مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَـلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بِبُلُوغِ هَذَا الشَّهْرِ المُبَارَكِ فَلْنَعْلَمْ أَنَّ الخَيْرَ كُلُّ الخَيْرِ فِي اِتِّبَاعِ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وَلُزُومِ سُنَّتِهِ.
مَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَ عِبَادَتَهُ عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ وَأَكْمَلِهِ؛ فَلْيَنْظُرْ هَدْيَ النَّبِيِّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَلْيَلْزَمْهُ.
وَلَعَلَّنَا نَتَذَاكَرُ اليَوْمَ شَيْئًا مِنْ هَدِيِّ نَبِيِّنَا صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ وَنَتَوَاصَى بِهِ.
عِبَادَ اللهِ: الإِخْلَاصُ لِلَّهِ تَعَالَى؛ هُوَ لُبُّ الأَعْمَالِ، وَأَسَاسُهَا وَرُوحُهَا؛ وَعَمَلٌ بِلَا إِخْلَاصٍ؛ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُوصِي بِالإِخْلَاصِ كَثِيرًا، وَيُؤَكِّدُ عَلَيهِ فِي العِبَادَاتِ كُلِّهَا؛ وَمِنْهَا: الصِّيَامُ وَالقِيَامُ؛ أَكَّدَ النَّبِيُّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَلَى الإِخْلَاصِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
وَبِقَوْلِهِ: ( مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
وَفِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ؛ أَنَّ اللهَ جَلَّ وَعَلَا يَقُـولُ: ( الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْـزِي بِـهِ؛ يَـدَعُ شَهْـوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي...) الخ [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
هَذَا مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُسْلِمُ فِي صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَجَمِيعِ عِبَادَاتِهِ؛ يَقْصُدُ بِهَا وَجْهَ اللهِ، وَيَرْجُوا بِهَا مَا عِنْدَ اللهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ فِيهَا لِأَحَدٍ سِوَاهُ.
عِبَادَ اللهِ: وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ السَّحُورُ؛ كَانَ يَتَسَحَّرُ، وَيَأْمُرُ بِالسَّحُورِ؛ قَالَ: ( تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
وَقَالَ: ( فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ]
وَالْأَفْضَلُ فِي السَّحُورِ؛ تَأْخِيرُهُ؛ مَا لَمْ يخْشَ طُلُوعَ الْفَجْرِ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ قَالَ: ( تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ كَمْ كَانَ قَدْرُ مَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ خَمْسِينَ آيَةً ).
وَهَذَا مَا يَغْفُلُ عَنْهُ بَعْضُ الصَّائِمِينَ؛ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ مُنْتَصَفَ اللَّيلِ، وَكَانَ الأَوْلَى تَأْخِيرُهُ إِلَى وَقْتِ السَّحَرِ.
عِبَادَ اللهِ: وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تَعْجِيلُ الفِطْرِ؛ إِذَا تَحَقَّقَ غُرُوبَ الشَّمْسِ؛ فَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: ( لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ ).
أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يوَفَّقَنِي وَإِيَّاكُمْ لِتَتَبُّعِ سُنَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا.
وَأَنْ يُبَارِكَ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَيَنْفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ.
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أمَّا بَعدُ: فَقَدْ أمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِقِيَامِ اللَّيلِ؛ فَقَالَ: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا }المزمل 1- 4
فَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: مُلَازَمَةُ هَذِهِ العِبَادَةِ ( كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ، حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ ) [ رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ]
قَامَ لَيْلَةً بِالبَقَرَةِ وَالنَّسَاءِ وَآلِ عِمْرَانَ؛ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
لَازَمَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قِيَامَ اللَّيلِ، وَرَبَّى عَلَيهِ أَهْلَهُ وَصَحَابَتَهُ، وَحَثَّ عَلَيْهِ أمَّتَهُ.
صَلَّى عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ؛ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ؛ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ؛ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
كَانَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً تَقُولُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا ) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ]
وَتَقُولُ: كَانَتْ تِلْكَ صَلَاتَهُ، يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً، قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ...) [رَوَاهُ البُخَارِيُّ]
أَلَا فَلْنَحْرِصْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - عَلَى قِيَامِ اللَّيلِ؛ لِنَحْرِصْ عَلَى صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ؛ وَلْنَقُمْ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ ) [ رواه الترمذي وصححه الألباني ]
صَلُّوا مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَخْتِمَ صَلَاتَهُ؛ وَمَنْ كَسَلَ عَنِ القِيَامِ فَلْيُصَلِّ جَالِسًا؛ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ فِي النَّفْلِ حَتَّى مَعَ القُدْرَةِ عَلَى القِيَامِ؛ وَلَكِنَّ صَلَاةَ القَاعِدِ القَادِرِ عَلَى القِيَامِ فِي النَّافِلَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ القَائِمِ.
أمَّا الفَرِيضَةَ فَلَا تَصِحُّ مِنَ الجَالِسِ مَعَ قُدرَتِهِ عَلَى القِيَامِ.
وَمَنْ أَوْتَرَ أوَّلَ اللَّيلِ ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ آخِرَهُ؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّي شَفْعًا؛ حَتَّى لَا يَجْمَعَ وِتْرَينِ فِي لَيْلَةٍ.
عِبَادَ اللهِ: رَمَضَانُ أَيَّامٌ وَلَيَالٍ مَعْدُودَةٌ، وَهِيَ مَاضِيَةٌ عَلَى مَنْ حَفِظَهَا وَمَنْ ضَيَّعَهَا، عَلَى مَنْ قَامَهَا وَمَنْ نَامَهَا، عَلَى مَنْ أَطَاعَ فِيهَا وَمَنْ عَصَى، عَلَى مَنْ مَلَأَهَا بِالطَّاعَاتِ وَمَنْ فَرَّطَ فِيهَا بِالغَفَلَاتِ، وَمَنْ دَنَّسَهَا بِالخَطِيئَاتِ، وَسَوفَ يَأْتِي عَلَى الجَمِيعِ يَومٌ يَنْظُرُ كُلُّ امْرِئٍ فِيهِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيُحَاسَبُ فِيهِ عَلَى القَلِيلِ وَالكَثِيرِ: { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } الزلزلة 7-8 فَلْنُقَدِّمْ فِي شَهْرِنَا بَلْ فِي حَيَاتِنَا مَا تَسُرُّنَا رُؤْيَتُهُ فِي آخِرَتِنَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1710972585_مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَـلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ.pdf
1710972601_مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّ صَـلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ.docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق