من قال إن الفساد حرام؟!

احمد ابوبكر
1435/05/01 - 2014/03/02 07:34AM
لو كان الفساد حراما لما كان موجودا وظاهرا في مجتمع مسلم، محافظ، يطبق شرع الله.

الفساد عندنا ليس حراما، بدليل أنه ظاهرة طاغية وواضحة جدا، لا مجال لإنكاره أو التقليل منه، لم يعد أصحابه يستحيون من الله ولا يستخفون من الناس، الفساد يضرب بأطنابه هنا وهناك، في قلب الوطن وأطرافه وزواياه، ينتشر بين كثير من صغار الموظفين وكبارهم وكبار كبارهم، وفي وسط الكثير من رجال الأعمال بكافة مستوياتهم حتى عند أصحاب الأكشاك.

وكل هؤلاء لا يرون بأسا في ممارسة الذكاء والفهلوة والشطارة واستعراض القدرات في إحقاق الباطل وإبطال الحق، يحققون أهدافهم وينمون ثرواتهم بالفساد، وسيلتهم "العمولات والهدايا والعشوات والتظبيطات" المختلفة والرشاوى المسماة بغير اسمها، هذا الأسلوب هو الشائع والظاهر والواضح في الكثير من الدوائر الحكومية والشركات الخاصة بمختلف أحجامها، كل عمل أو مشروع تقريبا يمكن أن يصبح قائما مهما كانت المعوقات الرسمية، كل مشروع يمكن أن يتم مهما كان سيئا ويتم استلامه بعيوبه ومخاطره، الكلمة العليا في الموضوع هي للرشوة بمسمياتها المختلفة، تفعل فعلها وتؤثر تأثير السحر، تحرك ما لا يتحرك وتوقف ما لا يتوقف، يمكن أن تؤخر مشاريع لسنوات بلا سبب، ويمكن أن تحولها من مكان لآخر، ويمكن أن تقوم هذه المشاريع ورقيا فقط.

بالمال، بالهدايا، بالعمولات، بالرشاوى يمكن أن يحدث كل شيء، والمصيبة أن من يدفع ومن يأخذ لا يرى في ذلك غضاضة ولا خيانة ولا مخالفة للنظام، والبعض لا يرى في ذلك أصلا مخالفة شرعية ولا حراما ولا عيبا، يعتبره عملا مشروعا لا يتنافى مع الدين والقيم والمباديء.

يبرر لنفسه ويرى أن الحياة تقتضي أن تسعى بكل وسيلة لتنمية مواردك وتضخيم ثروتك ، والبعض يؤكد أن الحاجات كثيرة والظروف صعبة والراتب لا يكفي الحاجة، والبعض يقول الحياة معركة شرسة ولا مجال فيها للهزيمة والضعف، والبعض يقول الكبار يأكلون ولا يشبعون ونحن لا نأكل إلا اليسير والفتات فقط.

ولكن أسوأ ما يمكن أن يقوله لك أحدهم هو أنه ولله الحمد يصلي ويصوم ويزكي ويقضي العشر الأواخر في الحرم ويتمتع بأخلاق حسنة وعلاقاته مع الآخرين طيبة ويعرف واجباته الدينية جيدا، وربما حدثك عن الجنة والنار والآخرة والعمل الصالح وبكى تأثرا، هذا الإنسان نفسه لا يرى بأسا في أن يدفع لكي يفوز بمشروع أو يمرر مشروعا أو يقدم مشروعا فاشلا كسيحا أو بالعكس لا يرى مشكلة في أن يحصل على عمولات ضخمة من المشروعات العامة والخاصة التي تقع تحت نطاق عمله، ويرى أن كل معاملة تصل إلى مكتبه لن تخرج من عنده قبل أن يحصل على (حقه) كاملا.

هذا وأمثاله نصادفه كثيرا في القطاعين الحكومي والخاص، تجلس إلى أحدهم فيحدثك عن تجربته في الحياة وآرائه العظيمة في كل شيء، ثم أخيرا يتنحنح ويطلب منك (حقه) وهو يبتسم.

قد تطلب منه تقريرا يخصك لتحصل على حقوقك من جهة اخرى فيساومك ويقول لك بلا حياء.. كم نسبتي أنا وزملائي؟ إعداد التقرير أخذ وقتا وجهدا ونريد عمولتنا على تعبنا، ولو قلت لا ، يمكن أن يتغير التقرير ولا تحلم بعدها أن تأخذ حقك، هكذا عيني عينك، وقد تفاجأ به يستأذنك لأداء صلاة الضحى ، فتفتح عينيك وتفغر فمك تعجبا !! ثم يقول لك هذه (حقوقنا وحقوق أولادنا) ومثلنا مثل كل الناس، ولعلمك البلد كلها (ماشية) هكذا ولو ذهبت إلى أي مكان ستلقى الصغير والكبير يفعلون ذلك !! ونحن لا نفعل أكثر من هذا!!

يكشف بحالك!! أين الحرم وأين العشر الأواخر وأين الأخلاق وأين الدمعات الحارة ؟ هذا الذي يقول عن نفسه أنه يعرف الله والدين والمباديء، فكيف بغيره؟ أي دين هذا الدين الذي لا يردع عن أموال الناس ولا يوقف سرقة بلد ولا يمنع رشوة مسلم لمسلم ولا يعطي للناس حقوقهم ولا يمنع ثلة فاسدة أن تفسد بلدا بكامله؟ من أين جاءوا بهذا الدين وهذه المفاهيم المقلوبة وهذه الوقاحة وهذه الصفاقة ؟ أين نشأ هؤلاء ومن رباهم ؟ من أفتاهم بهذه الخدع الشيطانية؟

أيها الراشون والمرتشون.. هذا الذي تفعلونه لا يجوز.. والله لا يجوز.. لا تخدعوا أنفسكم ولا تدعو للشيطان مجالا للضحك عليكم.. أفيقوا.. لا تخونوا بلدكم ولا دينكم..لا تمحقوا بركة حياتكم وحياة من تحبون بهذا الفساد!!

(ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها)

(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)

(لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما)
المشاهدات 902 | التعليقات 0