّليم هو القلب المطمئن الذي رضي بما قَسَم الله له. ومن قنع بما قُسِمَ له، ولم يطمع فيما في أيدي النّاس، اسْتغنى عنهم، ومن لم يقنع لم يشبع أبدًا.

الوصية الثّالثة ( وأحسِن إلى جارك تكُن مؤمنًا ) هنا جعل النّبي ﷺ الإحسانَ إلى الجار من علامات الإيمان، ويكون ذلك بالإحسان إلى الجار، وعدم أذيته، والصبر على أذاه. وقد قال ﷺ (خيرُ الجيرانِ عِندَ اللهِ خيرُهم لِجارِهِ ) وما زال جبريل عليه السّلام يوصي النّبيّ ﷺ بالجار حتى ظنَّ النّبيّ ﷺ أنّ الشّرعَ سيأتي بتوريث الجار.

الوصية الرابعة ( وأَحبّ للنّاس ما تحبّ لنفسك تكن مسلمًا ) وهذا من كمال الإسلام وسموّه أن تُحبّ للنّاس حصولَ ما تُحبّه لنفسِك، وحُبّ الخير للنّاس خلقٌ إسلاميّ أصيلٌ ينبغي أن يتحلّى به كلّ مُسلمٍ. لأنه بهذا الخُلُق يحجزه عن الأنانية، ويُباعده عن الحسد الذميم.

أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين .. الوصية الخامسة ( ولا تُكثر الضّحك فإن كثرة الضّحك تُميتُ القلب ) فالضّحك من خصائص الإنسان التي تميزه عن بقية المخلوقات لأنه صادر عن فهم ومعرفة لقول يسمعه، أو موقفٍ يراه فيضحك منه. والإسلام - بوصفه دين الفطرة - يرحّب بكل ما يجعل الحياة باسمةً طيّبةً، ويُحِبُّ للمُسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشّة، وأسوةُ المسلمين في ذلك رسول الله ﷺ  فقد كان -برغم همومه الكثيرة والمتنوّعة- يمزح ولا يقول إلا حقًا، ويحيا مع أصحابه حياة فطريّة عاديّة، يشاركهم في ضَحِكهم ولَعبهم ومُزاحهم، كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم.

لكن المنهي عنه في الحديث ليس مجرد الضّحك لذاته، بل  المنهي كثرة الضحك، لما يُمكن أن يؤدّي إليه من نتائج وأخلاق لا يرضاها الإسلام، وكلُّ شيءٍ خرج عن حدّه انقلب إلى ضده. فالقلوب الفارغة من المسؤوليات يشتغل أصحابها بالهزل، ويبحثون عن المضحكات على اختلاف ألوانها، رغبةً في الإغراق في الضحك وإسرافًا فيه، وفي ذلك إماتةٌ للقلب بالغفلة والإعراض عن التذكِرة.

عباد الله ... تلك هي وصايا خير الناصحين وسيد المرسلين، سيدنا محمد بن عبدالله ﷺ وهو الحريص على هداية الأمَّة، والأَخْذ بها إلى ما فيه صلاحها واستقامة أمرها.

فاتقوا الله عباد الله واعملوا على هدي تلك الوصايا، وابتغوا الخير في السَّيْر على نهجها، فالسعيد والله مَنْ أخذ نفسه بها، وقد امتدح الله من عباده يقوله ( فَبَشِّرْ عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ )

اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت ...

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين.

اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين، اللهم ارفع عنَّا الغلاء والوباء، والزلازل والمِحَن وسوء الفِتَن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصَّة وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة، يا رب العالمين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين حُكَّامًا ومحكومين، يا ربَّ العالمين، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانه الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم كن لأبطالنا الجنود البواسل في سبيلك مؤيدًا وظهيرًا، ومعينًا ونصيرًا، اللهم سدد رميهم، واربط على قلوبهم، وثبت أقدامهم، وأمكنهم من رقاب عدوهم.

اللهم صل على نبينا محمد ....

 

المشاهدات 774 | التعليقات 0