من معجزات النبي عليه الصلاة والسلام
أيمن عرفان
1438/05/14 - 2017/02/11 06:28AM
[align=justify]
حديثنا اليوم يخاطب العقول ويخاطب القلوب، يخاطب العقول التي اعتمدت على المحسوسات والماديات وعلى أسباب الدنيا فيقول لها: أن قدرة الله عز وجل أعلى من الأسباب ومن سنن الكون، ويخاطب القلوب التي اشتاقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تحلم أن تلتقي به في جنة الرضوان، حديثنا اليوم حول بعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تعد أو تحصى، بعضها ورد في القرآن وبعضها ورد في السنة، ونبدأ حديثنا بتعريف المعجزة، ما هي المعجزة ولماذا سميت معجزة؟ كلمة معجزة مأخوذة من العجز، والعجز هو نقص قدرات الإنسان عن فعل يريد أن يفعله ولكن قوته لا تمكنه من فعله، فالمعجزة للأنبياء هي خرق لقوانين الكون يؤيد الله عز وجل بها أنبياءه بينما يعجز المكذبون بهذا الرسول أن يأتوا بمثلها، فيكون ذلك دليل على أنه مؤيد من الله تعالى وأنه صادق في نبوته.
ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم تختلف عن معجزات الأنبياء من قبله، فالأنبياء من قبله كانوا يبعثون لزمان محدد في مكان محدد فكانت معجزاتهم تتناسب مع الفترة الزمنية والمكان الذي يعيشون فيه، أما النبي صلى الله عليه وسلم فهو النبي الخاتم الذي أرسله الله للناس كافة في كل زمان ومكان، ولذلك أيده الله عز وجل بمعجزات تناسب ذلك وجعل معجزة المعجزات بالنسبة له هو المنهج الذي جاء به ألا وهو القرآن، فموسى عليه السلام كانت معجزته العصا ومنهجه التوراة، وعيسى عليه السلام كانت معجزته إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وكتابه الإنجيل، أما النبي صلى الله عليه وسلم كان معجزته القرآن ومنهجه القرآن، وفي الحديث المتفق عليه عند الإمامين البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ). فقد كانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، ولما كانت العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والخطابة جعل الله -سبحانه- معجزة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم، فتحداهم به الله، وجعل الله عز وجل فيه العديد من أوجه الإعجاز:
الوجه الأول: الإعجاز البياني والبلاغي: التركيب المعجز، الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله، فعجزوا عن ذلك، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء 88]، وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور 43 – 44]. وبعد هذا التحدي انقطعوا فلم يتقدم أحد، فمد لهم في الحبل وتحداهم بعشر سور مثله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود 13]. فعجزوا فأرخى لهم في الحبل فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس 38].
الوجه الثاني: الإخبار عن الغيوب: فقد اشتمل القرآن على أخبار كثيرة من الغيوب التي لا علم لمحمد -صلى الله عليه وسلم- بها، ولا سبيل لبشر مثله أن يعلمها، وهذا مما يدل على أن القرآن كلام الله -تعالى- الذي لا تخفى عليه خافية: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام 59].
والإخبار بالغيوب أنواع: النوع الأول: غيوب الماضي: وتتمثل في القصص الرائعة وجميع ما أخبر الله به عن ماضي الأزمان. النوع الثاني: غيوب الحاضر: ككشف أسرار المنافقين، والأخطاء التي وقع فيها بعض المسلمين، أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، وأطلع عليه رسوله -صلى الله عليه وسلم-. النوع الثالث: غيوب المستقبل، أخبر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأمور لم تقع، ثم وقعت كما أخبر، فدل ذلك على أن القرآن كلام الله، وأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رسول الله.
الوجه الثالث: الإعجاز التشريعي: فالقرآن العظيم جاء بهدايات كاملة تامة، تفي بحاجات جميع البشر في كل زمان ومكان؛ لأن الذي أنزله هو العليم بكل شيء، خالق البشرية والخبير بما يصلحها ويفسدها، وما ينفعها ويضرها، فإذا شرع أمرا جاء في أعلى درجات الحكمة والخبرة {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
الوجه الرابع: الإعجاز العلمي الحديث: قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت 53]. وفي كل يوم يكتشف العلم الحديث إكتشافا ثم يفاجأ العلم الحديث أن هذا الاكتشاف قد ورد ذكره في القرآن الكريم أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وبالإضافة إلى معجزة القرآن الخالدة، فقد أيد الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بمعجزات حسية ملموسة، شاهدها أهل عصره بأعينهم، وهي كثيرة جداً، لا يتسع المجال لذكرها ولكننا سنورد بعضا منها:
(1) معجزة انشقاق القمر، تلك الني وردت صريحة في القرآن الكريم:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر 1 ، 2] ، روى الإمامان في صحيحيهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً ، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا).
(2) كان صلى الله عليه وسلم يستسقى به الغمام، روى الإمامان في صحيحيهما عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَحَطَ الْمَطَرُ وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا . فَقَالَ: « اللَّهُمَّ اسْقِنَا » . مَرَّتَيْنِ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِى السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِى تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» . فَكُشِطَتِ الْمَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَلاَ تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِى مِثْلِ الإِكْلِيلِ).
(3) رحلة الإسراء والمعراج حيث أسري به الله إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السموات، ثم صعد إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، ورأى الجنة، ثم رجع إلى مكة قبل أن يصبح: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الإسراء1].
(4) نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، روى البخاري في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ» . قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِى الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً).
(5)روى الترمذي بإسناد صححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ قَالَ: إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنْ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَعَادَ. فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ).
(6) حن الجزع لفراقه، روى البخاري في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ. فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ عِنْدَهَ).
(7) بريقه صلى الله عليه وسلم برأ السقيم، روى الإمامان في صحيحيهما عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: (« لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ » . فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ: « أَيْنَ عَلِىٌّ » . فَقِيلَ يَشْتَكِى عَيْنَيْهِ ، فَأَمَرَ فَدُعِىَ لَهُ ، فَبَصَقَ فِى عَيْنَيْهِ ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَىْءٌ).
(8) ومن معجزاته تفاعله حتى مع الأحجار والجبال، روى البخاري في صحيحه عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِىٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». وفي ذلك إعجاز آخر وهو الإخبار بالغيبيات من قتل عمر وعثمان.
(9) أما تكثير الطعام والشراب فأكثر من أن تحصى، روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ: (أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ »).
(9) روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِىِّ قَالَ: (ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ وَوَضَعَ جِرَانَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ ». فَجَاءَ فَقَالَ « بِعْنِيهِ ». فَقَالَ لاَ بَلْ أَهَبُهُ لَكَ. فَقَالَ « لاَ بِعْنِيهِ ». قَالَ لاَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ وَإِنَّهُ لأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ. قَالَ « أَمَا إِذْ ذَكَرْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ ». قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَنَامَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ « هِىَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَذِنَ لَهَا ». قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جِنَّةٌ فَأَخَذَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْخَرِهِ فَقَالَ « اخْرُجْ إِنِّى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ». قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَفَرِنَا مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِجَزَرٍ وَلَبَنٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرُدَّ الْجَزَرَ. وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَشَرِبَ مِنَ اللَّبَنِ فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِىِّ فَقَالَتْ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْباً بَعْدَكَ). الجران : باطن العنق وقيل مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره.
هذه من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثيرة التي لا يمكن استيفاء المعلوم منها وإنما حسبنا بما ذكرنا.
[/align][align=justify][/align]
حديثنا اليوم يخاطب العقول ويخاطب القلوب، يخاطب العقول التي اعتمدت على المحسوسات والماديات وعلى أسباب الدنيا فيقول لها: أن قدرة الله عز وجل أعلى من الأسباب ومن سنن الكون، ويخاطب القلوب التي اشتاقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي تحلم أن تلتقي به في جنة الرضوان، حديثنا اليوم حول بعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تعد أو تحصى، بعضها ورد في القرآن وبعضها ورد في السنة، ونبدأ حديثنا بتعريف المعجزة، ما هي المعجزة ولماذا سميت معجزة؟ كلمة معجزة مأخوذة من العجز، والعجز هو نقص قدرات الإنسان عن فعل يريد أن يفعله ولكن قوته لا تمكنه من فعله، فالمعجزة للأنبياء هي خرق لقوانين الكون يؤيد الله عز وجل بها أنبياءه بينما يعجز المكذبون بهذا الرسول أن يأتوا بمثلها، فيكون ذلك دليل على أنه مؤيد من الله تعالى وأنه صادق في نبوته.
ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم تختلف عن معجزات الأنبياء من قبله، فالأنبياء من قبله كانوا يبعثون لزمان محدد في مكان محدد فكانت معجزاتهم تتناسب مع الفترة الزمنية والمكان الذي يعيشون فيه، أما النبي صلى الله عليه وسلم فهو النبي الخاتم الذي أرسله الله للناس كافة في كل زمان ومكان، ولذلك أيده الله عز وجل بمعجزات تناسب ذلك وجعل معجزة المعجزات بالنسبة له هو المنهج الذي جاء به ألا وهو القرآن، فموسى عليه السلام كانت معجزته العصا ومنهجه التوراة، وعيسى عليه السلام كانت معجزته إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى وكتابه الإنجيل، أما النبي صلى الله عليه وسلم كان معجزته القرآن ومنهجه القرآن، وفي الحديث المتفق عليه عند الإمامين البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ). فقد كانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، ولما كانت العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والخطابة جعل الله -سبحانه- معجزة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- القرآن الكريم، فتحداهم به الله، وجعل الله عز وجل فيه العديد من أوجه الإعجاز:
الوجه الأول: الإعجاز البياني والبلاغي: التركيب المعجز، الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله، فعجزوا عن ذلك، قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء 88]، وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور 43 – 44]. وبعد هذا التحدي انقطعوا فلم يتقدم أحد، فمد لهم في الحبل وتحداهم بعشر سور مثله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود 13]. فعجزوا فأرخى لهم في الحبل فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس 38].
الوجه الثاني: الإخبار عن الغيوب: فقد اشتمل القرآن على أخبار كثيرة من الغيوب التي لا علم لمحمد -صلى الله عليه وسلم- بها، ولا سبيل لبشر مثله أن يعلمها، وهذا مما يدل على أن القرآن كلام الله -تعالى- الذي لا تخفى عليه خافية: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام 59].
والإخبار بالغيوب أنواع: النوع الأول: غيوب الماضي: وتتمثل في القصص الرائعة وجميع ما أخبر الله به عن ماضي الأزمان. النوع الثاني: غيوب الحاضر: ككشف أسرار المنافقين، والأخطاء التي وقع فيها بعض المسلمين، أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله، وأطلع عليه رسوله -صلى الله عليه وسلم-. النوع الثالث: غيوب المستقبل، أخبر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأمور لم تقع، ثم وقعت كما أخبر، فدل ذلك على أن القرآن كلام الله، وأن محمدا -صلى الله عليه وسلم- رسول الله.
الوجه الثالث: الإعجاز التشريعي: فالقرآن العظيم جاء بهدايات كاملة تامة، تفي بحاجات جميع البشر في كل زمان ومكان؛ لأن الذي أنزله هو العليم بكل شيء، خالق البشرية والخبير بما يصلحها ويفسدها، وما ينفعها ويضرها، فإذا شرع أمرا جاء في أعلى درجات الحكمة والخبرة {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
الوجه الرابع: الإعجاز العلمي الحديث: قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت 53]. وفي كل يوم يكتشف العلم الحديث إكتشافا ثم يفاجأ العلم الحديث أن هذا الاكتشاف قد ورد ذكره في القرآن الكريم أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والأمثلة على ذلك كثيرة.
وبالإضافة إلى معجزة القرآن الخالدة، فقد أيد الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بمعجزات حسية ملموسة، شاهدها أهل عصره بأعينهم، وهي كثيرة جداً، لا يتسع المجال لذكرها ولكننا سنورد بعضا منها:
(1) معجزة انشقاق القمر، تلك الني وردت صريحة في القرآن الكريم:{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ} [القمر 1 ، 2] ، روى الإمامان في صحيحيهما عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً ، فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا).
(2) كان صلى الله عليه وسلم يستسقى به الغمام، روى الإمامان في صحيحيهما عَنْ أَنَسٍ قَالَ: (كَانَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ ، فَقَامَ النَّاسُ فَصَاحُوا فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَحَطَ الْمَطَرُ وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ وَهَلَكَتِ الْبَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا . فَقَالَ: « اللَّهُمَّ اسْقِنَا » . مَرَّتَيْنِ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا نَرَى فِى السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِى تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُبُ صَاحُوا إِلَيْهِ: تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسُهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا» . فَكُشِطَتِ الْمَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تُمْطِرُ حَوْلَهَا وَلاَ تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةً، فَنَظَرْتُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِى مِثْلِ الإِكْلِيلِ).
(3) رحلة الإسراء والمعراج حيث أسري به الله إلى بيت المقدس، ثم عرج به إلى السموات، ثم صعد إلى مكان يسمع فيه صريف الأقلام، ورأى الجنة، ثم رجع إلى مكة قبل أن يصبح: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الإسراء1].
(4) نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، روى البخاري في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: (عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَالنَّبِىُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ ، فَقَالَ: «مَا لَكُمْ» . قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِى الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً).
(5)روى الترمذي بإسناد صححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : بِمَ أَعْرِفُ أَنَّكَ نَبِيٌّ؟ قَالَ: إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَنْزِلُ مِنْ النَّخْلَةِ حَتَّى سَقَطَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَعَادَ. فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيُّ).
(6) حن الجزع لفراقه، روى البخاري في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ. فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ عِنْدَهَ).
(7) بريقه صلى الله عليه وسلم برأ السقيم، روى الإمامان في صحيحيهما عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ سَمِعَ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: (« لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ » . فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ: « أَيْنَ عَلِىٌّ » . فَقِيلَ يَشْتَكِى عَيْنَيْهِ ، فَأَمَرَ فَدُعِىَ لَهُ ، فَبَصَقَ فِى عَيْنَيْهِ ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَىْءٌ).
(8) ومن معجزاته تفاعله حتى مع الأحجار والجبال، روى البخاري في صحيحه عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِىٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». وفي ذلك إعجاز آخر وهو الإخبار بالغيبيات من قتل عمر وعثمان.
(9) أما تكثير الطعام والشراب فأكثر من أن تحصى، روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرٍ: (أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ »).
(9) روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِىِّ قَالَ: (ثَلاَثَةُ أَشْيَاءَ رَأَيْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَهُ إِذْ مَرَرْنَا بِبَعِيرٍ يُسْنَى عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ الْبَعِيرُ جَرْجَرَ وَوَضَعَ جِرَانَهُ فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَيْنَ صَاحِبُ هَذَا الْبَعِيرِ ». فَجَاءَ فَقَالَ « بِعْنِيهِ ». فَقَالَ لاَ بَلْ أَهَبُهُ لَكَ. فَقَالَ « لاَ بِعْنِيهِ ». قَالَ لاَ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ وَإِنَّهُ لأَهْلِ بَيْتٍ مَا لَهُمْ مَعِيشَةٌ غَيْرُهُ. قَالَ « أَمَا إِذْ ذَكَرْتَ هَذَا مِنْ أَمْرِهِ فَإِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ فَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ ». قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَنَامَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ « هِىَ شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فَأَذِنَ لَهَا ». قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَمَرَرْنَا بِمَاءٍ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا بِهِ جِنَّةٌ فَأَخَذَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْخَرِهِ فَقَالَ « اخْرُجْ إِنِّى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ». قَالَ ثُمَّ سِرْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَفَرِنَا مَرَرْنَا بِذَلِكَ الْمَاءِ فَأَتَتْهُ الْمَرْأَةُ بِجَزَرٍ وَلَبَنٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرُدَّ الْجَزَرَ. وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَشَرِبَ مِنَ اللَّبَنِ فَسَأَلَهَا عَنِ الصَّبِىِّ فَقَالَتْ وَالَّذِى بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْنَا مِنْهُ رَيْباً بَعْدَكَ). الجران : باطن العنق وقيل مقدم عنق البعير من مذبحه إلى منحره.
هذه من معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم- الكثيرة التي لا يمكن استيفاء المعلوم منها وإنما حسبنا بما ذكرنا.
[/align][align=justify][/align]