مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ. 1442/8/13هـ
عبد الله بن علي الطريف
مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللهِ. 1442/8/13هـ
الحمد لله الذي رفع بحسن الخلق أقوماً ووضع بسوئه آخرين، وأشهد ألا إله إلا الله أله الأولين والآخرين وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد المرسلين دعا إلى معالي الأخلاقِ وتَمَــــثَلَها فاستحق ثناء الله تعالى عليه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً..
أيها الإخوة: الخيرية منزلة عظيمة يتطلع إليه كثير من الناس ولا تتحقق إلا لمن وفقه الله تعالى وكان من ذوي الهمم العالية..
وأعظم ميدانٍ تتحقق فيه الخيرية لمريدها ميدان الأخلاقِ العالية، وحسنِ التعامل ولقد أرشد الهادي البشير إلى كم كبير من الأخلاقِ، وأساليبِ التعامل وجعل أهلها خيرَ الناس أو خيار الناس، ولحبيبنا ﷺ منها أوفر الحظ والنصيب..
فممن وصف بالخيرية من كان خَيّراً مع أقرب الناس إليه من الحلائل والبنين والبنات والأقارب: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خِيَارُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ». رواه الطبراني عن أبي كبشة رضي الله عنه وصححه الألباني. وفي رواية قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي..». رواه الترمذي وابن ماجة عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قال البيهقي: يعْنَى أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ مُعَاشَرَةَ أَهْلِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ النَّاسِ، فَمُرَادُه أَنَّ حُسْنَ الْعِشْرَةِ مَعَ الْأَهْل مِنْ جُمْلَة الْأَشْيَاء الْمَطْلُوبَة فِي الدِّين، فَالْمُتَّصِفُ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ الْخِيَارِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِهِ يُوَفَّقُ لِسَائِرِ الصَّالِحَاتِ حَتَّى يَصِيرَ خَيْرًا عَلَى الْإِطْلَاق.
وقد كان من أخلاقه ﷺ أنّه جميلُ العشرة دائمُ البشر، يداعبُ أهله، ويتلطّفُ بهم، ويُوسّعُ عليهم في النّفقةِ، ويُضاحِكُ نساءَه، وَيُحسنُ مُعامَلَتهنَّ جَميعاً.. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا» رواه الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ واللفظ له وابن ماجة وابن حبان وقال الألباني حسن صحيح.
قال شيخنا محمد العثيمين رحمه الله: المعنى: ينبغي للإنسان أن يكون مع أهله خيرَ صاحب وخيرَ محب وخيرَ مربي لأن الأهلَ أحقُ بحسنِ خلقك من غيرهم فابدأ بالأقرب فالأقرب.
وقال: فخير الناس هو خيرهم لأهلِه لأن الأقربين أولى بالمعروف فإذا كان فيك خير فليكن أهلك هم أول المستفيدين من هذا الخير، وهذا عكس ما يفعله بعض الناس اليوم تجده سيئ الخلق مع أهله حسن الخلق مع غيرهم، وهذا خطأ عظيم. أهلك أحق بإحسان الخلق.. أحسنِ الخُلق معهم لأنهم هم الذين معك ليلاً ونهاراً سراً وعلانية، إن أصابك شيء أصيبوا معك، وإن سررت سروا معك وإن حزنت حزنوا معك، فلتكن معاملتك معهم خيراً من معاملتك مع الأجانب؛ فخير الناس خيرهم لأهله..
أيها الأحبة: والخَــيّرُ كذلك من يعمُ نفعه وخيره عبادَ الله قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ النَاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَاسِ» رواه البيهقي والطبراني عن جابر رضي الله عنه وقال الألباني حديث حسن. قال المناوي: ويكون نفع الناس بالإحسان اليهم بماله وجاهه وعلمه لأن الخلقَ كلهم عيالُ الله وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، أي: أشرفهم عنده أكثرهم نفعا للناس وذلك: بنعمةٍ يُسديها، أو نقمةٍ يَزْويهَا عنهم ديناً أو دنيا، ومنافعُ الدين أشرفُ قدراً وأبقى نفعاً قال بعضهم: وهذا يفيد أن الإمامَ العادلِ خَيْرُ الناسِ أي بعد الأنبياء لأن الأُمور التي يَعُمُ نفعُها ويَعظُمُ وَقعُها لا يقومُ بها غيرُه وبه نفعُ العبادِ والبلادِ، وهو القائم بخلافة النبوة في إصلاح الخلق ودعائهم إلى الحق، وإقامة دينهم، وتقويم أودهم، ولولاه لم يكن علم ولا عمل..
أيها الإخوة: ويؤكد رَسُولُنا الكريم ﷺ منزلة حُسنِ الخلق وهو صفة أنبياء الله تعالى وأوليائه، وأن المتصف بها قد أخذ حظاً وافراً من الخيرية فيقول ﷺ: "إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّؤُونَ أَكْنَافاً، وإنَّ شِرَارَكُم الثَّرثَارُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ" رواه البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس رضي الله عنهما وصححه الألباني.
قال الحسنُ البصري رحمه الله: حَقِيقَةُ حُسنُ الخلق: بذلُ المعروفِ وكفُ الأذى وطلاقةُ الوجه.. وقال القاضي: هو مُخَالَقَةِ النَّاسِ باليُمْنِ والبِشْرِ والتَودُدِ لهم والإشْفَاقِ عليهم واحتمالِهم والحلمِ عنهم، والصبرِ عليهم في المكارهِ، وتركِ الْكِبْرِ والاسْتِطَالَةِ عَليهم، ومُجَانَبَةِ الغِلْظَةِ والغضبِ والمؤاخذةِ..
أيها الإخوة: ويبين رسولنا الكريم ﷺ أنواعاً من الأخلاق والتعاملات يُوصَفُ المتصفُ بها بالخيرية منها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سِنٌّ مِنْ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: أَعْطُوهُ فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلَّا سِنًّا فَوْقَهَا. فَقَالَ: أَعْطُوهُ فَقَالَ: أَوْفَيْتَنِي أَوْفَى اللَّهُ بِكَ قَالَ: النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً. رواه البخاري ومسلم قال ابن بطال: فجاء الترغيب في كلا الوجهين في حسن التقاضي لربِ الدينِ وفى حُسن القضاءِ للذي عليه الدين، كُلٌ قد رُغْبَ في الأخذِ بأرفعِ الأَحوالِ، وتركِ المشاحةِ في القضاءِ والاقتضاء، واستعمال مكارم الأخلاق في البيع والشراء والأخذ والإعطاء..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الخيرين من عباده إنه جواد كريم..
الثانية:
أما بعد: ومن خيار الأمة كذلك من وصفهم رسول الله ﷺ بهذه الصفات فقال: "خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده" صحيح رواه مسلم. وسأل الصحابة نَبِيَّ اللهِ ﷺ فَقَالُوا: مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟، قَالَ: "ذُو الْقَلْبِ الْمَحْمُومِ، وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ" قَالَوا: قَدْ عَرَفْنَا اللِّسَانَ الصَّادِقَ فَمَا الْقَلْبُ الْمَحْمُومُ؟ قَالَ: "التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لَا إِثْمَ فِيهِ، وَلَا بَغْيَ، وَلَا حَسَدَ"، قَالَوا: فَمَنْ عَلَى أَثَرِهِ؟ قَالَ: "الَّذِي يَشْنَأُ الدُّنْيَا وَيُحِبُّ الْآخِرَةَ"، قَالَوا: فَمَنْ عَلَى إِثْرِهِ؟ قَالَ: "مُؤْمِنٌ فِي خُلُقٍ حَسَنٍ" رواه الطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب وصححه الألباني.
وأَخبَرَ ﷺ أن المحسنين للأصحابِ والجيرانِ من خيرِ الناسِ فقَالَ: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ». رواه ابن حبان والترمذي وأحمد عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وصححه الألباني.
وجعلَ رسولُ الله ﷺ طولَ العمر مع حُسن الخلق أحد صفات الخيرين فقال: "خياركم اطولكم أعماراً، وأحسنكم أخلاقاً" صحيح رواه الإمام أحمد والبزار. وفي رواية قال: "خير الناس من طال عمره وحسن عملهُ، وشر الناس من طال عمره وساء عملهُ" صحيح ترمذي وأحمد والحاكم...
وذهب رسول الله ﷺ إلى أبعد من ذلك في الحرصِ على حُسنِ التعاملِ بين المسلمين وأَمْنِ بعضهم بعضاً ليكونَ المجتمعُ مجتمعَ حُبٍ واِلْفَةٍ، فجعلَ مَنْ رُجِيَ خَيرُهُ وأُمِنَ شَره من خيرِ الناس، فما بَالُكَ بمن بذلَ الخيرَ للناس وكفَ الشرَ عنهم، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "وَقَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلَى أُنَاسٍ جُلُوسٍ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ؟" فَسَكَتُوا، "فَقَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ"، فَقَالَ رَجُلٌ: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنَا بِخَيْرِنَا مِنْ شَرِّنَا، قَالَ: "خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ، وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ، وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ" رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومن الخيرين مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَرَدَّ السَّلَام قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "إِنَّ خَيْرَكُمْ مَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَرَدَّ السَّلَام" رواه الحاكم عَنْ صُهَيْبِ بنِ سِنَان رضي الله عنه: وصححه الألباني.
أسأل الله أن يكتبنا من الخيرين ويعننا على التخلق بأخلاقهم إنه جواد كريم