من معاني الهجرة ( التضحية , إقامة الدين )
فهد عبدالله الصالح
1432/01/10 - 2010/12/16 11:27AM
من معاني الهجرة ( التضحية , إقامة الدين ) هـ
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا اله إلاَ الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فصبر وصابر وجاهد وهاجر حتى ارتفعت أعلام الدين وحق القول على الكافرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا .
أوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله فإن التقوى سياج مانع وحصن آمن وهي وصية الله للأولين والآخرين
عباد الله : في مطلع كل عام هجري يتذكر المسلمون هجرة الرسول صلى الله عليه وسلمتلكم الذكرى الخالدة والتاريخ المجيد .. ولئن كانت هجرته عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة في شهر ربيع الأول فإن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد جعل بداية التاريخ الإسلامي من شهر محرم من العام الذي هاجر فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إن الهجرة النبوية ـ أيها الأخوة ـ موقعٌ من مواقع التأمل في هذه المسيرة المباركة , إنها بحق تشريع للأمة ومعلم من معالم دينها و معانى الهجرة كثيرة لكننا نقف مع معنيين منها :
الأمر الأول التضحية أي البذل والفداء والتنازل والتضحية ـ أيها المسلمون هي المدد لانتشار هذا الدين وما أحوج الإسلام إلى تضحيات أبنائه المخلصين الذين لهم أسوة حسنة فيمن قبلهم , إن التضحية تكون بالنفس وتكون بالمال وتكون بالوقت وتكون بالجاه وتكون بكل ما يملكه المرء تضحيات وتنازلات في سبيل الله وإعزاز لكلمة الله وما تسلط الأعداء على دين الله وعلى المؤمنين بالله واليوم الآخر إلاَ لمَا انتشرت الأنانيات وذبلت في النفوس معاني التضحية والفداء وقعد المسلمون عن الجهاد في سبيل الله والبذل في سبيله بالغالي والنفيس ..
فهذا رأس الدعوة وقائد الأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل العبء الثقيل في سبيل دعوته ويشتط المجرمون من أعدائه في مقاومته والتطاول عليه بالسخرية والاستهزاء ثم بالكذب والافتراء ثم بتجربة الوعد والإغراء ثم بتسليط الجهلة والسفهاء ثم بالتآمر الدنيء على الاغتيال { وإذ يمكرون بك الذين كفروا ليثبتوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }
ومع سلسلة المؤامرات فالرسول صلى الله عليه وسلم ثابت كالطود ماضٍ في طريقه كالسهم المسدد ..
ويأتي وقت التنفيذ للمؤامرة الدنيئة على أساس أن يختاروا من كل قبيلة شاباً قوياً وكلُ منهم يمسك بسيفه ثم يعمدوا إلى ضرب الرسول ضربةً واحدة ليتفرق دمهٌ في القبائل فلا يستطيع أهلهٌ أن يأخذوا بثأره . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمضى بهدى ربه وتوفيقه معتصماً بحبله مردداً قوله { وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون }
ويخرج رسول الله صلى الله عليه وسلممن بينهم وهم لا يبصرونه وهذه سنة ٌ الله إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .
وهكذا ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلمبموطنه ومسكنه وأهله يلتمس أرضاً خصبة لنشر رسالة ربه تعالى
ومن حول الرسول الكريم آخرون شاركوا في الهجرة وضحوا لها وافتدوا لنجاحها بكل ما قدروا عليه .. فهذا أبو بكر الصديق رضى الله عنه يشارك صاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلمفي أعباء الهجرة فيظل معه في صميم المعركة ويبذل ماله كله في إنجاح الهجرة
ويأتي والده الكفوف البصر أبو قحافة إلى بيته فيجد الفتاه المؤمنة المناضلة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها يسأل الجد حفيدته : أظن أن أباك قد فجعكم في ماله كما فجعكم في نفسه ـ ولم يكن أبو قحافة والد أبى بكر أسلم وقتئذٍ ـ فتجيبه قائلة : كلا يا جدي إنه قد ترك لنا مالاً كثيرا .
وتروى أسماء الواقعة فيما بعد فتقول : والله ما ترك أبي لنا شيئاً ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك وأسماء هذه هي التي تشهد الإعداد الأخير للهجرة المباركة رضى الله عنها
ومع ذلك تكتم السر وتصونه وتتعرض للمخاطر والمخاوف حيث تحمل الطعام والشراب ليلاً إلى المُهَاجِرين العظيمين وهما في الغار
وهي التي لا تجد ما تربط به الطعام سوى حزام وسطها الوحيد وهى التي ظلت تضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء وتعلمه لأهلها حتى أنها أشارت على ولدها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن يقاتل حتى يقتل عندما قاتله الحجاج في مكة واستدعت بكفنٍ له وبخرته وشجعته على القتال .
وإلى جانب الفدائية أسماء كان هناك فدائيون آخرون يقاومون ويضحون ويتعرضون للأهوال والأخطار ..
فهذا عبد الله بن أبي بكر رضى الله عنهما يقوم بجمع المعلومات من داخل معسكر المشركين في مكة ثم يمضى بها ليلاً إلى الغار ليطلع الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر على الأخبار .
أيها المسلمون : المهاجرون من الصحابة ضحوا بأغلى ما يملكونه من مال وأزواج وأولاد وأوطان مقابل الفرار بالدين وتكوين الجماعة المؤمنة ونشر رسالة السماء .. فهذا أبو سلمة الضعيف الفقير يسارع إلى الهجرة أول الناس ومعه زوجه وولده رضى الله عنهم فيهجم عليه الكافرون من أقارب زوجه وينتزعوها منه بالقوة ثم ينتزع أقاربه الولد من أمه ويمضى عام والزوج أبو سلمة في المدينة وأم سلمة معذبة في مكة وابنها بعيدٌ عنهما .
وهذا صهيب الرومي رضى الله عنه الذي حرره الإسلام وأعزه يحاول الهجرة فيحيط به الطغاة ويقولون له : أتيتنا صعلوكاً فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ؟ والله لا يكون لك ذلك فيقول لهم : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي قالوا نعم : قال : فإني قد جعلت لكم مالي وترك لهم كلً ما يملك ومضى مهاجراً إلى الله ورسوله ولما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ربح صهيب ربحَ صهيب .
وأمَا الشاب التقى النقي على بن أبى طالب رضى الله عنه فلقد ضرب أروع الأمثلة في التضحية عندما عرَض نفسه للخطر بنومه على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ..
وتضحيات الصحابة رضى الله عنهم أجمعين كثيرة ومتنوعة والقارئ للسيرة يجد أنهم لم يتركوا مجالاً للتضحية إلاَ سلكوه .
وثمة أمر آخر يؤكده درس الهجرة ـ أيها الأخوة ـ إنه إقامة الدين
إن الخلاف الحقيقي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين صناديد الكفر والشرك ليس خلافاً على مسائل جزئية أو عباداتٍ شخصية فلم تمنع قريش أحداً من المسلمين أن يصلى ولو عند الكعبة إلاَ ما كان من توعد أبى جهل ذات مرة للرسول صلى الله عليه وسلمأن يمنعه من الصلاة حول الكعبة , إن الخلاف كان على أمر عظيم وهو توحيد الله وعبادته وحده دون سواه وإظهار دينه .
لقد قالت قريش { أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب }
إن إقامة الدين هو الأمر الذي من أجله أرسل الرسل وكلفٌ به أتباعهم قال تعالى{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }
وإقامة الدين تتمثل في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته { يأيها الرسول بلَغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } وهى تتمثل ـ أيضاً ـ في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقمة المعروف الإيمان بالله وعبادته وقمة المنكر الشرك بالله وعبادة الأصنام والطواغيت , وإقامة الدين تستوجب الجهاد في سبيل الله جهاد الذين يصدون عن دين الله عامة { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .
ولمَا ضايق طغاة الشرك والوثنية رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الدين بمكة وتآمروا على تصفيته جسدياً هاجر إلى مكان آخر وتربة أطيب بأمر ربه ينطلق منه للدعوة إلى دين الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبيل الله .
فالهجرة إذاً ـ أيها الأخوة ـ لم تكن فراراً بالنفس ولا نكوصاً عن المسؤلية ولا هروباً عن واقع وإنما كانت فراراً بالدين الذي هو أغلى من الأموال والأنفس إنها رسالة الله اختص بها فئة قليلة من خلقه هم عباده المؤمنون .
ودرس الهجرة درس عظيم وهى تشريع للأمة بحق , وقد عرفنا في هذه العجالة مقصودين منها .
فالتضحية هي سبيل إعزاز الأمة وانتصار الدين , وإقامة الدين هو حياة الدين وانتشارٌه وبلوغه ٌ للبشرية .
فاتقوا الله ـ يأمة الإسلام ـ وتعلموا من درس الهجرة فلكم في رسول الله أسوة حسنة وضحوا في سبيل الله بالغالي والنفيس وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتلون ويٌقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } بارك الله لي ولكم ...
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا اله إلاَ الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله فصبر وصابر وجاهد وهاجر حتى ارتفعت أعلام الدين وحق القول على الكافرين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وعلى من سار على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيرا .
أوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله فإن التقوى سياج مانع وحصن آمن وهي وصية الله للأولين والآخرين
عباد الله : في مطلع كل عام هجري يتذكر المسلمون هجرة الرسول صلى الله عليه وسلمتلكم الذكرى الخالدة والتاريخ المجيد .. ولئن كانت هجرته عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة في شهر ربيع الأول فإن الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد جعل بداية التاريخ الإسلامي من شهر محرم من العام الذي هاجر فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إن الهجرة النبوية ـ أيها الأخوة ـ موقعٌ من مواقع التأمل في هذه المسيرة المباركة , إنها بحق تشريع للأمة ومعلم من معالم دينها و معانى الهجرة كثيرة لكننا نقف مع معنيين منها :
الأمر الأول التضحية أي البذل والفداء والتنازل والتضحية ـ أيها المسلمون هي المدد لانتشار هذا الدين وما أحوج الإسلام إلى تضحيات أبنائه المخلصين الذين لهم أسوة حسنة فيمن قبلهم , إن التضحية تكون بالنفس وتكون بالمال وتكون بالوقت وتكون بالجاه وتكون بكل ما يملكه المرء تضحيات وتنازلات في سبيل الله وإعزاز لكلمة الله وما تسلط الأعداء على دين الله وعلى المؤمنين بالله واليوم الآخر إلاَ لمَا انتشرت الأنانيات وذبلت في النفوس معاني التضحية والفداء وقعد المسلمون عن الجهاد في سبيل الله والبذل في سبيله بالغالي والنفيس ..
فهذا رأس الدعوة وقائد الأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمل العبء الثقيل في سبيل دعوته ويشتط المجرمون من أعدائه في مقاومته والتطاول عليه بالسخرية والاستهزاء ثم بالكذب والافتراء ثم بتجربة الوعد والإغراء ثم بتسليط الجهلة والسفهاء ثم بالتآمر الدنيء على الاغتيال { وإذ يمكرون بك الذين كفروا ليثبتوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين }
ومع سلسلة المؤامرات فالرسول صلى الله عليه وسلم ثابت كالطود ماضٍ في طريقه كالسهم المسدد ..
ويأتي وقت التنفيذ للمؤامرة الدنيئة على أساس أن يختاروا من كل قبيلة شاباً قوياً وكلُ منهم يمسك بسيفه ثم يعمدوا إلى ضرب الرسول ضربةً واحدة ليتفرق دمهٌ في القبائل فلا يستطيع أهلهٌ أن يأخذوا بثأره . ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يمضى بهدى ربه وتوفيقه معتصماً بحبله مردداً قوله { وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون }
ويخرج رسول الله صلى الله عليه وسلممن بينهم وهم لا يبصرونه وهذه سنة ٌ الله إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .
وهكذا ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلمبموطنه ومسكنه وأهله يلتمس أرضاً خصبة لنشر رسالة ربه تعالى
ومن حول الرسول الكريم آخرون شاركوا في الهجرة وضحوا لها وافتدوا لنجاحها بكل ما قدروا عليه .. فهذا أبو بكر الصديق رضى الله عنه يشارك صاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلمفي أعباء الهجرة فيظل معه في صميم المعركة ويبذل ماله كله في إنجاح الهجرة
ويأتي والده الكفوف البصر أبو قحافة إلى بيته فيجد الفتاه المؤمنة المناضلة أسماء بنت أبى بكر رضى الله عنها يسأل الجد حفيدته : أظن أن أباك قد فجعكم في ماله كما فجعكم في نفسه ـ ولم يكن أبو قحافة والد أبى بكر أسلم وقتئذٍ ـ فتجيبه قائلة : كلا يا جدي إنه قد ترك لنا مالاً كثيرا .
وتروى أسماء الواقعة فيما بعد فتقول : والله ما ترك أبي لنا شيئاً ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك وأسماء هذه هي التي تشهد الإعداد الأخير للهجرة المباركة رضى الله عنها
ومع ذلك تكتم السر وتصونه وتتعرض للمخاطر والمخاوف حيث تحمل الطعام والشراب ليلاً إلى المُهَاجِرين العظيمين وهما في الغار
وهي التي لا تجد ما تربط به الطعام سوى حزام وسطها الوحيد وهى التي ظلت تضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء وتعلمه لأهلها حتى أنها أشارت على ولدها عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أن يقاتل حتى يقتل عندما قاتله الحجاج في مكة واستدعت بكفنٍ له وبخرته وشجعته على القتال .
وإلى جانب الفدائية أسماء كان هناك فدائيون آخرون يقاومون ويضحون ويتعرضون للأهوال والأخطار ..
فهذا عبد الله بن أبي بكر رضى الله عنهما يقوم بجمع المعلومات من داخل معسكر المشركين في مكة ثم يمضى بها ليلاً إلى الغار ليطلع الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر على الأخبار .
أيها المسلمون : المهاجرون من الصحابة ضحوا بأغلى ما يملكونه من مال وأزواج وأولاد وأوطان مقابل الفرار بالدين وتكوين الجماعة المؤمنة ونشر رسالة السماء .. فهذا أبو سلمة الضعيف الفقير يسارع إلى الهجرة أول الناس ومعه زوجه وولده رضى الله عنهم فيهجم عليه الكافرون من أقارب زوجه وينتزعوها منه بالقوة ثم ينتزع أقاربه الولد من أمه ويمضى عام والزوج أبو سلمة في المدينة وأم سلمة معذبة في مكة وابنها بعيدٌ عنهما .
وهذا صهيب الرومي رضى الله عنه الذي حرره الإسلام وأعزه يحاول الهجرة فيحيط به الطغاة ويقولون له : أتيتنا صعلوكاً فكثر مالك عندنا وبلغت الذي بلغت ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ؟ والله لا يكون لك ذلك فيقول لهم : أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي قالوا نعم : قال : فإني قد جعلت لكم مالي وترك لهم كلً ما يملك ومضى مهاجراً إلى الله ورسوله ولما بلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ربح صهيب ربحَ صهيب .
وأمَا الشاب التقى النقي على بن أبى طالب رضى الله عنه فلقد ضرب أروع الأمثلة في التضحية عندما عرَض نفسه للخطر بنومه على فراش الرسول صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ..
وتضحيات الصحابة رضى الله عنهم أجمعين كثيرة ومتنوعة والقارئ للسيرة يجد أنهم لم يتركوا مجالاً للتضحية إلاَ سلكوه .
وثمة أمر آخر يؤكده درس الهجرة ـ أيها الأخوة ـ إنه إقامة الدين
إن الخلاف الحقيقي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين صناديد الكفر والشرك ليس خلافاً على مسائل جزئية أو عباداتٍ شخصية فلم تمنع قريش أحداً من المسلمين أن يصلى ولو عند الكعبة إلاَ ما كان من توعد أبى جهل ذات مرة للرسول صلى الله عليه وسلمأن يمنعه من الصلاة حول الكعبة , إن الخلاف كان على أمر عظيم وهو توحيد الله وعبادته وحده دون سواه وإظهار دينه .
لقد قالت قريش { أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب }
إن إقامة الدين هو الأمر الذي من أجله أرسل الرسل وكلفٌ به أتباعهم قال تعالى{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }
وإقامة الدين تتمثل في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالته { يأيها الرسول بلَغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته } وهى تتمثل ـ أيضاً ـ في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وقمة المعروف الإيمان بالله وعبادته وقمة المنكر الشرك بالله وعبادة الأصنام والطواغيت , وإقامة الدين تستوجب الجهاد في سبيل الله جهاد الذين يصدون عن دين الله عامة { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الأخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } .
ولمَا ضايق طغاة الشرك والوثنية رسول الله صلى الله عليه وسلم من إقامة الدين بمكة وتآمروا على تصفيته جسدياً هاجر إلى مكان آخر وتربة أطيب بأمر ربه ينطلق منه للدعوة إلى دين الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد في سبيل الله .
فالهجرة إذاً ـ أيها الأخوة ـ لم تكن فراراً بالنفس ولا نكوصاً عن المسؤلية ولا هروباً عن واقع وإنما كانت فراراً بالدين الذي هو أغلى من الأموال والأنفس إنها رسالة الله اختص بها فئة قليلة من خلقه هم عباده المؤمنون .
ودرس الهجرة درس عظيم وهى تشريع للأمة بحق , وقد عرفنا في هذه العجالة مقصودين منها .
فالتضحية هي سبيل إعزاز الأمة وانتصار الدين , وإقامة الدين هو حياة الدين وانتشارٌه وبلوغه ٌ للبشرية .
فاتقوا الله ـ يأمة الإسلام ـ وتعلموا من درس الهجرة فلكم في رسول الله أسوة حسنة وضحوا في سبيل الله بالغالي والنفيس وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فَيَقْتلون ويٌقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم } بارك الله لي ولكم ...