من علامات الساعة
عبد الله بن علي الطريف
سلسلة أركان الإيمان خامسًا الإيمان باليوم الآخر 3 من علامات الساعة. 1446/3/3
أيها الإخوة: من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه وقت قيام الساعة فلم يطلع عليه أحد من خلقه لا نبي مرسل ولا ملك مقرب، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً) [الأعراف:187] حتى اسرافيل عليه السلام وهو الموكل بالنفخ في صور لا يعلم متى وقت النفخة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ، وَحَنَى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضيَ اللهُ عَنْهُ وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب صحيح لغيره.
ولكن من رحمته تعالى بعباده أن جعل علامات تدل على قُربها تسبق قيامها، وتسمى أشراطُ الساعة، والمقصود بأشراطها: العلامات التي تدل على قدومها.. وقد ذكر العلماء منها ما يقارب السبعين وقد قَسَّمُوها إلى علامات صغرى وكبرى، والمراد بالصغرى: العلامات التي تدلُّ على اقترابِ يوم القيامة كان أولها مبعث رسولنا ﷺ.
وهي قسمين منها ما وقع، ومنها مالم يقع، وقد أَخْبَرَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ وَأَبَانَها بما لم يُؤْتَهُ نَبِيٌّ قبله.. وما وقع منها قسمين مِنْها ما ظهر في حياته ﷺ، ومنها ما ظهرت مباديها من عهد الصّحابة رضي الله عنهم، وهي في ازدياد وسبق ذُكر شيء منها، ثمّ صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض، ومنها مالم يقع..
وهنا تنبيه مهم ذكره الإمام النووي رحمه الله فقال: "لَيْسَ كُلُّ مَا أَخْبَرَ ﷺ بِكَوْنِهِ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ يَكُونُ مُحَرَّمًا أَوْ مَذْمُومًا؛ فَإِنَّ تَطَاوُلَ الرِّعَاءِ فِي الْبُنْيَانِ، وَفُشُوَّ الْمَالِ، وَكَوْنَ خَمْسِينَ امْرَأَةً لَهُنَّ قَيِّمٌ وَاحِدٌ لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا شَكٍّ، وَإِنَّمَا هَذِهِ عَلَامَاتٌ، وَالْعَلَامَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ تَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْمُبَاحِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ" أهـ
أيها الإخوة: ولقد ذكرنا في جمعة ماضية بعضها وسنذكر بعضها اليوم، فمن علامات الساعة الصغرى انتشار الأمن: وهذا قد وقع في زمن الصّحابة رضي الله عنهم، وذلك حينما عمَّ الإِسلامُ والعدلُ البلادَ الّتي فتحها المسلمون. ويؤِّيدُهُ حديث عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ فَقَالَ يَا عَدِيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إِلَّا اللهَ. قُلْتُ: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلَادَ.. رواه البخاري.. وسيكون ذلك في زمن المهدي وعيسى عليه السلام حينما يعمُّ العدلُ مكان الجور والظلم.
ومن علامات الساعة الصُغرى كذلك ما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ، تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى.» رواه البخاري ومسلم.. وبصرى بضم الباء، آخرها ألف مقصورة: مدينة معروفة بالشام، ويقال لها: حوران، وقال ابن كثير رحمه الله في النهاية:. "أنه فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّمِائَةٍ فِي يَوْمِ الجمعة الخامس من جمادى الآخرةِ ظهرت نارٌ بأرضِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ طُولَها أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ وَعَرْضَها أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ تُسِيلُ الصَّخْرُ حَتَّى يَبْقَى مِثْلَ الْآنُكِ، ثُمَّ يَصِيرُ كالفحمِ الأسود وإن ضوءها كان الناس يسيرون عليه بِاللَّيْلِ إِلَى تَيْمَاءَ، وَأَنَّهَا اسْتَمَرَّتْ شَهْرًا، وَقَدْ ضَبَطَ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَنظموا فِيهَا أَشْعَارًا.. ونقل عمن عاصرها: أَنَّهُمْ شَاهَدُوا أَعْنَاقَ الإِبل فِي ضَوْءِ هَذِهِ النَّارِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ أرض الحجاز"
ومن علامات الساعة الصغرى: تقارب الزّمان قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونُ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونُ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونُ السَّاعَةُ كَالضَّرَمَةِ بِالنَّارِ» رواه الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ وصححه الألباني وفي رواية أحمد بسند صحيح عن أبي هريرة رَضيَ اللهُ عَنْهُ وَفِي رِوَيَةٍ: «وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ» والسَّعَفَةِ هي الْخُوصَةُ، أو ورقة النخل.. وقيل: أنَّ المراد بذلك قلة البركة في الزّمان. وقال ابن حجر: "قد وُجِدَ في زماننا هذا، فإننا نجد من سرعة مرِّ الأيَّام ما لم نكن نجده في العصر الّذي قبل عصرِنا هذا، وإن لم يكن هناك عيش مستلذ والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان وذلك من علامات قرب الساعة" أ هـ أقول هذا في زمن بن حجر رحمه الله المتوفى 852هـ فماذا نقول الآن.!
أيها الإخوة: ومن علامات الساعة الصغرى كثرة التجارة وفشوُّها بين النَّاس: حتّى تشارك النِّساء فيها الرجال، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ تَسْلِيمَ الْخَاصَّةِ أَنْ لَا يُسَلِّمَ الرَّجُلُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَعْرِفُ، وَفُشُوَّ التِّجَارَةِ، حَتَّى تُعِينَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَقَطْعَ الْأَرْحَامِ، وَشَهَادَةَ الزُّورِ، وَكِتْمَانَ شَهَادَةِ الْحَقِّ، وَظُهورَ الْقَلَمِ» رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَفْشُوَ الْمَالُ وَيَكْثُرَ، وَتَفْشُوَ التِّجَارَةُ، وَيَظْهَرَ الْعِلْمُ، وَيَبِيعَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ، فَيَقُولَ: لَا، حَتَّى أَسْتَأْمِرَ تَاجِرَ بَنِي فُلَانٍ، وَيُلْتَمَسَ فِي الْحَيِّ الْعَظِيمِ الْكَاتِبُ فَلَا يُوجَدُ» رواه النسائي وصححه الألباني
وفشو التجارة من مظاهره علامة أخرى: وهي تقارب الأسواق، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْكَذِبُ، وَتَتَقَارَبَ الْأَسْوَاقُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ» قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ». رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ وقال الأرناؤوط إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين.. قال العلماء: والمراد بتَقارُبِ الأسواقِ -والله أعلَمُ- أنَّ ذلك إشارةٌ إلى ما وُجِدَ في زَمانِنا مِنَ الْمَراكِبِ الأرَضِيَّةِ والجَوِّيَّةِ، والآلاتِ الكَهرَبائيَّةِ والإلِكتُرونيَّةِ الَّتي قَرَّبَتِ البَعيدَ فتَنقُلُ الأصَواتَ وتَنقُلُ الكِتابةَ وسداد القيمة، فصارَت أسواقُ الأرضِ مُتَقارِبةً بسَبَبِها، فلا يَكونُ تَغييرٌ في الأسعارِ في قُطرٍ مِنَ الأقطارِ إلَّا ويَعلَمُ به التُّجارُ أو غالِبُهم في جَميعِ أرجاءِ الأرضِ، فيَزيدونَ في السِّعرِ إن زادَ، ويَنقُصونَ إن نَقَصَ، ويَذهَبُ التَّاجِرُ في السَّيَّارة أو الطَّائِرة إلى أسواقِ الْمَدائِنِ الَّتي تَبعُدُ عَنه مَسيرةَ أيَّامٍ أو شُهور، فيَقضي حاجَتَه مِنها، ثُمَّ يَرجِعُ في يَومٍ أو بَعضِ يَومٍ، ومنه أيضًا -والله أعلَمُ- تَقارُبَ الْمَتاجِرِ من بَعضِها، مِثلَ الْمُجَمَّعاتِ التِّجاريَّةِ فالمَحَلَّاتِ كثيرةٌ ومتجاورةٌ، فيوجد في الأحياءِ السَّكَنيَّةِ وغَيرِها شَوارِعُ تِجاريَّةٌ ومَحَلَّاتٌ تَحتَ الْمَنازِلِ ومحَلَّاتٌ أخرى بجانِبِها، ولا يَكادُ يَخلو مَوضِعٌ الآنَ من مَتاجِرَ مُمتَدَّةٍ على جانِبَيِ الطَّريقِ، وهيَ كثيرةٌ ومُتَلاصِقةٌ يتوفر فيها كل شيء وفي مُتَناوِلِ اليَدِ.. وظَهَرَت أيضًا الأسواقُ والمَتاجِرُ الإلِكتُرونيَّةُ عَبرَ الإِنتِرنِت، وأصبَحَ الطَّلَبُ على الشِّراءِ مِنها مُتَزايِدًا بصورةٍ كبيرةٍ جِدًّا، فالإنسانُ الآنَ يَختارُ وهو في بَيتِه أصنافَ السِّلَعِ الَّتي يُريدُها من أي مكان بالعالم ويدفع قيمتها، ثُمَّ تَأتيه إلى بابِ مَنزِلِه وفي زمنٍ قصيرٍ.. أسأل الله تعالى أنى ينفعنا بما علمنا ويجعلنا هداة مهتدين...
الخطبة الثانية:
ومن علامات الساعة كثرة الكتابة وانتشارها: فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ظُهورَ الْقَلَمِ» رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.. والمراد بظهور القلم -والله أعلم- ظهور الكتابة وانتشارها.. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تَفْشُوَ التِّجَارَةُ، وَيَظْهَرَ الْعِلْمُ» رواه النسائي وصححه الألباني. ومعناه -والله أعلم- ظهور وسائل العلم، وهي كتبه.. وقد ظهرت في هذا الزمن ظهورًا باهرًا، وانتشرت في جميع أرجاء الأرض، بسبب توفر آلات الطابعة والتصوير وأجهزة الكمبيوتر والتطبيقات وغيرها من الوسائل، والّتي لم تكن قبل ذلك..