(من مظاهر رحمة الله جل جلاله) للشيخ د.محمد بن عدنان السمان

الفريق العلمي
1436/03/24 - 2015/01/15 06:05AM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعــد:

فاتقوا الله اخوة الإسلام ..

عباد الله : آية من كتاب الله ، نرددها ونسمعها في كل يوم أكثر من سبع عشرة مرة ، تضمنت اسمين عظيمين من أسماء الله تعالى ، تبارك اسمه وتعالى جده .

هذه الآية الكريمة جاءت في أعظم سورة في القرآن الكريم ، وحوت صفة عظيمة من صفات الرحمن الرحيم جل جلاله ، إنها آية ثناء على الله تعالى بما هو أهله ، فهو جل جلاله القائل في سورة الفاتحة أعظم سور القرآن ( الرحمن الرحيم ) ، فالرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله سبحانه وتعالى ، والرحمة صفة من صفاته جل جلاله .

وفي هذه الخطبة إن شاء الله سنستعرض مظاهر من تلك الرحمة الربانية من الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى ،فبرحمته أرسل إلينا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه كتابه القرآن الكريم كما قال سبحانه: )وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .

وتأمل قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ) فذّكر باسمه الرحمن لما ذكر تعليم القرآن.
وقد امتن الله علينا برحمته بأن جعلنا من أمة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم قال تعالى :( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) [آل عمران:159] ولهذا وصفه ربه فقال : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) [التوبة:128]

وبرحمته سبحانه وبحمده ، هدى المؤمنين إلى الطريق المستقيم ، وجنبهم طريق الضلال طريق الشيطان قال تعالى: ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ) قال الإمام الطبري رحمه الله معلقا على هذا الآية الكريمة : يعني بذلك - جل ثناؤه - ولولا إنعام الله عليكم - أيها المؤمنون - بفضله وتوفيقه ورحمته

ومن رحمته سبحانه وتعالى على عباده الليل والنهار ، قال سبحانه وبحمده مذكرا عباده بهذه النعمة :( وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ).

ولهذا قال سبحانه مبينا أثر هذه النعمة : (قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون ، قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون )
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله : يقول تعالى ممتنا على عباده بما سخر لهم من الليل والنهار ، اللذين لا قوام لهم بدونهما . وبين أنه لو جعل الليل دائما عليهم سرمدا إلى يوم القيامة ، لأضر ذلك بهم ، ولسئمته النفوس وانحصرت منه ، ولهذا قال تعالى : ( من إله غير الله يأتيكم بضياء ) أي : تبصرون به وتستأنسون بسببه ، ( أفلا تسمعون ) ثم أخبر أنه لو جعل النهار سرمدا دائما مستمرا إلى يوم القيامة ، لأضر ذلك بهم ، ولتعبت الأبدان وكلت من كثرة الحركات والأشغال ; ولهذا قال : ( من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه ) أي : تستريحون من حركاتكم وأشغالكم . ( أفلا تبصرون . ومن رحمته ) أي : بكم ( جعل لكم الليل والنهار ) أي : خلق هذا وهذا ( لتسكنوا فيه ) أي : في الليل ، ( ولتبتغوا من فضله ) أي : في النهار بالأسفار والترحال ، والحركات والأشغال ،
وقوله : ( ولعلكم تشكرون ) أي : تشكرون الله بأنواع العبادات في الليل والنهار ، ومن فاته شيء بالليل استدركه بالنهار ، أو بالنهار استدركه بالليل ، كما قال تعالى : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) [ الفرقان : 62 ] . والآيات في هذا كثيرة .

عباد الله .. ومن رحمة الرحيم الرحمن سبحانه وتعالى ، نعمة الغيث والمطر ، قال تعالى: ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )، وقال عز من قائل: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ).

أيها الأكارم .. وبرحمته وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وفي الحديث : ( ... وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه البخاري ، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( الراحمون يرحمهم الرحمن؛ ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح .

وصلة الرحم مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى ، مصداق ذلك فيما رواه الامام الترمذي رحمه الله وصححه عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( قال الله عز وجل أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ) .

ومن رحمته سبحانه وبحمده أنه خلق مائة رحمة فأنزل منها إلى الأرض رحمة واحدة نشرها بين الخليقة ليتراحموا بها، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (جعل الله الرحمة في مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق حتى ترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) رواه البخاري. وفي رواية له: ( إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار ).
ورواه مسلم بلفظ: ( إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة ).
نعم لقد أخر عنده الرحيم الرحمن تسعة وتسعين رحمة ليوم القيامة ، قال الطيبي رحمه الله: رحمة الله تعالى لا نهاية لها فلم يرد بما ذكره تحديدا بل تصويرا للتفاوت بين قسط أهل الإيمان منها في الآخرة وقسط كافة المربوبين في الدنيا .
اللهم اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ،،


الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركا، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله

ومن أعظم مظاهر رحمة الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى ، الجنة جعلني الله وإياكم من ورثة فردوسها الأعلى ، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم :( تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين ، وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم . قال الله تبارك وتعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منهما ملؤها ، فأما النار : فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا ، وأما الجنة : فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا ) .

إنها الجنة عباد الله فيها تتنزل الرحمات الربانية على أصحابها – نسأل الله من فضله ورحمته – قال الرحمن الرحيم سبحانه وبحمده :( وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) .

قال العلامة السعدي رحمه الله : ( وأما الذين ابيضت وجوههم ) فيهنئون أكمل تهنئة ويبشرون أعظم بشارة، وذلك أنهم يبشرون بدخول الجنات ورضى ربهم ورحمته ( ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) وإذا كانوا خالدين في الرحمة، فالجنة أثر من آثار رحمته تعالى، فهم خالدون فيها بما فيها من النعيم المقيم والعيش السليم، في جوار أرحم الراحمين

اللهم اغفر لنا وارحمنا ... .
المشاهدات 2159 | التعليقات 0