من صُوَرِ الظُّلم في الأُسرة

عايد القزلان التميمي
1444/04/10 - 2022/11/04 07:03AM
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْمَوَدَّة وَالرَّحْمَة بَيْن الْأَزْوَاج ورغّب فِي بِناء الْأُسْرَة ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشكُرُهْ عَلَى مَا أَسْبَغَ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَة . وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، الْقَائِل وَلا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، القائل ((كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّتِه)) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير آل وأُسْوَة.
أما بعد : فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله  وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ
عباد الله : إن النَّاظر اليوم في أكثر القضايا في المحاكم يَجِدُ أكثرها في الحقوق وخصومات أفراد الأسرة ضد بعضهم .
ولعل من أبرز صُوَرِ الظُّلم الذي يقع داخل الأسرة أن يَظْلِم أحد الزوجين الآخر؛ فقد يظلمُ الزوج زوجته، وذلك بأن يحرمها هي وأولادها من النفقة عليها وعلى أولادها، وتوفير احتياجاتهم من مأكل ومسكن ، وحقوقهم المعنوية، وقد قال الله تعالى (( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ )).
عباد الله وبعض الأزواج حينما يرغب الزوج بمفارقة زوجته التي يكرهها فإنه يقوم بإيذائها وتنكيدها وتنغيص حياتها بشتى الطرق لكي تَفْدِي نَفْسَها والله تعالى يقول:  يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ  
وقال الله تعالى (( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ))
وبعض الرجال الذي عنده أكثر من زوجة تجده  يميل إلى إحدى زوجاته فيظلم الأخرى ويَضُر بها، يقول صلى الله عليه وسلم ((مَنْ كانتْ له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يومَ القيامةِ وشِقُّه مائلٌ )) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني .
وقد يحدث أيضا ظلم الزوجات لأزواجهنَّ بـتقصيرهن في حقهم، وتنكُّر فضلهم.
عِبَاد اللَّهِ وَمَنْ صُوَرِ الظُّلْمِ فِي الْأَسِرَّةِ تَفْضِيل الْأَبُ أَوْ الْأُمِّ لِأَحَد أَوْلَادِهِمَا عَلَى حِسَابِ الْأَوْلَاد الْآخَرِين ، وَإِيثَارُه بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيَّة وَالْهَدَايَا ، وَتَفْضِيل الذُّكُورِ عَلَى الْإِنَاثِ فِي الْعَطِيَّة ، وَالْمَحَبَّة ، وَالاهْتِمَامِ بِهِمْ ، مِمَّا يُوَرَّثُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَ الإِخْوَةِ ؛ وَيَكُونُ سَبَبًا فِي عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ ،وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بيْنَ أوْلَادِكُمْ )) أخرجه البخاري
 ويكون العدل بين الأولاد في العطية، والهبة، والوقف ، والإنسان لا يدري أين الخير في الذكور أم في الإناث، وربنا يقول: ﴿ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ﴾
 فيا مَن رزقه الله البنات، إيَّاك وظلمهنَّ، فهنَّ سبب للحجب من النار، ودخول دار الجنان مع النَّبي صلى الله عليه وسلم.
عِبَاد اللَّهِ وَمَنْ صُوَرِ الظُّلْم دَاخِلٌ الْأُسرة أَنَّ هُنَاكَ مَنْ الْآبَاءِ مَنْ يَسْتَوْلِي عَلَى أَمْوَالِ أَوْلَادِه ، لاسيما الْبَنَات الموظفات ، وَيَمْنَعهُنَّ مِنْ الزَّوَاجِ لِأَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ رواتبهن ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ، لِأَنَّهُ أَكَلٌ لِلْمَالِ الْحَرَام ، وَلِأَنَّ فِيهِ ظُلْمٌ لِلْبَنَات ، وَعَضْلٌ لَهُنَّ مِنْ الزَّوَاجِ ، وَخِيَانَة لأمانة التَّرْبِيَة.
عِبَاد اللَّهِ وَكَذَلِكَ مَنْ صُوَرِ الظُّلْم دَاخِل الأُسْرَةِ عَدَم تَقْسِيم الْمِيرَاث الْقِسْمَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَعَدَمِ تَطْبِيق أَحْكَامِه ، و تَقْسِيم الْمِيرَاث أَمَرٌ وَحُكْمُ مَنْ اللَّهِ يَجِبُ قَبُولهُ وَالِانْقِيَادَ لَهُ بِالتَّسْلِيم وَالْعَمَل ؛ وَقَدْ قَالَ رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ  وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
 والْمِيرَاثُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ؛ وَتَجِد ذَلِكَ بَعْدَ آيَات الْمِيرَاث فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾
عِبَاد اللَّهِ وَاسْتِحْقَاقُ الْإِرْث لِلْوَرَثَة يَبْدَأُ مِنْ تَحَقُّقِ وَفَاةِ الْمُوَرِّثِ ، وَمَا اعْتَادَهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مَنْ تَأْخِيرِ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ لشهور أَو سَنَوَات فَهُو تَصَرَّف خَاطِئٌ ، وَهُوَ مِنْ الْمُمَاطَلَةِ الَّتِي نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا ، و كَذَلِكَ أَكْلٌ لِأَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَهَذَا مَا نَهَى عَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ )).
عِبَاد اللَّهِ إنه مِنْ الْوَاجِبِ تَمْكِين كُلِّ وَارِثٍ وَوَارِثَه مِنْ نَصِيبِهِ الْمُسْتَحِقّ ، منعًا لِلظُّلْم وَأَكْلُ مَالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ ،
وَمِنْ الْوَاجِبِ كَذَلِكَ مَعْرِفَةُ أَوْقَات وَفَاة مُصَابِى حَوادِثِ السَّيْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ حَوَادِثَ الْمَوْت الجماعى ، وَلَا يُحكم بِمَوْتِهِم جميعًا إلَّا عِنْدَ تَعَذُّرِ إثْبَات مَنْ مَاتَ أولًا وَمَنْ لَحِقَ بِهِ ، وَيَجِب أيضًا تَحَرَّى مَا إذَا كَانَتْ زَوْجَةَ الْمَيِّتِ حاملًا قَبْلَ قِسْمَةِ تَرِكَتِهِ حَتَّى لَا تَضَيِّعَ الْحُقُوق بِالْجَهْل وَالتَّفْرِيط .
وللقضاء على مشكلات المواريث يكون  بتربية الأبناء على العدل والقناعة والإيثار، وتنشئتهم على الحب والتراحم والإسراع بتوزيع التركة عقب وفاة الموَرِّث .
بارك الله لي ولكم .....
الخطبة الثانية
الحمد لله، خَلَق فسوّى، وقدَّر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا
أما بعد فيا أيها المسلمون،
احذروا الظلمَ، فإنّ الله ليس بغافلٍ عما تَعملون، قال الله تعالى: (( وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ  مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ))
فالله تعالى حرَّم الظلم على نفسه، وجعله محرماً بين الناس، يقول الله تعالى في الحديث القدسي )) يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا )) .
وقال صلى الله عليه وسلم ((مَن كَانَتْ له مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ مِن عِرْضِهِ أَوْ شيءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ منه اليَومَ، قَبْلَ أَنْ لا يَكونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ منه بقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ، وإنْ لَمْ تَكُنْ له حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِن سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عليه )) أخرجه البخاري
 فاتقوا الله ـ عباد الله ـ في أنفسكم وفي أُسَرِكم، واعتبروا بغيركم ، واحذروا من دعوة المظلوم فليس بينها وبين الله حجاب.
ثم صلوا على نبيكم ......      
المرفقات

1667534615_من صور الظلم في الأسرة 10-4-1444.docx

المشاهدات 1285 | التعليقات 0