من خصائص الأمة المحمدية

الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخوة الإيمان والعقيدة ... إنّ من عظيم أفضال الله على هذه الأمة أن أعطاها ما لم يعط أحدًا من الأمم، وأكرمها بما لم يكرم بمثله أحدًا من الأمم، فأنزل لها أحسن كتبه، وأرسل إليها خير رسله، وشرع لها أكمل شرائعه، كل هذا لتكون هذه الأمة المحمدية أمةً متميزة عن غيرها من الأمم، لتكون متفرّدة عن سائر البشر في عقيدتها وشريعتها، في أخلاقها وعباداتها، في جهادها وقيمها، في أعيادها وسمتها، في تعاملاتها وعلاقاتها.
هذه الأمة المحمدية أرادها ربها أنْ تكون متميزةً في كمال دينها ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا ) فهذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة؛ حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم -صلوات الله وسلامه عليه-؛ ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه، ولا دين إلا ما شرعه.
هذه الأمة المحمدية أرادها ربها أن تكون متميزة في هدايتها إلى الحق المبين، فهي أمة مهدية هداية صادقة لا مرية فيها، هداية حقة لا وهم فيها، قال الحق سبحانه في حق هذه الأمة ( فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ) قال النبي -صلى الله عليه وسلم ( نحن الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَومَ القِيامَةِ ، بَيْدَ أنَّهُمْ أُوتُوا الكِتابَ من قَبلِنا ، وأُوتِينا من بَعدِهِمْ ، ثُمَّ هذا يَومُهُمْ الذي فَرَضَ اللهُ علَيهِمْ ، فاخْتَلَفُوا فيه ، فَهَدَانا اللهُ لهُ ، فالنَّاسُ لنا فيه تَبَعٌ ، اليهودُ غَدًا ، و النَّصارَى بعدَ غَدٍ )
إنه تميز هذه الأمة في معالم توحيدها وإيمانها وعقيدتها في أنبياء ربها، إنه تفرد هذه الأمة، حتى في يوم جمعتها وتفرغها لعبادة ربها، في نسكها، بل وصفة تعبدها لربها؛ إذْ حازت بفضل الله تعالى الحق من هذا كله، وظفرت بالكمال من كل ذلك، بل وبلغ الأمر من عجيب تكريم الله لهذه الأمة المحمدية أنه أراد أن تكون صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، ولم يكن هذا لأمة قبلها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم (فُضِّلْنا على النَّاسِ بثلاثٍ: جُعِلَت صفوفُنا كصُفوفِ الملائكة ) فلك الحمد يا رب.
أيها المسلمون: من خصائص هذه الأمة المحمدية أنها أقل عملاً من الأمم قبلها وأكثر ثوابًا؛ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء؛ فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ( ألا لكم الأجر مرتين. فغضبت اليهود والنصارى فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل عطاءً، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئًا؟! قالوا: لا. قال: فإنه فضلي أعطيه من شئت ) فهذه الأمة إنما شرفت وتضاعف ثوابها ببركة سيادة نبيها وشرفه وعظمته، فلله وحده الفضل والمنة، وله الشكر والثناء، ومنه الإحسان والعطاء، وهذا -يا أيها المسلمون- يصيّرنا عبادًا لله حامدين صادقين، ولنبيه -صلى الله عليه وسلم- من الطائعين والمحبين والمتبعين.
ومن خصائص هذه الأمة .. أن الله وضع عن هذه الأمة الأغلال والأثقال والآصار التي كانت على الأمم السالفة، ولم يجعل عليها في أحكامها عنتًا وشدة، حتى قال -عليه الصلاة والسلام- واصفًا شرعته التي جاء بها ( إني أُرْسِلْتُ بحنيفيَّةٍ سَمْحَةٍ ).
أيها الإخوة المؤمنون: ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أنها لا تجتمع على ضلالة؛ فهي معصومة من الخطأ عند اجتماعها على أمر، كما أنها لا تخلو ومن وجود طائفة قائمة بالحق في كل زمان لا يضرها من خالفها؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ).
ومن خصائص هذه الأمة المحمدية أن الله قبل شهادتها وجعل أهلها شهداءه في أرضه؛ فقد جاء في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك -رضي الله عنه : مُرَّ بجنازةٍ فأُثنِيَ عليها خيرًا . فقال نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( وجَبتْ وجَبتْ وجَبَتْ ) ومُرَّ بجنازةٍ فأُثنيَ عليها شرًّا . فقال نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( وجَبَتْ وجَبَتْ وجَبَتْ ) قال عمرُ : فدى لك أبي وأمي ! مُرَّ بجنازةٍ فأُثنيَ عليها خيرًا فقلتَ ( وجَبَتْ وجَبَتْ وجَبَتْ ) ومُرَّ بجنازةٍ فأُثنَ عليها شرًّا فقلتَ ( وجَبَتْ وجَبَتْ وجَبَتْ ) فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ( من أثْنيتُم عليه خيرًا وجبَتْ له الجنةُ، ومن أثْنيتُم عليه شرًّا وجبت له النارُ. أنتم شهداءُ اللهِ في الأرضِ. أنتم شهداءُ اللهِ في الأرضِ. أنتم شهداءُ اللهِ في الأرضِ ) هكذا أراد لنا ربنا سبحانه.

وهذه المنزلة التي رفعنا إليها ربنا سبحانه أن نكون شهداء على من في الأرض، ألا فلنحافظ على هذه المرتبة ولنصُنْها، ولنتعالَ على قيم وأفكار وأديان الكافرين والعلمانيين الذين لا نشهد لقيمهم إلا بالضلال والانحطاط، فوا حسرة على أبناء المسلمين الذين يتسابقون للظهور بمظهر ذلك الغرب الكافر ومباركة قيمه وسلوكه.
هذه الأمة المحمدية لم يرض لها نبيها -صلى الله عليه وسلم- أن تنحط عن شريعة ربها الراقية الكاملة، وأن تنحدر وراء الأمم الأخرى الكافرة والضالة، وأن تتشبه بها فيما يخصها من شعائرها وعاداتها وشرائعها، وأن تنهل من أفكارها المسمومة وآرائها البشرية المحمومة، ومسالكها الإنسانية الممجوجة، لم يرد لها نبيها -صلى الله عليه وسلم- ذلك ولا أي شيء من ذلك ولا أدنى شيء من ذلك، فكيف إذا رآها وهي تتسابق لذلك وتتفاخر بذلك، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( لتتَّبعُنَّ سَننَ من كانَ قبلَكُم شبرًا بشبرِ ، وذراعًا بذراعِ حتَّى لَو دخلوا جُحرَ ضبٍّ لسلكتموه ) قالوا : يا رسولَ اللَّهِ مَن ! اليَهودُ والنَّصارى ؟ قالَ ( فمَن إذًا ؟ !) ولذلك حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن تكون الأمة التي يبنيها ويخرجها إلى الوجود أمة متميزة وجماعة متفردة، لا تختلط شؤونها الخاصة ولا معالم دينها الراشدة بأي جنس من الأجناس الفاسدة من حولهم، ولا بأي ضلالة من الضلالات الكثيرة، لتبقى أمة مرفوعة الرأس بهدي ربها سبحانه، وبسنة نبيها -صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله...



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين .. أمة يريدها ربها أن تكون أمةٌ متميزة متفردة عن سائر الأمم، فمن تمام شرف هذه الأمة أن الله اختصها بخصائص في الآخرة كما اختصها بخصائص في الدنيا.
فمن خصائص الأمة المحمدية في الآخرة أنها تشهد لكل نبي أنكر عليه قومه أنه قد بلغهم رسالة ربه، تشهد له بأداء الرسالة وتبليغها فيقبل الله شهادتها، قال صلى الله عليه وسلم ( يجيءُ النَّبيُّ ومعَهُ الرَّجُلانِ، ويجيءُ النَّبيُّ ومعَهُ الثَّلاثةُ وأَكْثرُ من ذلِكَ، وأقلُّ، فيقالُ لَهُ: هل بلَّغتَ قومَكَ؟ فيقولُ: نعَم، فيُدعَى قومُهُ، فيقالُ: هل بلَّغَكُم؟ فيقولونَ: لا، فيقالُ: مَن يشهدُ لَكَ؟ فيقولُ: محمَّدٌ وأُمَّتُهُ، فتُدعَى أُمَّةُ محمَّدٍ، فيقالُ: هل بلَّغَ هذا؟ فيقولونَ: نعَم، فيقولُ: وما عِلمُكُم بذلِكَ؟ فيقولونَ: أخبرَنا نبيُّنا بذلِكَ أنَّ الرُّسلَ قد بلَّغوا فَصدَّقناهُ، قالَ: فذلِكُم قولُهُ تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا )
ومن هذه الخصائص الأخروية أن الأمة المحمدية تأتي يوم القيامة غراء محَجّلة من آثار الوضوء، وبهذه الصفة يعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته من غيرهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وددتُ أنا قدْ رأينا إخوانَنا ) قالوا : أولسنَا إخوانَك يا رسولَ اللهِ ؟ قال ( أنتمْ أصحابي، وإخوانُنا الذين لمْ يأتوا بعدُ ) فقالوا : كيفَ تعرفُ منْ لم يأتِ بعدُ من أمتكِ يا رسولِ اللهِ ؟ قال ( فإنهمْ يأتونَ غرًا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ ) فإن الغرة والتحْجيل خاص بالأمة المحمدية
واستمعوا إلى نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو يُسمعنا كلامًا جامعًا في قدر هذه الأمة حيث يقول ( إِنَّكم تُتِمُّونَ سبعينَ أُمَّةً ، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ ) وقال -صلى الله عليه وسلم ( وجُعِلت أمَّتي خيرَ الأممِ ) وصدق الله العظيم إذ يقول (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )
يا أيها المسلمون، يا أبناء هذه الأمة المحمدية: أبعد كل هذا يحل لهذه الأمة أن تتبع دعوة كل ناعق يطل علينا بدعوة جاهلية تارة من الشرق وتارة من الغرب، متخلية بذلك عن إرث محمد العظيم -صلى الله عليه وسلم- الذي تركه لها تكرمة لها، إنها إن فعلت ذلك فإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- سيتركها ويتخلى عنها غدًا في أرض المحشر، حينما يحال بين فئام من الناس وبينه -صلى الله عليه وسلم- فيقول عندها: "أمتي أمتي"، فيقال له: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك، لقد غيروا وبدلو، فيقول بعدها: "سحقًا سحقًا".
فهل تقبل أن تكون ممن يدعو عليك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! ولأجل ماذا؟! لأجل أن تسير سير الغرب وتقتفي مسيرة أهل الكفر، وتفضلها على شريعة ربك وهدي نبيك -صلى الله عليه وسلم-، فأين تفردك وتميزك؟!
اللهم اجعل أعمالنا صالحة، واجعلها لوجهك خالصة، ولا تجعل لأحد فيها شيئًا، يا رب العالمين
المشاهدات 1052 | التعليقات 0