من سينال هذه الخصال؟
عبدالرزاق بن محمد العنزي
الخطبة الأولى:(13/5/1443هـ) من سينال هذه الخصال؟
أيها الناس: ست خصال من مات عليها ضمن الله له الجنة!
هذه الخصال والصفات ذكرت مجتمعة في حديث واحد، كما أن بعضها ذكر في أحاديث متفرقة غير هذا الحديث، فلنستمع لهذا الحديث ولتلك الصفات لعلنا نجتهد في تحصيلها رجاء أن يدخلنا الله وإياكم الجنة .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ("خَصَلَاتٌ")، أي: صفات ("سِتٌّ؛ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، إِلَّا كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ: رَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا، فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ، وَرَجُلٌ تَبِعَ جَنَازَةً، فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ، وَرَجُلٌ عَادَ مَرِيضًا، فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ، وَرَجُلٌ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَسْجِدٍ لِصَلَاتِهِ، فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ، وَرَجُلٌ أَتَى إِمَامًا لَا يَأتِيهِ إِلَّا لِيُعَزِّرَهُ وَيُوَقِّرَهُ، فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ ذَلِكَ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ، وَرَجُلٌ قَعَدَ فِي بَيْتِهِ، لَا يَغْتَابُ مُسْلِمًا، وَلَا يَجُرُّ إِلَيْهِ سَخَطًا، وَلَا يَنْقِمُهُ)، (فَسَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ، وَسَلِمَ مِنَ النَّاسِ)، (فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ، كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ") رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني.
قبل أن نتكلم عن هذه الصفات والخصال الست نبين الشرط الذي ورد في الحديث ومن أجله يدخل في ضمان الجنة بإذن الله وهو قوله صلى الله عليه وسلم : " فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ " والمعنى : " إذا قام بها العبد وفي تلك اللحظة التي قام بها مات " أي : مات وهو يجاهد في سبيل الله أو مات وهو يتبع الجنازة ، أو مات وهو خارج للصلاة .
سنتحدث اليوم عن أول هؤلاء الستة ونكمل البقية في الجمع القادمة بإذن الله ...
أول هؤلاء الستة : ("رَجُلٌ خَرَجَ مُجَاهِدًا")، في سبيل الله خالصاً لله؛ "فَإِنْ مَاتَ فِي وَجْهِهِ"؛ أي: في طريق جهاده توفي ذاهباً أو آيباً "كَانَ ضَامِنًا عَلَى اللهِ"، أي : كان مضموناً على الله أجره.
والآيات والأحاديث في فضل الجهاد في سبيل الله وجزاء أهله كثيرة جداً ويكفينا منها قول الحق تبارك وتعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انتدب الله لمن خرج في سبيله لا يخرجُه إلا إيمانٌ بي وتصديقٌ برسلي أنْ أرجِعَه بما نالَ من أجرٍ أو غنيمةٍ أو أدخله الجنة، ولولا أنْ أشقَّ على أمَّتي ما قعدتُ خلفَ سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيَا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل))؛ رواه البخاري.
ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثَلُ المجاهد في سبيل الله - والله أعلمُ بِمَن يجاهدُ في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتوكَّل الله للمجاهد في سبيله بأنْ يتوفَّاه أنْ يُدخِلَه الجنَّة، أو يرجعه سالمًا مع أجرٍ أو غنيمةٍ))؛ البخاري.
والمجاهد في سبيل الله أفضلُ الناس بنصِّ كلام الحبيب؛ قيل: يا رسول الله، أيُّ الناس أفضلُ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مؤمنٌ يجاهدُ في سبيل الله بنفسِه وماله))، قالوا: ثم مَن؟ قال: ((مؤمنٌ في شعب من الشِّعاب يتَّقي الله، ويدع الناس من شرِّه))؛ البخاري.
والوقت الذي يمضيه المجاهد في سبيل الله وقتٌ نَفِيسٌ لا يُعلَى عليه؛ عن أنس بن مالك - رضِي الله عنه - عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها))؛ البخاري.
بل إنَّ الغبار الذي يصيبُ المجاهد في سبيل الله فيتسلَّل إلى جوفه يكون مانعًا من دُخان جهنم التي وقودُها الناس والحجارة.
أخرج النسائي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يجتمعُ غبارٌ في سبيل الله ودخانُ جهنم في جوفِ عبدٍ أبدًا)).
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: إن الجهاد في سبيل الله من أفضل ما تقرب به المتقربون، وتنافس فيه المتنافسون، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من إعلاء كلمة الله، ونصر دينه، ونصر عباده المؤمنين، ولما يترتب عليه أيضًا من إخراج العباد من ظلمات الشرك إلى أنوار التوحيد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. وغير ذلك من المصالح التي تخص المؤمنين، وتعم الخلائق أجمعين.
فالجهاد في سبيل الله أفضل من عبادة الرجل في أهله ستين سنة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مر بشعب فيه عين عذبة، قال: فأعجبه - يعني طيب الشِّعب - فقال: لو أقمت ها هنا وخلوت! ثم قال: لا، حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: «مُقَامُ أَحَدِكُمْ - يَعْنِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ - خَيْرٌ مِنْ عِبَادَةِ أَحَدِكُمْ فِي أَهْلِهِ سِتِّينَ سَنَةً، أَمَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَتَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ جَاهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الجَنَّةُ». رواه أحمد.
عباد الله : ما سمعتموه من فضائل وأجور للمجاهد في سبيل الله قد يُحَصِّلُ مثلها ويكْسَبُ شبهها أقوام وهم في بيوتهم وبين أهليهم !
فعن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن خَلَفَ غازياً في سبيل الله بخيرٍ فقَدْ غزا ". رواه البخاري ومسلم.
قال القرطبي رحمه الله: " القائم على مال الغازي وعلى أهله نائب عن الغازي في عمل لا يتأتى للغازي غزوه إلا بأن يُكفى ذلك العمل، فصار كأنه يباشر معه الغزو، فليس مقتصراً على النية فقط، بل هو عامل في الغزو، ولمّا كان كذلك كان له مثل أجر الغازي كاملاً ".
إن العناية بالمرابطين على حدودنا وثغورنا الجنوبية في جازان ونجران وبما خلفوه من مال أو عيال هو من الأعمال الخيرة التي رتب عليها الشرع الحنيف الأجر والثواب .
فلا تتردد في تفقد أحوالهم، وإعانتهم ودعمهم والدعاء لهم بالنصر والثبيت.
وللحديث بقية بحول الله وقوته ،،،
ثم صلوا وسلموا،،،