من دروس الهجرة النبويه
أحمد عبدالله صالح
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
من دروس الهجرة النبويه :
{ توظيف الطاقات واكتشاف المواهب والاستفاده من الخبرات السابقه }
إعداد وترتيب وتحضير وإلقاء :
الاستاذ/ احمد عبدالله صالح
خطيب مسجد بلال بن رباح/
الجمهوريه اليمنيه - محافظة إب .
ألقيت في 6 سبتمبر 2018 م
الموافق 27 ذو الحجه 1439هـ
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
سطَّر تاريخنا الإسلاميّ المجيد أحداثَ عظيمة، ووقائعَ جسيمة، لها مكانتها الإسلاميَّة،
ولها آثارها البليغة في عزِّ هذه الأمَّة وقوَّتها وصلاح شريعتها لكلِّ زمانٍ ومكان، وسعيها في تحقيق مصالح العباد في أمور المعاش والمعاد.
وهانحن اليوم نعيش مع حدثٍ مباركٍ عظيم غير مسار التأريخ واخرج العباد من عبادةِ العباد الى عبادةِ ربِّ العباد ومن جور الأديان الى عدل الاسلام ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والاخره
انّه الحدث الذي غيَّر مجرى التاريخ ..
إنّه الحدث الذي يحمل في طياته معاني الشجاعة والتَّضحية والإباء ..!
معاني الصَّبر والنَّصر والفداء..
معاني التوكُّل والقوَّة والإخاء..!
معاني الاعتزاز بالله وحده مهما بلغ كيد الأعداء.!
إنَّه حَدَثُ الهجرة النبويَّة، الذي جعله الله سبحانه طريقًا للنَّصر والعزَّة، ورفعِ رايةِ الإسلام،
وتشييد دولته، وإقامةِ صرح حضارته ...!
فما كان لنور الإسلام أن يُشِعَّ في جميع أرجاء المعمورة لو بقيَ حبيسًا في مَهْدِه، ولله الحكمة البالغة في شَرْعِه وكَوْنِه وخَلْقِه.
إنَّ في هذا الحدث العظيم من الآيات البيِّنات والآثار النيِّرات والدروس والعِبَر البالغات ما لو استلهمته أمَّة الإسلام اليوم وعملت على ضوئه وهي تعيش على مفترقِ الطُّرُق؛ لتحقَّق لها عزُّها وقوَّتها ومكانتها وهيبتها، ولعلمتْ علمَ اليقين أنَّه
لا حلَّ لمشكلاتها ولا صلاحَ لأحوالها إلاَّ بالتمسُّكِ بإسلامها، والتزامها بعقيدتها وإيمانها..
وأنا لا أشك أن واحداً منكم لا يعرف وقائع الهجرة، فوقائعُ الهجرة يعرفها المسلمون جميعاً، ولكن العبرة في شفافيةِ الحدث، في أن تستنبط من الحدث قاعدةً تنتفع منها في حياتك اليومية، ونسقط وقائع الهجرة على واقع المسلمين اليوم من خلال دروسها وعظاتها ..!
وما اكثر تلك الدروس وما اكثر تلك العظات
وما اكثر تلك العبر والدلالات التى طال ما حدثناكم عنها في أعوام مضت وسنين مرت ..؟
دروس في الامانه، ودروس في التضحيه والفداء..
دروس في الامل والتفائل ..
ودروس في الصبر والتحمل ..
دروس في الصدق والوفاء ..
ودروس في الجود والسخاء ..
دروس في الوحده والتعاون ..
ودروس في التخطيط والتنظيم ..
دروس في الإيجابية ..
ودروس في الثبات على الحق ..
دروس في استشعار معية الله ..
ودروس الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله ..
دروس في الثقه بالله وموعود الله ..
ودروس في نصر الله وحفظه لأوليائه ..
ودروس ودروس وعبر وعظات اخرى كثيرة تم الحديث عنها في أعوام وسنين مضت ..!
واليوم نحن على موعدٍ مع درسٍ جديد نستلهمه من هذه الحادثه المباركه التى لم يسبق لنا الحديث عنه في منبر الجمعه من قبل ...
ففي موقفٍ عظيمٍ من مواقف الهجرة الشريفة، وأعداؤه عليه الصلاة والسلام يترصدون به ويفتشون عنه، يستأمن رجلاً من المشركين ويطمأن له ويأنس بخبره وخبرته فيسير معه في طريق الهجرة متخفياً عن أعين المشركين الذين رصدوا الجوائز الباهظة لمن يأتي بخبره ..!
وهنا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يستفادُ من الطاقات والكفاءات والخبرات فيحرص على ان يشاركَ في الهجرةِ وإنجاحها والوصولِ الى غايتها الرجالُ والنساءُ والشباب، فكانَ للجميعِ جهودٌ مشكورةٌ وأدوارٌ خالدةٌ معروفةٌ غيرُ منكورة ..
كُلُّ هذا ليُعلمَ أُمتهُ أنّ الخيرَ كُلَّ الخيرِ في تضافرِ الجهودِ ، للوصولِ إلى الغايةِ المرجوّةِ والهدفِ المنشود ..
فوَكَلَ عليه الصلاة والسلام لِكُلِّ مُشَارِكٍ وَمُعَاوِنٍ
مَا يُنَاسِبُهُ حَسَبِ خِبْرَتِهِ وَكَفَاءَتِهِ ..!
لأنَّ للخبرةِ والكفاءةِ دورٌ مهمٌّ في إتقانِ العملِ وإنجازِ المهام ..
فيختَارَ هنا رسول الله رَجُلاً خَبِيَرًا بِطُرُقِ الصَّحْرَاءِ، مَعَ أنَّهُ كَانَ مِنْ غَيْرِ المُسلِمِينَ .
وسيرته صلى الله عليه وسلم العمليه زاخرةٌ بالمواقف العظيمة، بالاستفادة بما عند الأمم السابقة على اختلاف عقائدهم، ومذاهبهم
- وهنا في الهجره كما أسلفت يستفيد عليه الصلاة والسلام من خبرة عبدالله بن أُريقط الليثي بالطريق من مكة إلى المدينة، وهو مشرك ..
- حتى إصرار عم الرسول صلى الله عليه وسلم
أبي طالب على الشرك، والتزامه بملة الأعداء؛
لم يمنعه من الإفادة من مكانته وجاهه والاستئثار بحمايته والذود عنه، فقد استأمنه وأخذ برأيه ومشورته وقَبِل مساندته ومناصرته، واطمأن إليه وشكى له، لذا كانت وفاة عمه أبي طالب عام حزنٍ له وشعورٍ منه بفقد حامٍ ذي شكيمة، ومساندٍ له بالجاه والرأي والقوة.
- وفي غزوة الأحزاب يأخذ من علوم الفرس بحفر الخندق بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه،
-كما استفاد الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم
من تجارب الدول الأخرى، وخاصة الفارسية، والرومانية، حيث أخذوا منهم الكثير من الخبرات، والمعارف السياسية، والإدارية، والاقتصادية ..
ولا بأسَ أن ينتفعَ المسلمونَ بمواهبِ الاخَرينَ وخبراتهم بِغَضِّ النظرِ عن عقائدهم وخصوصاً إذا تعسرَ الحُصولُ على مسلمٍ يملكُ الكفاءةَ أو الموهبةَ نفسَها ..
ولذلكم اخواني واحبائي روّاد مسجد بلال :
مهارةُ الإفادة من تجارب الآخرين في الإسلام خلقٌ أصيل، عزّزه القرآن ..!
جسدته السنة المطهرة ..!
عمل به الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ..!
ويُعدُّ معلَماً بارزاً من معالم التاريخ الإسلامي وأعمدَتُه المهمة، ذلك أنّ الخبرة الإنسانية إرثٌ مشترك، يتلقاه اللاحق عن السابق،
ويُسهمُ فيه كُلُّ جيلٍ بما لديه من قدرات واستعدادات وفق شخصيته وحضارته؛ من أجل بناء حضارة الإنسان على مدّ التاريخ الإنساني كله.
واذا بدأنا بالقرآن لنستشهد على درسِ الهجره اليوم في الإفادة والانتفاع والاستفاده من تجارب الآخرين وخبراتهم فإننا نجد انّ القرآن الكريم لفت أنظارنا إلى ضرورة الإفادة من التاريخ ودراسة تجارب الأمم السابقة، والوقوف على مواطن الخطأ والصواب، فقال تعالى :
" قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ".
آل عمران: ١٣٧
كما أرشدنا إلى حاجةِ كل إنسان لعلمِ أخيه الإنسان الذي سبقه، فالخبرات والعلوم لم تولد معنا، فقال تعالى :
"وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا" النحل: ٧٨
كما دعا الى أخذ العبرة من قصص السابقين تارة، فقال : " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى " يوسف:١١١ ..
وتارة عن طريق الإشارة إلى المشاهد الداعية للتعلم من خبرات الغير وتجاربهم، قال تعالى:
" فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ (( لِيُرِيَهُ ))
ليريه : اي ليستفيد وليتعلم وليأخذ الخبره
" فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ
كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ " المائدة:٣١
يقول ابن عاشور معلقاً على مشهد الغراب :
"هذا المشهدُ العظيم هو مشهد أوّل حضارة في البشر ، وهي من قبيل طلب سَتر المشاهد المكروهة "
وهو أيضاً مشهد أوّلُ علمٍ اكتسبه البشر بالتّقليد وبالتَّجربة ..
وهو أيضاً مشهدُ أوّلُ مظاهر تَلقّي البشر معارفهم من عوالم أضعفَ منهم كما تَشَبَّه النَّاس بالحيوان في الزينة ، فلبسوا الجُلُود الحسنة الملوّنة وتكلّلوا بالريش المُلوّن وبالزهور والحجارة الكريمة، فكم في هذه الآية من عبرة للتَّاريخ والدّين والخُلُق"
وفى السنه المطهره والسيره النبويه نجد ان عملَ الرسول صلى الله عليه وسلم كان منضبط بسنن الله ونواميسه في الكون :-
فاستغل ساحة الدعوة ليخرجَ منها ثماراً يانعة في فترة وجيزة وبفاعلية وقدرة ليس لهما نظير في حياة البشر ..!
وكان دائبَ الإفادة من خبراتِ الآخرين، سواء كان ذلك في المعاني أو في الماديات ..
ولو جئنا الى حياة النبي الكريم قبل حادثه الهجره لوجدنا انّه عليه الصلاه والسلام لم ينعزل في كوكبٍ منفرد عن بيئة قومه وعشيرته، بل سافر وتجول صغيراً مع عمه وسمع ممن هو أكبر منه من أشياخ قريش ومن حولهم من القبائل،
حيث اطلع على تجارب الآخرين وخبرتهم، وتمكن من الاستفادة من آرائهم، فهم أصحاب خبرة ودراية وتجربة لم يمر بها النبي في سنه تلك.
وقدر الله له ان يترعرع في بادية بني سعد،
حيث أكسبه ذلك تنوعاً في معرفة لهجات العرب وزيادة في الفصاحة والبلاغة، لذلك لما كان يأتي إليه وفد من أي قبيلة كان يكلم الوفد بلهجته.
وإضافة لذلك فقد تعلم عندهم الرماية وركوب الخيل والسباحة ..
ومر ذات يوم على بئر فتبسم، فقيل:
ما يضحكك يا رسول الله؟!
قال: هنا تعلم نبيكم السباحة.
وهذه الخبرات ساهمت في بناء شخصيته فلما أكرمه بالرسالة فيما بعد ساعده ذلك في معرفة حقيقة ما يفكر به الأعراب والمشركون واليهود والمنافقون وسائر القوى التي تحيط بالمسلمين، ومعرفة طبيعة تركيبتهم السياسية والاجتماعية وواقعهم الثقافي والاقتصادي ..
وفي خبرة الرسول بالناس عامة ودرايته بأصحاب المواهب والقدرات الفاعلة والمؤثرة وندرتهم بين الناس قال :
(تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً) .
لذا فقد اكتشف هذه المواهب والقدرات بين أصحابه واستثمرها في عملية بناء المجتمع وبنائه، ووضع كل واحد منهم في المجال الذي يناسب تفوقه وتميزه، فقال :
( أرحمُ أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياءً عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أُبيّ، ولكل أمةٍ أمين وأمينُ هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح )
ولمعرفته عليه الصلاة والسلام بالشعوب وما يصلح لهم من الرجال :
فقد أرسل لأهل اليمن أعلم الصحابة كمعلم لهم وهو معاذ بن جبل ..!
وأرسل إلى نجران علي بن أبي طالب ..
وأرسل إلى الغرب منها أبا موسى الأشعري.
وأوفد قبل ذلك مصعب بن عمير سفيراً إلى المدينة المنورة؛ ففتحها بالدعوة والتعليم.
وفي السياق ذاته فقد اختار بلالاً للآذان لأنه أندى الصحابة صوتاً .!
واختار ثابت بن قيس ابن شماس خطيباً لأنه جهوري الصوت بليغ العبارة .!
واختار حسان بن ثابت شاعراً له لانه كان يجيد الشعر ..!
واختار أصحاب البداهة والفصاحة والوسامة لكي يكونوا رسله إلى الملوك والأمراء :
" كدحية الكلبي، وعبدالله بن حذافة السهمي، وعمرو بن العاص، وعمرو بن أمية الضمري، وحاطب بن أبي بلتعة ".!
واختار لقيادة الكتائب والجيوش :
" خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وأسامة بن زيد، لأنهم كانوا أكثر الصحابة قدرة على القتال، وأملكهم لفنونه وهكذا دواليك.!!
فكانت إفادته عليه الصلاة والسلام من خبرته السابقة تتصل بجهتين :
- معرفته العميقة بأصحابه وأحوالهم وميولهم وتخصصاتهم، وحتى فيما يخص سيرتهم الشخصية مع أهلهم وأزواجهم.
- كذلك معرفته بالأقوام الذين سيرسل إليهم هؤلاء الرسل، وإلا لما استطاع أن يوافق صلاحهم وخيرهم حتى وإن عرف أحوال أصحابه ومناقبهم.
ويعدُ هذا المنحى الذَي اصطبغ به منهجه غاية في الروعة والجمال، لأنه راعى فيه أحوال الرجال المرسلين وأحوال الشعوب المستهدفة من الإرسال في آن واحد.
وفي منحى اخر استفادته عليه الصلاة والسلام من معرفته بالنجاشي ملك الحبشة بأنه عادل
لا يظلم فأرشد المستضعفين عنده وإرسلهم للجوء إلى بلاده عندما أشتد الإيذاء لهم..
قالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
" فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ بِمَكَانِهِ مِنْ اللّهِ وَمِنْ عَمّهِ أَبِي طَالِبٍ وَأَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ قَالَ لَهُمْ لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ حَتّى يَجْعَلَ اللّهُ لَكُمْ فَرَجًا" .
فأخبرهم بصفات حاكم تلك البلاد ودولته، وهذه دقائق تحتاج لمعرفة واسعة وثقافة متعمقة، ووعي سياسي فذ.
ولما طلب منه أبو ذر وظيفة لا تناسب ملكاته وقدراته، لم يستجب لطلبه بل نصحه بالابتعاد عنها وقال: " يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".
وهذا يعود لمعرفته بالفروق الفردية التي تُميّزُ كل فرد عن الآخر، وهو جانب من تميزه وخبرته.
وفي هذا الإطار فقد استدل الرسول بفطنته وبراعته على اختيار من كان انسب لتعلم اللغة السريانية، فاختار لهذا الشأن زيد بن ثابت .
ولذلكم كان عليه الصلاة والسلام شديد الملاحظه يكتشف من خلالها المواهب ويوظف الخبرات ويشجعها ويعطيها زمام المبادره لتنطلق وتسابق وتبدع وتبني وتُثمر وتُصلح ..!
ولكم ان تروا الى واقع بلادنا على وجة الخصوص الى تلك الأعداد الهائلة والكثيره من المواهب والطاقات والإبداعات والقدرات والكفاءات الشبابيه التى ضيعت وأهملت وتركت ودمرت ..!
- مواهب شبابيه لم تجد لها مشجعاً ولا داعماً ولاسنداً ولا ظهراً لكي تنطلق اكثر وتبدع اكثر وتخدم بلدها ..
- مواهب شبابيه بعضها من الاهمال ذهبت أدراج الرياح وماتت ابداعاتهم واضمحلت خبراتهم واندثرت طاقاتهم ففضلت التوجه للعمل او حمل الأثقال على ظهرها اوبيع الخضروات في الاسواق .
وأخرى سافرت لبلدان اخرى لتخدمها في مجال موهبتها وابداعها سواءً في المجال التكنولوجي او المعلوماتي او الاكتشافي او الإبداعي او الثقافي
او الرياضي ..!
ولكم بيّض وجوهنا هؤلاء المبدعون من شبابنا والموهوبون من أبناء بلدنا بأصواتهم او أقدامهم
او اكتشافاتهم او مخترعاتهم في المحافل الدوليه وفي البرامج المسابقاتيه وحازوا المراكز الاولى ورفعوا علم البلاد خفاقاً ..!
ورسموا لهذا البلد صوره حضارية رائعه تليق بها وبأنها بلد الأذكياء والعباقره وروّاد المواهب والخبرات ..
ومع ذلك تعود لبلادها فلا تجد الداعمين ولا المشجعين ولا المحفزين فتموت مواهبهم مع الوقت وتدمر طاقاتهم مع الزمن..
اما الموهوبون في مجال السرقه والنصب والاحتيال على خلق الله واكل حقوق الناس ومال اليتيم فهؤلاء موهوبون مدعومون ومشجّعون ..!
هولاء موهوبون يجدون السند والظهير ويجدون الحامي والمدافع والنصير ..!
التاجر الموهوب المتفنن والمبدع في احتكار السلع الغذائية واّدخار حاجة الناس وأقواتهم هذا يعطى وسام الشرف والحنكه .
والبعض من الصرّافين والمبدعين منهم والموهوبون ممن يتلاعبون بالعمله الوطنيه والصرف اليومي هؤلاء محاطون بالمشجعين والحامين .
والمواطن الغلبان هو الضحيه لكل هذا وهو وحده من يحمل الهموم في الليل والنهار ويتجرع مراره الألم ولا من يرثى لحاله او يرأف لوضعه
ولا حسيب له إلا الله ومع ذلك اقول له :
أيها الموجوع صبراً إنّ بعدَ العسرِ يسراً
أيها الجائع مهلاً إنّ بعد الجوعِ شبعاً
إن بعد الحزن أمناً فاحتسب في الحزن أجراً
لا يكون الدمع دوماً سوف تجني السُعدَ دهراً
أيها الباكي بليلٍ سوف يأتي النور فجراً
أيها المكسور قل لي هل يُديمُ الله كَـسْراً ؟
إنّ رباً كان يدري فيك عند الصبر ادرى
اقول قولى هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب
فاستغفروه ويا فوز المستغفرين ...
الخطبه الثانيه :
أما بعــــــــــــــــــــــــــــــد :ــ
ايها الأحباب الكرام :
تعيش الأمَّة الإسلاميَّة بعد ايام قليله إشراقةَ سنةٍ هجريَّة جديدة، وإطلالةَ عامٍ مباركٍ بإذن الله،
وستأفلُ شمسُ عامٍ كامل، ويمضى بأفراحه وأتراحه، وستقوِّض خيامه، وتصرَّم أيامه .!
(( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ )) النور (44)
(( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا )) النور (62)
والموفَّق الملهَم مَنْ سيأخذ من هذا دروسًا وعِبرًا، ويستفيد منه مُدَّكَراًً ومُزدَجَراً، ويتزوَّد من المَمَرِّ للمَقَرِّ، فإلى الله سبحانه المرجِع والمستقرّ،
والكيِّس المُسَدَّد مَنْ حاذَر الغفلة عن الدَّار الآخِرة حتى لا يعيش في غمرة، ويؤخذ على غرَّة، فيكون بعد ذلك عظةً وعبرة،.
ولذلكم احبابي روّاد مسجد بلال بن رباح :
الهجرة النبوبه المباركه على صاحبها افضل الصلاة وأتم التسليم تُعلمنا اليوم درساً في أنّ الوصولَ إلى الغايةِ المرجوةِ والهدفِ المراد يحتاجُ إلى جهدٍ متواصلٍ ، ولا يكفي مجرد تحديد الهدف..!
فالذي يريدُ ثمرةً من شجرةٍ لابد أن يَهزَّها أو يصعدَ عليها ، ومن العبثِ الإكتفاء بالنظرِ إليها
فالقصور لايأتي عادةً من تحديد الهدف بل من التهاون في اختيارِ أنجعِ الاساليبِ الموصلةِ إليه ..
وَفِي تَوزِيعِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لأَدْوَارِ الذِينَ شَارَكُوا فِي الهِجْرَةِ دَرْسٌ لَنَا مَعْـشَرَ المُسلِمِينَ فِي الاستِفَادَةِ مِنَ الخِبْرَاتِ،. وَمَا يُثْمِرُهُ ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدَ وَخَيْرَاتٍ، فِي المُؤَسَّسَاتِ الحُكُومِيَّةِ وَالشَّرِكَاتِ، بَلْ فِي جَمِيعِ المَجَالاَتِ..!
وكم من مشكلة تربوية استعصت على الحل،
وعند الاستعانة بخبرات من سبقونا في هذا الدرب ذهبت أدراج الرياح، ولم تقف أمام خبراتهم التربوية مجرد لحظات...!
وكم من عقباتٍ واجهتنا في الطريق، وعند الاستعانة بخبرات الآخرين، مُحيت واندثرت..!
وكم من تحديات قابلناها، وحين استأنسنا برأي ذوي الخبرة ذُللت ومُهدت..!
وحيا من قال :
ألم ترَ أن العقل زينٌ لأهله
ّ ولكن تمامَ العقلِ طولُ التجارب
ومن قال :
من لم يشرب من بئرِ التجربة
مات عطشاً في بحور الجهل
فالاستفادة من التجارب الشخصية أو تجارب الآخرين طريقٌ للنجاح ولها فائدة كبيرة في حياة الإنسان يتجنب بها تكرار الأخطاء ويمضي قدماً نحو هدفه ولهذا قالوا :
" السعيد من وعظ بغيره "
فخذوا من حادثةِ الهجرةِ هذا الدرس مما سيُعينكم على النجاحِ في حياتكم ..
واعلموا أنّ من حُرمَ فضلَ هجرةِ الأبدانِ فلن يُحرمَ فضلَ هجرةِ العصيان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :-
(( المؤمنُ منْ أَمِنَهُ الناسُ ، والمهاجرُ من هجرَ ما نهى اللهُ عنْهُ ))..
واللهَ العظيم الجليل الكريم أسألْ أن يجعل من هذا العام نُصْرَةً للإسلام والمسلمين، وصلاحًا لأحوالهم في كلِّ مكان، وأن يعيده على الأمَّة الإسلاميَّة بالخير والنَّصر والتَّمكين، إنه جوادٌ كريم.
اللهمَّ اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخِرها، وخير أيَّامنا يوم نلقاكَ.
اللهم اجعل حاضرنا خيرًا من ماضينا، ومستقبلنا خيرًا من حاضرنا، إنَّك خير مسؤولٍ وأكرم مأمول.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعاً مَرْحُوْماً، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقاً مَعْصُوْماً، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْماً.
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ.
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْماً:
(( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )) .
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سيدنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
---------------------------------------
اللهم اجعلها صدقهً جاريهً لي ولوالدتي المرحومه..
وأنفع بها عبادك المسلمين اجمعين ...
واجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي مالايعلمون..
------------------------------------
والحَمْدُ لِلهِ رَبِّ العَالَمِين