من خصائص الأمة الإسلامية. 29/12/1437ه

عبد الله بن علي الطريف
1437/12/29 - 2016/09/30 08:40AM
من خصائص الأمة الإسلامية. 29/12/1437ه
أيها الإخوة: في عصر أحس المسلمون فيه بالضعف، ورأوا أن أمم الأرض قد تكالبت عليهم، وأن أرزاق الناس وأمنهم بات في خطر بعدما شرعت بعض الدول قوانين زعموا أنها تخولهم وأد أمة الإسلام والتضييق على حامليه وإرهابهم؛ جميل أن نطل على شيء من الهدي النبوي نجلي معانيه ونستلهم من مبشراته ما يقوي إيماننا، ويرفع معنوياتنا، ويذكي بنا روح الأمل، ويذهب عنا الوجل متى ما وفقنا للإيمان به والتسليم، وعملنا بمقتضاه، فما يُسدُ بابٌ في هذه الحياة إلا ويفتحُ اللهُ عنه ألفَ بابٍ فلِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.
عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ تَعَالَى زَوَى لِي الْأَرْضَ [أَيْ: جَمَعَهَا لِأَجْلِي, يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ الْبَعِيدِ مِنْهَا، حَتَّى يطَّلَعَ عَلَيْهِ اِطِّلَاعَهُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهَا] فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا, وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا [وفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مُلْكَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَكُونُ مُعْظَمُ اِمْتِدَادِهِ فِي جِهَتَيْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِب، وَهَكَذَا وَقَعَ, وَأَمَّا فِي جِهَتَيْ الْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ, فَقَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب، وقد حصل ذلك في زمن بني أمية، حيث فتحت الفتوحات في الشرق والغرب حتى وصل عقبة بن نافع إلى المحيط الأطلسي، ووصلت بعض الجيوش التي أرسلت إلى جهة المشرق إلى الصين وإلى السند والهند، واتسعت رقعة البلاد الإسلامية، ودخل الناس في هذا الدين، وكذلك كان الأمر في عهد بني العباس؛ ويذكر عن هارون الرشيد رحمه الله أنه رأى سحابةً مرت ببغداد فقال: أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك]
ثُمَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنِّي أُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ. أي: [كَنْزَيْ كِسْرَى وَقَيْصَر مَلِكَيْ الْعِرَاقِ وَالشَّام، وأحضرت تلك الكنوز إلى المدينة وتولى قسمتها الفاروق رضي الله عنه بنفسه في المدينة، وتحقق ما أخبر به الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في قوله: ولتنفقن كنوزهما في سبيل الله]
ثُمَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي ثَلَاثًا: أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، [أي بقحط يعمهم] وفي رواية: أَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَى أُمَّتِي جُوعًا فَيُهْلِكَهُمْ بِهِ، وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ [أي: من الْكُفَّارُ] فَيَسْتَبِيحَ [أَيْ: يَسْتَأصِلُ] بَيْضَتَهُمْ [أراد أنه دعا الله تعالى أن لا يُسلطَ على جَمَاعَتَهُمْ ومُجْتَمَعَهُمْ وَمَوْضِعَ سُلْطَانِهِمْ، وَمُسْتَقَرَّ دَعْوَتِهِمْ، وَبَيْضَةُ الدَّارِ: وَسَطُهَا وَمُعْظَمُهَا، أَرَادَ: عَدُوًّا يَسْتَأصِلُهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ جَمِيعَهُمْ، قِيلَ: أَرَادَ إِذَا أُهْلِكَ أَصْلُ الْبَيْضَةِ, كَانَ هَلَاكُ كُلِّ مَا فِيهَا مِنْ طَعِمٍ أَوْ فَرْخٍ, وَإِذَا لَمْ يُهْلِكْ أَصْلَ الْبَيْضَةِ, سَلِمَ بَعْضُ فِرَاخِهَا] وَأَنْ لَا يَلْبِسَهُمْ شِيَعًا [الشِّيَع: الفِرَق والجماعات] وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأسَ بَعْضٍ.
فَقَالَ لِي رَبِّي: يَا مُحَمَّدُ, إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً, فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ جُوعًا فَأُهْلِكَهُمْ بِهِ [بَلْ إِنْ وَقَعَ قَحْطٌ, فَيَكُونُ فِي نَاحِيَةٍ يَسِيرَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي بِلَادِ الْإِسْلَام ولا يصيبُهم قحطٌ عامٌ يصيرُ به هلاكُ وضررُ الجميع فأعطاه الله ذلك, فَلَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِه].
ثُمَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ, وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا [أَيْ: نَوَاحِي الْأَرْض لأن الإسلام باقٍ وعزيز، ولكنه يكون قوياً في بعضِ الأزمان، ودونَ ذلك في بعضِ الأزمان، لكن كونه تخلو منه الأرض أو ينتهي، هذا لا يكون، بل لابد أن يكون هناك من يقوم بشرعِ الله، ولا يضرُه من خالفه].
ثُمَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا [أَيْ: بِالْحَرْبِ وَالْقَتْلِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَذَابِ الله, لَكِنْ أَخَفَّ مِنْ الِاسْتِئْصَال, وَفِيهِ لِلْمُؤْمِنِينَ كَفَّارَة.] وَيَسْبِيَ [أَيْ: يَأسِرُ] بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي إِلَّا الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ [أَيْ: الدَّاعِينَ إِلَى الْبِدَعِ , وَالْفِسْقِ, وَالْفُجُور].
ثُمَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي, لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَد, يَكُونُ فِي بَلَدٍ آخَر, وَقَدْ ابْتُدِئَ بقتل شهيد الدار عثمان رضي الله عنه] روى مسلم أكثره وزاد بعضَ ألفاظه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححها الألباني. أسأل الله بمنه وكرمه أن يقي المسلمين شر الفرقة ويوحد صفوفهم ويكبت عدوهم إنه جواد كريم وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..

الثانية:
أيها الإخوة: المتأمل لهذا الحديث يرى فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأمور غيبية أطلعه الله عليها ستكون لأمته، منها ما هو من الخير ومنها غيرِ ذلك، وأنه صلى الله عليه وسلم رحمةً بأمتِه دعا لها بثلاثِ دعوات استجاب الله تعالى لاثنتين منها، وضمنها وكفى بالله ضامناً وكفى بالله وكيلاً.. ولم يستجب له في الثالثة لحكمة أرادها سبحانه وتعالى.. ولعل منها أن أمر الفرقة والاقتتال للناس فيه دور كبير وقد دعى الله ورسوله الأمةَ إلى الاجتماع ونبذ الخلاف وحث أولي الرأي والبصيرة على دعوة الأمة لذلك، وحثهم على تبني ذلك في أقوالهم وأعمالهم فللأمة في التخلص من هذه الخصلة دور كبير..
أيها الأحبة: ثم اعلموا أن الله خلقنا ورزقنا، وكتب ذلك في جبين كل واحد منا رزقه وأجله وشقي أم سعيد عندما نفخت فيه الروح.. ولن يتخلف من هذا الرزق شيء كتبه الله لك قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ ثُمَّ يُبْعَثُ إِلَيْهِ الْمَلَكُ فَيُؤْذَنُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ... رواه البخاري عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِىَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِى الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ» رواه ابن ماجة عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وصححه الألباني.
أيها الإخوة: إن الواجب علينا أن نجرد التوحيد لله تعالى، ونخرج من قلوبنا الخوف من غيره، على وجودنا وأرزاقنا؛ فإذا فعلنا ذلك كان عدونا أهون علينا من أن نخافه ونخشاه. قال الله تعالى: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175] وقال: (فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) [البقرة:150]، وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لعَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَوْمًا وهُوَ رَكِبٌ خَلْفَه: "يَا غُلامُ، إِنِّي مُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ" وَذَكَرَ مِنْهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ، لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلامُ، وَجَفَّتِ الصُّحُفُ" رواه أحمد وغيره وصححه الألباني، قال ابن القيم معلقاً على هذا الحديث: وإذا كانت هذه حال الخليقة فتعليق الخوف والرجاء بهم ضار غير نافع والله أعلم.
وبعد أيها الإخوة: لقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم استئصال أمة الإسلام كما جاء في الحديث المتقدم: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الله عز وجل: "وَلَنْ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ, وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا"؛ فالإسلام باق ولن يندثر ولن ينتهي، بل هو مستمر إلى أن تخرج الريحُ اللينة التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة، ويبقى شرار الناس الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، حتى لا يقال فيهم: الله، فعند ذلك تقوم عليهم الساعة، وهم شرار الخلق، وأما قبل ذلك فإن الحقَ باق، وأهلَه موجودون، ولن يضرَهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمرُ الله، وأمر الله هو تلك الريح التي تقبض روح كل مسلم ومسلمة.

المشاهدات 967 | التعليقات 0