من قصص ثبات الصحابة ..د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان

احمد ابوبكر
1438/11/09 - 2017/08/01 12:00PM

عن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني في غزوة ذات الرقاع - فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين؛ فحلف أن لا أنتهي حتى أهريق دمًا في أصحاب محمد. فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين، ورجل من الأنصار فقال: كونا بفم الشعب. قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب؛ اضطجع المهاجري، وقام الأنصاري يصلي، وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع، وسجد ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم؛ قال: سبحان الله ألا أنبهتني أول ما رمى! قال: كنت في سورةٍ أقرؤها فلم أحبّ أن أقطعها. [1]

 

من فوائد الحديث:

1- معنى (الانتداب) الإجابة إلى ما يؤمر به الإنسان. يقال: ندبه إلى الأمر، أي: دعاه. "فانتدب رجل من المهاجرين" هو عمار بن ياسر. "ورجل من الأنصار" هو عبّاد بن بشر".

2- قوله: "يكلؤنا" أي: يحرسنا. وفيه اتخاذ الحراسة.

3- "في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها" هي سورة الكهف. [2]

4- قوله: " في غزوة ذات الرقاع " كانت في سنة أربع من الهجرة.

 

5- سميت الغزوة باسم شجرة هناك، وقيل باسم جبل هناك فيه بياض وسواد وحمرة، يُقال له الرقاع، فسميت به. وقيل: سميت بذلك لرقاع كانت في ألويتهم، وقيل: سميت بذلك لأن أقدامهم نُقبت فلفوا عليها الخرق، وهذا هو الصحيح؛ لأن أبا موسى حاضر ذلك مشاهده، وقد أخبر به.

6- قوله: " رَبِيئة " الربيئة هو العين والطليعة الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل أو شرف ينظر منه. [3]

7- قوله: (نذروا به) أي: شعروا به وعلموا بمكانه. وهذا من رحمة الله لأن السهام لم تصب الصحابي في مقتل، وإنما كانت مؤثرة جدا، واستطاع أن يتحمّل على نفسه؛ فلما أثخنته السهام، وخشي على المسلمين أخبر صاحبه.

 

8- يحتج بهذا الحديث من لا يرى خروج الدم، وسيلانه من غير السبيلين ناقضاً للطهارة، ويقول: لو كان ناقضا للطهارة لكانت صلاة الأنصاري تفسد بسيلان الدم أول ما أصابته الرمية، ولم يكن يجوز له بعد ذلك أن يركع ويسجد وهو محدث، وإلى هذا ذهب الشافعي. [4] وهو الصحيح. [5]

9- الرجل المشرك الذي قُتلت زوجته، أخذ يتتبع آثار المسلمين، وحلف أن يريق دماً منهم. [6]

10- شجاعة الصحابة، وشدة بأسهم، ورباطة جأشهم.

 

11- بيان لما كان يتحمله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الشدائد والمحن في سبيل دينهم.

12- قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه:" خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة ونحن ستة نفر، بيننا بعير نعتقبه، فنقبت أقدامنا، ونقبت قدماي، وسقطت أظفاري، وكنا نلف على أرجلنا الخرق، فسميت غزوة ذات الرقاع، لما كنا نعصب من الخرق على أرجلنا"، وحدث أبو موسى بهذا ثم كره ذاك، قال: ما كنت أصنع بأن أذكره، كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه. [7] وقد ندم أبو موسى رضي الله عنه أن حدَّث بهذا الحديث، وإنما كره ذلك وندم عليه بسبب خوفه أن يكون أظهر شيئا من عمله الذي احتسب أجره عند الله تعالى، وهذا يدل كما يقول النووي: ".. أنه يستحب للمسلم أن يخفي أعماله الصالحة، وما قد يكابده من المشاق في طاعة الله تعالى، وأن لا يتعمد إظهار شيء من ذلك إلا لمصلحة، مثل بيان حكم ذلك الشيء، والتنبيه على الاقتداء به ونحو ذلك، وعلى مثل هذا يحمل ما وُجِد للسلف من الإخبار ببعض أعمالهم ".

 

13- من فوائد هذه الغزوة المباركة نزول آيات في تشريع صلاة الخوف، وهي قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِينا ﴾ [8]

 

14- وفي ذلك دلالة عظيمة على أهمية المحافظة على الصلاة حتى في أسوأ الظروف وأشد الحالات، كحالة القتال والخوف.

15- مقدار حب الصحابة للقرآن الكريم والصلاة، إذ كادت نفس عباد رضي الله عنه تزهق في سبيل إتمام سورة من القرآن لم يشأ أن يقطعها، وإنما قطعها استشعاراً بمسؤولية الحراسة التي كُلّف بها. [9]

16- القيام بأعباء الجهاد؛ لا يمنع كون الجندي متعبداً لله قواماً لليل، وتاليا لكتاب الله [10]

 

17- اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمن الجنود، ويظهر ذلك في اختياره رجلين من خيار الصحابة رضي الله عنهم لحراسة الجيش ليلاً.

18- تقسيم الحراسة، ونلاحظ أن الرجلين اللذين أنيطت بهما حراسة الجيش قد اقتسما الليل نصفين، نصفًا للراحة ونصفًا للحراسة، إذ لا بد من راحة جسم الجندي بعض الوقت.

19- الشعور بمسؤولية الحراسة: فلم يقطع عباد صلاته لألم يشعر به وإنما قطعها استشعارًا بمسئولية الحراسة التي كلف بها، وهذا درس بليغ في مفهوم العبادة والجهاد.

 

20- إستراتيجية مكان الحراسة، فقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم فم الشِّعب مكان إقامة الحرس، وكان هذا الاختيار في غاية التوفيق؛ لأنه المكان الذي يتوقع مهاجمة العدو منه للمعسكر.

21- قرب مهجع الحرس من الحارس: ولذلك استطاع الحارس أن يوقظ أخاه النائم، ولو كان المهجع بعيدًا عن الحارس لما تمكن من إيقاظ أخيه، وبالتالي يحدث ما لا تحمد عقباه. [11]

22- ضرورة ارتباطِ المجاهدِ بالله تعالى دومًا ولاسيما في ساحات القتال، ليتصفَ المجاهدُ بالربانية دومًا؛ التي هي شرطٌ أساسٌ في جند الله.

 

23- أغلبُ الظنِ أن هذه الصحابي وصل إلى درجة من الخشوع والاستمتاع بالقيام وبتلاوة القرآن مبلغًا جعله لا يبالي بتلك (الوخزات) التي كان يشعرُ بها في قيامه.

24- كانوا رضي الله عنهم أحرصُ الناس على الوقت؛ فلم يكتفِ عبادٌ بالحراسة بل جمع لها "القيام"، استثمارًا للوقت، رغم ما بهم من ضنك وعوز. [12]

25- ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في كلّ المجالات، فهم القدوة الحسنة بعد نبيّهم محمد صلى الله عليه وسلم.



[1] مسند الإمام أحمد 23/ 51 رقم 14704. سنن أبي داود 1/ 77 رقم 198. صحيح ابن حبان 3/ 375 رقم 1096. وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 357 رقم 193.

[2] من 1-3 مستفاد من التَّحبير لإيضَاح مَعَاني التَّيسير للصنعاني 7/ 261.

[3] من 3-5 مستفاد من شرح سنن أبي داود للعيني 1/ 455.

[4] من 7-8 مستفاد من معالم السنن للخطابي 1/ 70.

[5] انظر فتاوى اللجنة الدائمة بالمملكة 5/ 282 رقم الفتوى 2461. موقع إسلام ويب رقم الفتوى 179647.

[6] عون المعبود شرح سنن أبي داود للعظيم آبادي 1/ 229.

[7] صحيح البخاري 5/ 113 رقم 4123. صحيح مسلم 3/ 1449 رقم 1816.

[8] سورة النساء آية 102.

[9] من 11-15 مستفاد من مقال دروس وفوائد من غزوة ذات الرقاع. موقع الإسلام ويب.

[10] موقع إمام المسجد. مقال عن غزوة ذات الرقاع دروس وعبر.

[11] من 17-21 مستفاد من السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث للدكتور علي الصلابي. الفصل العاشر - أهم الأحداث ما بين أحد والخندق. المبحث الرابع - غزوة ذات الرقاع. موقع الشبكة الدعوية.

[12] من 22-24 مستفاد من مقال عن غزوة ذات الرقاع صور تربوية وتطبيقات عملية. محمد مسعد ياقوت. موقع نصرة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.



رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/118642/#ixzz4oVKlaVPz

المشاهدات 663 | التعليقات 0