من سيرة المصطفى ج 6 حصار الشعب وعام الحزن
أحمد بن صالح العجلان
الخطبة الأولى: من سيرة المصطفى r ج 6 حصار الشعب وعام الحزن
الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على عبده ورسوله ومن والاه واستن بسنته واهتدى بهداه أوصيكم ونفسي بتقوى الله فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أخوة الأيمان: لما أسلما حمزة بن عبدالمطاب وعمربن الخطاب t تواثق بنو المطلب وبنو هاشم كلهم مسلمهم وكافرهم، على حماية النبي r ومنعه من أي أذى فَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا وَيَقِينًا. فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ r كَتَبُوا فِي مَكْرِهِمْ صَحِيفَةً كتبها بغيض بن عامر بن هاشم جاء فيها «ألا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا النبي r للقتل» فدعا عليه النبي الله rفشلت يده وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ عَمَلَ الْقَوْمِ جَمَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللهِ rشِعْبَهُمْ، وَيَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادَ قَتْلَهُ وكان ذلك في سنة سبع من البعثة واشتد عليهم البلاء وقطعوا عنهم البيع والشراء وكان عمه أبو طالب من شدة حمايته للنبي r إذا أخذ الناس في النوم جعل النبي r في فراشه فيظنه الكفار أبو طالب فلا يصلون إليه فلما مضى ثَلَاث سِنِينَ والرسول r وبني عبدالمطلب محاصرون في الشعب تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، وَمِنْ بَنِي قُصَيٍّ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ قَطعُوا الرَّحِمَ فأجمعوا مِنْ لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى صَحِيفَتِهِمُ الْأَرَضَةَ، فَلَحَسَتْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ فَلَمْ تَتْرُكِ اسْمًا للَّه إِلا لَحَسَتْهُ، وَبَقِيَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ شَرْكٍ أَوْ ظُلْمٍ فَأَطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ بِهِ النبي rأَبَا طَالِبٍ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: لَا وَمَا كَذَبَنِي، فَانْطَلَقَ يَمْشِي حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٌ، فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: فَائْتُوا بِصَحِيفَتِكُمُ الَّتِي تَعَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا فقَدْ أَخْبَرَنِي ابن أخي وَلَمْ يَكْذِبْنِي، أَنَّ اللَّهَ مَحَا كُلَّ اسْمٍ هُوَ لَهُ فِيهَا، وَتَرَكَ فِيهَا غَدْرَكُمْ وَقَطِيعَتَكُمْ إِنْ كَانَ كَمَا قال، فأفيقوا، فو الله لَا نُسْلِمُهُ أَبَدًا حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلًا، دَفَعْنَاهُ إِلَيْكُمْ فَرَضُوا وَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ، قَالُوا: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا إِلَّا سِحْرًا مِنْ صَاحِبِكُمْ فعادوا إلى كفرهم. فَلَمَّا أَفْسَدَ اللَّهُ الصَّحِيفَةَ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r وَرَهْطُهُ، فَعَاشُوا وخالطوا النّاس وكان خروجهم في سنة عشر من النبوة وكان مدة حصارهم ثلاث سنوات ومازال عمه أبو طالب يدافع عن رسول الله r ويذود عنه فما لبث أن مرض وثقل فعلمت قريش بمرضه فأتوه وكلموه بشأن محمد فقالوا: يا أبا طالب إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما نرى فأمر ابن أخيك ليكف عنا ونكف عنه، وليدعنا وديننا، وندعه ودينه، فبعث إليه أبو طالب، فجاءه، فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك، قد اجتمعوا لك وأخبره بالذي قالوا فقال لهم رسول الله r أرأيتم إن أعطيتكم كلمة ملكتم بها العرب، ودانت لكم بها العجم قال أبو جهل: ما هي؟ وأبيك لنعطيكها وعشر أمثالها، قال: تقولون: لا إله إلا الله فقالوا: أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن أمرك لعجب فأنزل الله {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم .
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَانْبِي بَعْدَهُ. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ فَتَقْوَى اللَّهِ خَيْرُ زَادٍ وَأَفْضَلُ مَآبٍ وَالْمُوصِلُ إِلَى رِضَى رَبِّ الْعِبَادِ. اخوة الأيمان: اشتد المرض بأبي طالب بعد الخروج من الشعب بستة أشهر وكان قد جاوز الثمانين من عمره وكَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ r ولَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ rفَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ r«يَا عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ» فَقَالَا: يا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فقَالَ: أنا عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r«لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ» فَنَزَلَتْ {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } وأخبر عنه النبي r كما في صحيح مسلم أنه أهون أهل النار عذابا فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍt أَنَّ رَسُولَ اللهِ rقَالَ: «أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ» وقال عنه r كما في البخاري«هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ» وقال r «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار تبلغ كعبيه» وكانت وفاته في رجب سنة عشر من النبوة، بعد الخروج من الشعب بستة أشهر وبعد وفاة عمه أبو طالب بشهرين تقريبا توفيت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ولها خمس وستون سنة، ورسول الله r في الخمسين من عمره فهي أيضا كانت تحن عليه وتؤازره وتعينه وتواسيه فقال عنها النبي r «آمنت بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس».وفي البخاري وغيره عن أبي هريرة قال:«هَذِهِ خَدِيجَةُ أَتَتْكَ بِإِنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ - أَوْ إِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ - فَأَقْرِئْهَا مِنْ رَبِّهَا السَّلاَمَ، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ في الجنة مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ»حزن النبي rعلى موت عمه وزوجه وسمي هذا العام بعام الحزن إذ جعلت ابنته فاطمة تبكي إذ لا ناصر لأبيها بعد الله سبحانه أحد كعمه أبي طالب ولا أحد يواسيه كزوجه خديجة حتى اجترأ عليه سَفِيه مِنْ قُرَيْشٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَأَتَتْ ابنته فاطمةt تمسح عن وجهه التّراب وتبكي وهو يَقُولُ r:«أَيْ بُنَيَّةَ لَا تَبْكِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكِ»وَيَقُولُ :«مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُو طَالِبٍ». هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على نبيكم كما امركم بذلك ربكم فقال عز من قائل حكيما(ان الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) وقال «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى الله عَلَيْهِ عَشْرًا») فاللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد بن عبدالله البشير النذير، والسراج المنير صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والمقام الأطهر ،وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين : أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن بقيَّة الصحابة، وعن التابعين، وتابعي التابعين، ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجودك وكرمك وإحسانك يا أرحم الراحمين. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ هذا البلد آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يارب العالمين. اللهم وفق أولاة أمورنا بتوفيقك يارب العالمين . اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد rونستعيذك من شر ما ستعاذك منه عبدك ونبيك محمد rعِبَادَ اللهِ :إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون}.