مِنْ فَضَائِلِ الاِسْتِغْفَارِ وَفَوَائِدِهِ
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أَيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: ذِكْرُ اللهِ جَلَّ وَعَلَا مِنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ وَأَزْكَاهَا وَأَحَبِّهَا إِلَى اللهِ وَأَعْظَمِهَا جَزَاءً.
وَحَدِيثُ اليَوْمِ عَنْ نَوعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ؛ جَاءَتْ بِفَضْلِهِ الأَدِلَّةُ الكَثِيرَةُ؛ وَكَانَ النَّبِيُّ صَـلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ قَبْلَهُ عَلَيهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ قَـــالَ اللهُ تَعَالَى عَنِ الأَبَوَينِ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيهِمَا السَّـــلَامُ: { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [ الأعراف23] وَقَالَ نُوحٌ عَلَيهِ السَّلَامُ: { وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ }[هود47 ]وَقَالَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ:{ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي }[ القصص16] وَقَالَ تَعَالَى عَنْ دَاوُدَ عَلَيهِ السَّلَامُ: { فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }[ ص 24]
وَهَكَذَا سُلَيمَانُ عَلَيهِ السَّلَامُ: { قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي }[ ص35]
وَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى بِالاِسْتِغْفَارِ نَبِيَّهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَسَائِرَ المُؤْمِنِينَ؛ فَقَالَ تَعَالَى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ }[ محمد 19 ]
وَقَالَ تَعَالَى: { فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ }[فصلت 6 ]
عِبَادَ اللهِ: لُزُومُ الاِسْتِغْفَارِ سَبَبٌ لِرَحْمَةِ اللهِ تَعَالَى؛ كَمَا قَالَ صَالِحٌ عَلَيهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ: { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ النمل 46 ]
لُزُومُ الاِسْتِغْفَارِ سَبَبٌ لِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ( يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ). [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
لُزُومُ الاِسْتِغْفَارِ طَهَارَةُ لِلْقَلْبِ وَصَلَاحٌ؛ يَقُولُ النَّبِيُّ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ كَانَتْ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فِي قَلْبِهِ، فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ، فَإِنْ زَادَ زَادَتْ...) الخ [ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم وقال الألباني: حسن ]
وَفِي لُزُومِ الاِسْتِغْفَارِ جَلْبُ خَيْرَاتِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ؛ فَهُوَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الغَيْثِ وَالإِمْدَادِ بِالأَمْوَالِ وَالبِنَينَ؛ وَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ؛ يَشْكُو إِلَيْهِ الجَدْبَ وَالقَحْطَ فَقَالَ لَهُ: ( اِسْتَغْفِرِ اللهَ ) ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ يَشْكُو الحَاجَةَ وَالفَقْرَ فَقَالَ لَهُ: ( اِسْتَغْفِرِ اللهَ ) ثُمَّ جَاءَهُ ثَالِثُ يَشْكُو قِلَّةَ الوَلَدِ فَقَالَ لَهُ: ( اِسْتَغْفِرِ اللهَ ) فَعَجِبَ القَومُ مِنْ إِجَابَتِهِ؛ فَتَلَا عَلَيهِمْ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } [ نوح 10 ـ 12 ]
وَفِي الاِسْتِغْفَارِ - رَحِمَكُمُ اللهُ - أَمَانٌ مِنَ العَذَابِ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الأنفال 33]
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ( كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ: النَّبِيُّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَالاِسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّـى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَبَقِيَ الاِسْتِغْفَارُ ).
ثُمَّ اعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَنَّ الاِسْتِغْفَارَ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَمَشْرُوعٌ كُلَّ وَقْتٍ؛ وَهُنَاكَ أَوْقَاتٌ وَأَحْوَالٌ يَكُونُ لِلِاسْتِغْفَارِ فِيهَا مَزِيدُ فَضْلٍ.
فَمِنْ ذَلِكَ: الاِسْتِغْفَارُ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ العِبَادَاتِ؛ لِيَكُونَ كَفَّارَةً لِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ خَلَلٍ أَوْ تَقْصِيرٍ؛ فَيُشْرَعُ الاِسْتِغْفَارُ ثَلَاثًا بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَيُشْرَعُ الاِسْتِغْفَارُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَةَ؛ قَالَ تَعَالَى: { ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }[ البقرة 199 ]
وَيُشْرَعُ الاِسْتِغْفَارُ فِي خَتْمِ المَجَالِسِ: ( سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ )
وَمِنْ أَفْضَلِ الأَوْقَاتِ لِلاِسْتِغْفَارِ: وَقْتُ السَّحَرِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ }[آل عمران17] وَقَالَ: { وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [الذاريات 18]
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ
أمَّا بَعدُ: فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ: { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُـونَ }[ آل عمران 135 ]
الاِسْتِغْفَارُ - وَفَّقَكُمُ اللهُ -: هُوَ طَلَبُ المَغْفِرَةِ، وَمَنْ يَطْلُبُ مَغْفِرَةَ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ يُقْلِعُ عَنْهُ؛ وَلَا يُصِرُّ عَلَيهِ.
يَقُولُ الفُضَيْلُ رَحِمَهُ اللهُ: اِسْتِغْفَارٌ بِلَا إِقْلَاعٍ تَوْبَةُ الكَذَّابِينَ.
عِبَادَ اللهِ: أَلَا فَلْنَذْكُرِ اللهَ كَثِيرًا، وَلْنُسَبِّحْهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَلْنَلْزَمِ التَّوْبَةَ وَالاِسْتِغْفَارَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا مَا قَدَّمْنَا وَمَا أَخَّرْنَا، وَمَا أَسْرَرْنَا وَمَا أَعْلَنَّا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }[الأحزاب 56]
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1708560051_مِنْ فَضَائِلِ الاِسْتِغْفَارِ وَفَوَائِدِهِ.pdf
1708560069_مِنْ فَضَائِلِ الاِسْتِغْفَارِ وَفَوَائِدِهِ.docx