من هدايات السنة (22)

من هدايات السنة النبوية (22)

من خطب النبي صلى الله عليه وسلم

24 / 3/ 1446هـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ:102]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ:1]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 70-71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: الِاهْتِدَاءُ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ اهْتِدَاءٌ بِالْوَحْيِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُولُ فِي الدِّينِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ؛ ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [النَّجْمِ: 3-4].

وَهَذَا حَدِيثٌ عَظِيمٌ، غَزِيرُ الْمَعَانِي، كَثِيرُ الْفَوَائِدِ، خَطَبَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، رَوَاهُ عِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ (أَيْ: «كُلُّ مَنْ مَلَّكْتُهُ شَيْئًا بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، خَطِيرًا كَانَ أَوْ حَقِيرًا، فَالِانْتِفَاعُ لَهُ بِهِ مُبَاحٌ مُطْلَقًا» فَلَا عِبْرَةَ بِمَا حَرَّمَهُ النَّاسُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ دُونِ الشَّرْعِ، وَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا انْتَفَعَ بِهِ فِي الْحَلَالِ) وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ (أَيْ: مَائِلِينَ عَنْ كُلِّ الْأَدْيَانِ الْمُحَرَّفَةِ وَالْمُخْتَرَعَةِ إِلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا يُفَسِّرُ كَثْرَةَ الدَّاخِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا بَلَغَتْهُمُ الدَّعْوَةُ بِطَرِيقٍ صَحِيحَةٍ ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الرُّومِ: 30])، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا، (وَهِيَ شَيَاطِينُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ؛ فَشَيَاطِينُ الْجِنِّ بِالْإِغْوَاءِ وَالْوَسْوَسَةِ وَالتَّشْكِيكِ، وَشَيَاطِينُ الْإِنْسِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَالْإِعْلَامِ، «وَمَعْنَى اجْتَالَتْهُمْ: أَيْ: صَرَفَتْهُمْ عَنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ الْأَصْلِيَّةِ» كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ) وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ (وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَبْغَضَهُمْ بِسُوءِ صَنِيعِهِمْ، وَخُبْثِ عَقِيدَتِهِمْ، وَاتِّفَاقِهِمْ قَبْلَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الشِّرْكِ، وَانْغِمَاسِهِمْ فِي الْكُفْرِ) إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، (« وَإِنَّمَا اسْتَثْنَى الْبَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالْحَقِّ الَّذِي جَاءَهُمْ بِهِ نَبِيُّهُمْ» حَتَّى مَاتُوا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَ الْبَعْثَةَ النَّبَوِيَّةَ فَآمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَصُهَيْبٍ الرُّومِيِّ) وَقَالَ: إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ (« أَيْ: لِأَمْتَحِنَكَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى إِيذَاءِ قَوْمِكَ إِيَّاكَ، وَأَمْتَحِنَ قَوْمَكَ، هَلْ يُؤْمِنُونَ بِكَ، أَمْ يَكْفُرُونَ؟»)، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ (« أَيْ: يَسَّرْتُ تِلَاوَتَهُ وَحِفْظَهُ، فَخَفَّ عَلَى الْأَلْسِنَةِ، وَوَعَتْهُ الْقُلُوبُ، فَلَوْ غُسِلَتِ الْمَصَاحِفُ لَمَا انْغَسَلَ مِنَ الصُّدُورِ، وَلَمَا ذَهَبَ مِنَ الْوُجُودِ، وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الْحِجْرِ: 9]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [الْقَمَرِ: 17]»)، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ، (وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسَّرَهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِحَيْثُ كَانَ يَقْرَؤُهُ نَائِمًا، كَمَا كَانَ يَقْرَؤُهُ مُنْتَبِهًا، لَا يُخِلُّ مِنْهُ بِحَرْفٍ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ شَاهَدْنَا الْمُدِيمِينَ عَلَى تَكْرَارِ الْقُرْآنِ يَقْرَؤُونَ مِنْهُ الْكَثِيرَ وَهُمْ نِيَامٌ، وَذَلِكَ قَبْلَ اسْتِحْكَامِ غَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ) وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُرَيْشًا (أَيْ: أَغْيَظَهُمْ بِمَا أُسْمِعُهُمْ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي يُخَالِفُ أَهْوَاءَهُمْ، وَيُؤْلِمُ قُلُوبَهُمْ بِعَيْبِ آلِهَتِهِمْ، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِ آبَائِهِمْ، وَقِتَالِهِمْ وَمُغَالَبَتِهِمْ؛ حَتَّى كَأَنِّي أُحَرِّقُ قُلُوبَهُمْ بِالنَّارِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ أَنَّهُ حَرَّقَ أَحَدًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالنَّارِ، بَلْ قَدْ نَهَى عَنِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ، وَقَالَ: «لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ»)، فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، (أَيْ: يَشْدَخُوهُ وَيَشُجُّوهُ، كَمَا يُشْدَخُ الْخُبْزُ؛ أَيْ: يُكْسَرُ) قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا اسْتَخْرَجُوكَ، (أَيْ: أَخْرِجْ كُفَّارَ قُرَيْشٍ مِنْ بَلَدِهِمْ مَكَّةَ، مِثْلَ مَا أَخْرَجُوكَ مِنْهَا؛ جَزَاءً وِفَاقًا، وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِخْرَاجَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ؛ فَإِنَّ إِخْرَاجَهُمْ إِيَّاهُ بِالْبَاطِلِ، وَإِخْرَاجَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِالْحَقِّ) وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ (أَيِ: اعْزِمْ عَلَى غَزْوِهِمْ، وَاشْرَعْ فِيهِ نُعِنْكَ عَلَى غَزْوِهِمْ، وَنَنْصُرْكَ عَلَيْهِمْ)، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقُ عَلَيْكَ (أَيْ: وَأَنْفِقْ مَا فِي جُهْدِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَسَنُخْلِفُ عَلَيْكَ بَدَلَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سَبَأٍ: 39]، وَفِيهِ وَعْدٌ، وَتَسْلِيَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَصْحَابِهِ، وَكَذَا لِأُمَّتِهِ بَعْدَهُ)، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ (وَالْمَعْنَى: نَبْعَثُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ خَمْسَةَ أَمْثَالٍ تُعِينُهُمْ، كَمَا وَقَعَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 125]، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ أَلْفًا، وَالْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَ مِائَةٍ)، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ، قَالَ: وَأَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ (وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ عَادِلٌ فِي رَعِيَّتِهِ، يُقِيمُ فِيهِمُ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ، وَيَشْمَلُ كُلَّ وِلَايَةٍ حَتَّى وِلَايَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ؛ لِحَدِيثِ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُحْسِنٌ إِلَى النَّاسِ؛ فَيُنْفِقُ مَالَهُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَوُجُوهِ الْخَيْرِ. فَيُوَفَّقُ وَتُهَيَّأُ لَهُ أَسْبَابُ الْخَيْرَاتِ، وَتُفْتَحُ لَهُ أَبْوَابُ الْبِرِّ وَالطَّاعَاتِ)، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ (وَقَوْلُهُ: (ذُو عِيَالٍ) أُتِيَ بِهِ؛ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْعِيَالَ كَثِيرًا مَا يَحْمِلُونَ الْعَبْدَ عَلَى التَّكَسُّبِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ لِأَجْلِهِمْ، فَهَذَا الرَّجُلُ بَعِيدٌ عَنْ هَذَا، فَهُوَ عَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ)، قَالَ: وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ، الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعًا لَا يَبْتَغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا (وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَسْعَوْنَ فِي تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ دِينِيَّةٍ وَلَا دُنْيَوِيَّةٍ، بَلْ يُهْمِلُونَ أَنْفُسَهُمْ إِهْمَالَ الْأَنْعَامِ... بَلْ هُمْ تَبَعٌ لِقَادَتِهِمْ يَسِيرُونَ مَعَهُمْ حَيْثُ سَارُوا، وَإِنَّمَا اسْتَحَقُّوا النَّارَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا مَا وَهَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ لِتَمْيِيزِ الْكُفْرِ مِنَ الْإِيمَانِ، فَوَقَعُوا فِي الْكُفْرِ تَبَعًا لِقَادَتِهِمْ) وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، (وَالْمَعْنَى: لَا يَظْهَرُ لَهُ شَيْءٌ يُطْمَعُ فِيهِ إِلَّا خَانَهُ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: «الطَّمَعُ فَسَادُ الدِّينِ، وَالْوَرَعُ صَلَاحُهُ») وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ، (وَالْمَعْنَى: يُخَادِعُكَ بِسَبَبِ أَهْلِكَ وَمَالِكَ؛ أَيْ: يَطْمَعُ فِيهِمَا، فَيُظْهِرُ عِنْدَكَ الْأَمَانَةَ وَالْعِفَّةَ، وَيَخُونُ فِيهِمَا) وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ، وَالشِّنْظِيرَ الْفَحَّاشَ (وَالشِّنْظِيرُ: سَيِّءُ الْخُلُقِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مَعَ سُوءِ خُلُقِهِ فَحَّاشٌ فِي كَلَامِهِ)» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].

أَيُّهَا النَّاسُ: هَذَا الْحَدِيثُ الْعَظِيمُ يَدُلُّ عَلَى عِنَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ، وَحِرْصِهِ عَلَى تَعْلِيمِهِمْ مَا يَنْفَعُهُمْ مِنْ أُمُورِ دِينِهِمْ، وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: 128].

وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبَشَرِيَّةِ التَّوْحِيدُ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَرَهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الشَّيَاطِينَ حَرَفَتْهُمْ عَنْهُ. وَأَنَّ الْأَرْضَ لَمْ تَخْلُ يَوْمًا مِنْ قَائِمٍ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى فِي فَتَرَاتِ الرُّسُلِ؛ إِذْ بَقِيَ أُنَاسٌ مُسْتَمْسِكُونَ بِالْحَقِّ رَغْمَ كَثْرَةِ الِانْحِرَافِ عَنْ شَرِيعَةِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْغِضُ الْكُفْرَ وَالْكَافِرِينَ، وَيُحِبُّ الْإِيمَانَ وَالْمُؤْمِنِينَ. وَأَنَّ إِغَاظَةَ الْأَعْدَاءِ وَمُرَاغَمَتَهُمْ أَصْلٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ حَقٌّ لَهُ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ رُبُوبِيَّتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ الْعُبُودِيَّةَ الْحَقَّةَ هِيَ فِي الْتِزَامِ شَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى بِتَحْلِيلِ مَا أَحَلَّ، وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ، وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْ شَرِيعَتِهِ سُبْحَانَهُ. كَمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَلَّفٌ بِتَبْلِيغِ الدِّينِ، وَأَنَّ النَّاسَ مُبْتَلَوْنَ بِطَاعَتِهِ وَاتِّبَاعِهِ، وَأَنَّ الْقُرْآنَ مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ، مُيَسَّرٌ عَلَى الْأَلْسُنِ، وَأَنَّهُ يَبْقَى إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ، مَهْمَا حَاوَلَ الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ طَمْسَ أَنْوَارِهِ، وَصَرْفَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ آيَاتِهِ، وَأَنَّ الْجِهَادَ شَرِيعَةٌ مَاضِيَةٌ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَبِتَأْيِيدِهِمْ بِمَلَائِكَةٍ يَنْصُرُونَهُمْ. كَمَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعَدْلَ وَالصَّدَقَةَ وَرِقَّةَ الْقَلْبِ وَالرَّحْمَةَ وَالْعِفَّةَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ الْجَنَّةِ. وَأَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى وَرُكُوبَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالْخِيَانَةَ وَالْمُخَادَعَةَ وَالْبُخْلَ وَالْكَذِبَ وَسُوءَ الْخُلُقِ وَالْفُحْشَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ النَّارِ. أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهَا.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...

المرفقات

1727159822_من هدايات السنة النبوية 22.doc

1727159822_من هدايات السنة النبوية 22 مشكولة.doc

المشاهدات 363 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا