من علامات قبول العمل

الحمد لله رب العالمين، نحمده تعالى على نعمة الإسلام العظيم وكفى بها نعمة، ونشكره أن هدانا للقرآن العظيم، ولولاه ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا، ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو علي كل شيئ قدير. وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم . فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والعقيدة .... ما أسرع مُضيِّ الأيام، وانقضاء الساعات والأعوام، قبل أيام يسيرة كنا نعد الأيام والليالي، ونحسب الدقائق والثواني، نترقب قدوم شهر ذي الحجة، يترقبه الحجاج وينتظروه بفارغ الصبر من أجل أن يؤدوا فريضة الحج، بل ويترقبه المسلمون في كل مكان؛ ليعمروه بطاعة الله عز وجل، يترقبون أعظم أيام الدنيا، يوم عرفة ويوم النحر. يريدون فيه القرب من الكريم الرحمن، ويريدون مغفرة الذنوب والعتق من النيران. فجاءت أيام الحج فقضى الحجاج عبادة من أعظم العبادات، وقربة من أعظم القربات، تجردوا لله من المخيط عند الميقات، وهلت دموع التوبة في صعيد عرفات على الوجنات، خجلاً من الهفوات والعثرات، وضجت بالافتقار إلى الله كل الأصوات بجميع اللغات، وازدلفت الأرواح إلى مزدلفة للبيات، وزحفت الجموع بعد ذلك إلى رمي الجمرات، والطواف بالكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، في رحلة من أروع الرحلات، عاد الحجاج بعد ذلك فرحين بما آتاهم الله من فضله ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ ) خير من الدنيا وأعراضها وأغراضها التي ما هي إلا طيف خيال، مصيره الزوال والارتحال، فهنيئًا للحجاج حجُهم، وللعُبَّاد عبادتهم واجتهادهم، وهنيئًا لهم قول الرسول فيما يرويه عن ربه عز وجل ( إذا تقرب العبد إليَّ شبرًا تقربت إليه ذراعًا، وإذا تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا، وإذا أتاني مشيًا أتيته هرولة ).
عباد الله .. وبعد تلك العبادات الجليلة والأعمال الصالحة تأتي قضية قبول العمل التي شغلت بال الكثير من الصالحين فكان الواحد منهم يعملُ العمل راجياً من الله القبول، وصدق فيهم حيث قال ( إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) بعد كل طاعة وعبادة نتذكر قول علي رضي الله عنه : ليت شعري، من المقبول فنهنيه، ومن المحروم فنعزيه. بعد كل طاعة نردد قول ابن مسعود رضي الله عنه : أيها المقبول هنيئًا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك.
لقد قال عليّ رضي الله عنه: (لا تهتمّوا لقِلّة العمل، واهتمّوا لقَبول العمل . ألم تسمعوا قول الله عز وجل يقول( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)
وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة علامات القبول ، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله ، وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها ، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى.
فمن علامات قبول العمل .. عدم الرجوع إلى الذنب. فإذا كرِه العبد الذنوب وكرِه أن يعود إليها فليعلم أنه مقبول، وإذا تذكر الذنب حزن وندم وانعصر قلبه من الحسرة فقد قُبلت توبته. لأن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخسران . قال يحيى بن معاذ: من استغفر بلسانه وقلبُه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلى المعصية ويعود، فصومه عليه مردود، وباب القبول فى وجهه مسدود. نسأل الله السلامة والقبول.
ومن علامات قول العمل .. الزيادة في الطاعة، قال الحسن البصرى: إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.
سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان ,بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها . قال تعالى ( فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ).
ومن علامات قبول العمل ... الثبات على الطاعة. فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته.
ومن علامات قول العمل ... حب الطاعة والأنس بها والاطمئنان إليها، كما وصف الله عبادة المؤمنين ( الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) فإذا أردت أن تعرف مقامك عند الله فانظر أين أقامك .
هذا هو أبو بكر الصديق صديق الأمة رضوان الله عليه، يسأل النبي أصحابه يوماً من الأيام فيقول ( من أصبح اليوم منكم صائماً؟ ) فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله! فيقول ( من أطعم اليوم منكم مسكيناً؟ ) فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله، فيسأل النبي ( من تبع اليوم جنازة؟ ) فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله! فيسأل النبي ( من عاد اليوم منكم مريضاً؟ ) فيقول أبو بكر : أنا يا رسول الله! فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم ( ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) يبشر بالجنة وهو لا زال يمشي على وجه الأرض. ومن الذي يبشره؟! إنه أعظم البرية صلى الله عليه وآله وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى قال ( ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة ) إنه التسابق! إنه التنافس على الخيرات والطاعات، وبهذا ارتقى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدرجات العالية، فبشر بعضهم بالجنة من الصادق المصدوق وهو لا زال يمشي على التراب، ويعيش بين الناس في هذه الدنيا.
أسأل الله جل وتعالى أن يجعلني وإياكم وجميع إخواننا المسلمين من المقبولين، ممن تقبل الله صيامهم وقيامهم وحجهم وجميع طاعاتهم وكانوا من عتقائه من النار.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.


الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... وإن من علامات قبول العمل .. نظر القلب إلى الآخرة، وأن يتذكر العبد موقفه بين يدى الله تعالى وسؤاله إياه عما قدم فيخاف من السؤال، فيُحاسب نفسه على الصغيرة والكبيرة، ولقد سأل الفضيل بن عياض رجلاً يوماً وقال له: كم مضى من عمرك؟ قال: ستون سنة، قال: سبحان الله منذ ستين سنة وأنت فى طريقك إلى الله! قربت أن تصل، واعلم أنك مسئول فأعد للسؤال جواباً، فقال الرجل: وماذا أصنع، قال: أحسِن فيما بقى يغفر لك ما مضى وإن أسأت فيما بقى أخذت بما بقى وبما مضى.
عباد الله ... المؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن هذه الآية ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات ).
فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه يزدري أعماله، ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.
هذا حال المؤمن استصغار العمل وعدم العجب والغرور به، وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، عند بناء الكعبة فقال ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )
وصلى الله على نبينا وعل آله وصحبه أجمعين
المشاهدات 2448 | التعليقات 2

شكر الله لك شيخ إبراهيم هذا المجهود الكبير وما أحسن ما ذكرت من قول أحد السلف" لا تهتموا بقليل العمل واهتموا بقبول العمل" اللهم ارزقنا القبول في العمل وتقبل منا القليل وتجاوز عن التقصير.
نفع الله بك وبكل المشايخ الأفاضل.


جزاك الله خيرا