مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّﷺالاجْتِهَادُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ﴾.افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ومن هذه النَفَحَاتِ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وإنها والله لنعمة كبرى أن تفضل الله علينا ، ومد في أعمارنا ، حتى بلغنا هذه العشر المباركة ، وإن من تمام شكر هذه النعمة أن نغتنمها بالأعمال الصالحة،فها هي بشائر الخيرات قد أطلّت، ونسائم الرّحمات قد أظلّت، ولحظات المنح والعطايا قد حلّت؛ بإقبال العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ شهر الفضائل والبركات؛ هذه العشر التي حوت فضائلَ جليلةً كثيرةً، وأجوراً كريمةً وفيرةً؛ وَ حوت الِاعْتِكَافُ وَ لَيْلَةَ القَدْرِ فحريٌّ بكلِّ مسلم أن يغتنمها، وبكلِّ مؤمنٍ أن يستثمرها، أسوته في ذلك نبيّناﷺالّذي كان إذا دخلت عليه العشر الأواخر، أقبل على عبادة ربِّه وشمّر، واعتزل نساءه وشدّ المئزر ، وأحيا اللّيل بالصّلاة وقرأ القرآن، فَلْنَحْرِصْ جميعاً عَلَى اتِّبَاعِ هَدْيِ النَّبِيِّﷺفِي الِاعْتِكَافُ وَتَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ الْمُبَارَكَةِ فَمِنْ هَدْيِهِﷺالاجْتِهَادُ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:كَانَ النَّبِيُّ قَالَﷺ:«إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.فينبغي علينا الاقتداء بالنَّبِيُّﷺبإيقاظ الأهل والأولاد وحثهم على إحياء هذه العشر المباركة والمبادرة فيها بكل طاعة وكل عبادة تقرِّب إلى الله من قرآة القرآن، والإكثار من ذكر الله تعالى والصلاة والاعتكاف والصدقة و المسارعة في الخيرات،وصلة الأرحام، والإحسان إلى عباد الله، وغير ذلك من الأعمال الصالحات.
عِبَادَ اللَّهِ:وَكَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّﷺإذا دَخَلَتِ العَشْرُ الِاعْتِكَافُ طلبًا للَيْلَةَ القَدْرِ ،فيلَزِمَ مَسْجِدَهُ وَلا يَخْرُجُ مِنْهُ إلاَّ لَيلةَ العِيدِ؛فَالْمُعْتَكِفُ ذِكْرُ اللهِ أَنِيسُهُ، وَالقُرْآنُ جَلِيسُهُ، وَالصَّلاةُ رَاحَتُهُ، وَمُنَاجَاةُ الرَّبِّ مُتعَتُه، وَالدُّعَاءُ لذَّتُهُ، فَعَنْ عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، زَوْجِ النَّبِيِّﷺ:«أَنَّ النَّبِيَّﷺكَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فالِاعْتِكَافُ مِن السُّننِ المؤكدةِ في هذه العشرِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:كَانَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيِّﷺ الْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِقِيَامِ الْعَشْرِ كُلِّهَا،قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾.وَقَالَﷺ«مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِﷺيُجَاوِرُ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ:«تَحرَّوا لَيْلَةَ القَدْرِ في العَشْرِ الأواخرِ منْ رَمَضانَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَﷺ:«الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ-يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ-فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ:«أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ أَيْقَظَنِي بَعْضُ أَهْلِي، فَنُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْغَوَابِرِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَعَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهَاقَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِن عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ: قُولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العفْوَ فاعْفُ عنِّي»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.فَهِيَ لَيلَةٌ مُبَارَكَةٌ لِكَثْرةِ خَيرِهَا وَفَضْلِهَا، يكفيها شَرَفًا أَنَّ الْقُرْآنَ الكريم أُنْزِلَ فِيهَا.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق