من خشي الرحمن بالغيب

عنان عنان
1436/11/19 - 2015/09/03 14:22PM
" الخطبة الأولى "

عباد الله: كلما ازداد الإنسان علماً كلما ازاد خشيةً من الله قال سبحانه: " إنما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ ". قال أهل العلم: " إنما العلم الخشية ".
وأذكر قصةً جميلةً حدثت مع الإمام أبي حنيفة-رحمه الله- وأنظروا إلى فقه الصبه وعقله فالله-عز وجل-ذم الذين لا يعقلون بل هم أصحاب النار قال الله-عز وجل-: " وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير ".
كان الإمام أبو حنيفةَ يمشي في نفرٍ من جماعته متوجهين إلى المسجد فوجدوا طِفلاً يتوضأ وكان يبكي فسأله الإمام عن السبب فقال له الطفل: دعني وشأني يا إمام فألح عليه الإمام فقال الطفل: قرأت في القرءان أيةً تقول " فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " فقال الإمام: صحيح ولكن يا بني ما زلتَ صغيراً ولا تنطبق عليك هذه الأية فقال له الطفل: أو لسنا يا إمام إذا أردنا أن نشعل ناراً وضعنا صغيرَ الحطبِ قبل كبيره؟
فقال الإمام لجماعته: والله إنه يخافُ اللهَ أكثر منا.

الذي يخشى الرحمن بالغيب لا يتكاسل عن الصلوات لما نزل قول الله-عز وجل-" فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصلاةَ واتبعوا الشهواتِ فسوف يلقون غياً ". قال النبي-صلى الله عليه وسلم- باكياً يا جبريل أتضيع أمتي الصلاة؟ يا جبريل أتضيع أمتي الصلاة قال يا محمد: سيأتي أقوامٌ من أمتك يبعون دينَهم كلَّه بعرَضٍ من الدنيا قليل.
فضعيت الصلوات وارتكبت المحرمات فكيف يستقيم الحال إن لم نحافظ على الصلاة؟ كيف يتربى المجتمع على الفضيلة إن لم نحافظ على الصلاة؟ أليستِ الصلاة هي التي تناهنا عن الفواحش والمنكرات؟.

الذي يخشى الرحمن بالغيب لا يتبع الشهوات وما ازدادت الشهوات إلا عندما إزداد أكل الناس وذلك حين شبعوا من الطعام وجاعوا من العلم قال أبو الدرداء-رضي الله عنه-: " إني أخاف عليكم من شهوةٍ خفيةٍ من نعمةٍ ملهيةٍ وذلك حين تشبعون من الطعام وتجوعون من العلم ". وأسمعوا لقصة هذا العالم الذي تنصر من أجل امرأة ومن أجل شهوة
قال عبدةُ بنُ عبدِ الرحيم: " خرجنا في سَريةٍ إلى أرضِ الروم فَصحِبَنا شابٌ لم يكن فينا أقرأ للقرآن منه ولا أفقهُ منه ولا أفرضُ صائمٌ النَّهارَ قائمٌ الليلَ فمررنا بِحصنٍ لم نؤمر أن نقفَ على ذلك الحصن فمالَ الرجل منِّا عن العسكر ونزل بِقُربِ الحِصن فظننا أنه يبول فنظر إلى امرأةٍ من النصارى تنظرُ من وراءِ الحصن فعشِقها فقال لها بالرومية: كيفَ السبيلُ إليكِ؟ قالت: تتنصرُ ونفتحُ لك البابَ وأنا لك قال: ففعل فأُدخِلَ الحِصنَ قال: فقضينا غزاتَنا في أشدِّ ما يكونُ من الغمِّ كان كلُّ رجلٍ منِّا يرى ذلك بولده من صُلبه ثم عدنا في سريةٍ أخرى فمررنا به ينظرُ من فوقِ الحِصنِ مع النصارى فقلنا يا فلان ما فعل قرءاتك؟ ما فعل علمُك؟ ما فعل صلاتُك وصيامُك؟ قال: اعلموا أني نسيتُ القرآنَ كلَّه ما أذكرُ منه إلا هذه الأيةَ " رُبَما يودُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين* ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلهيمُ الأملُ فسوف يعلمون ". هكذا يكون حال من تدركه الشقاوة والعياذ بالله.

الذي يخشى الرحمن بالغيب يُطيع أمَّه وأباه في غيرِ معصيةٍ واعلم أنه لا أحد أرحم بك بعد الله إلا أمك فقرن الله رحمته برحمة الأم في إحدى غزوات النبي-صلى الله عليه وسلم-كانت امرأة من السبايا تبحث عن ابنها وهي حائرة وهائلة
والله أعلم ماذا أنزل على قلبها؟ من الخوف والهلع والجزع فلما رأته ضمته إلى صدرها بقوة وعنف وأرضعته فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-لأصحابه: أترون هذه المرأة طارحةً ولدَها بالنَّار قالوا: لا والله وهي تقدر على أن لا تطرحَه
فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: " لله أرحم بعباده من هذه بولدها " [رواه البخاري ومسلم]. فقرن رحمةَ الله برحمة الأم ولكن رحمةَ الله لا يفوقها شيء-سبحانه-. أمك تحزن لحزنك وتفرح لفرحك وتأنس بأنسك وتغتم بغمك
فإن القلوب جُبلت على من يحبنا ويهتمُّ بنا. بكى أحد الصالحين عند موت أمه فقالوا له: اصبر فقال: إني صابر لكن أميَّ كانت في حياتها باباً يوصلني إلى الجنة وبموتها أُغلِقَ البابُ.

الذي يخشى الرحمن بالغيب ينفع الناس ويساعد المحتاجين والمساكين والأيتام والأرامل إن لم يجدْ فيدعو لهم بالتيسير والتسهيل قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- من استطاع منكم أن ينفعَ أخاه فليفعلْ " [رواه مسلم].
الذي يخشى الرحمن بالغيب يرحم الناس والحيوانات ولا يؤذي الناس ويكفُّ أذاه عنهم قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر الذنوب والخطايا " [رواه مسلم].
وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " [رواه البخاري].
الذي يخشى الرحمن بالغيب إذا رأيتموه ذكرتمُ اللهَ-عز وجل- لأنه يذكركم بالله في هيئته وسمته ولباسه في مشيه إذا مشى يذكركم بالله في كلامه إذا تكلم في بيعه وشرائه في ضحكه وبكائه وفرحه وحزنه فهو من الذين قال فيهم رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ألا أخبركم بخير الناس؟ قالوا: بلى قال: الذين إذا روؤا ذُكِرَ اللهُ ". [حسنه الشيخ الألباني-رحمه الله].
الذي يخشى الرحمن بالغيب الذي يعلم الناس الخير وحق له أن تدعو له وتستغفر له جميع المخلوقات
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " إنَّ أهلَ السموات والأرض حتى الحوت في بحره وحتى النملة في جحرها يصلون على معلم الناس الخيرَ ".

الذي يخشى الرحمن بالغيب الذي يزوج ابنته للرجل الصالح التقي قيل للحسن بن علي-رضي الله عنهما- إن لي بنتاً فمن ترى أن أزوجَها؟ قال له: زوجها لمن يتقي الله فإن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها ".
كثير من النساء في هذا الزمن يبحثن عن صاحب المال ولا تدري ما هي العواقب الناتجة عن ذلك؟
فصاحب المال قد يطغيه ماله فيهينها ويضربها لأن كثيراً من قطعات الحلوى تحوم حولَه خاصةً في هذا الزمن التي كثرت فيه الفتن فإذا كان الفقير ينطغي في هذا الزمن فما بالك بالغني؟.فكثرة المال ليس من أسس السعادة الزوجية.
فالمرأة إذا تزوجت رجلاً فاجراً سيءَ الخلق لكنه صاحب مال كثير ثم طلقها فقد خسرت أشياءَ كثيرةً.
من علامات السعادة الزوجية أن بيتهم لا صوتَ له.

الذي يخشى الرحمنَ بالغيبِ لا يسرق ولا يغش ولا يأكل الحرام عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: " إن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً "
وقال: " كلوا من طيبات ما رزقناكم ". ذكر الرجلَ فيُطيلُ السَّفرَ يمدُّ يديه إلى السماء: ياربِّ ياربِّ ياربِّ أشعثُ أغبرُ مطعمُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغُذِّيَ بالحرام فأنَّى يُستجابُ له " [رواه مسلم].
قال الحسن البصري-رحمه الله-: " لا تزال التقوى في المتقين حتى تركوا كثيراً من الحلالِ مخافةَ الوقوعِ في الحرام ".
قال سبحانه: " ذلك الكتابُ لا ريبَ فيه هدىً للمتقين " خص المتقين بالذكر لأنهم هم الذين ينتفعون بالقرآن بالعمل فيه وبطاعة ما أمر الله وبإجتنابِ ما نهى.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " إن الذين يخشون ربَّهم بالغيبِ لهم مغفرةٌ وأجرٌ كبيرٌ ".

" الخطبة الثانية "

عباد الله: والمرأة التي تخشى الرحمنَ بالغيب تتصف بهذه الصفات قال تعالى: " فالصالحات قانتات حافظاتٌ للغيبِ بما حفظَ الله ". وقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: " ألا أخبركم بنساءكم من أهل الجنة؟ قالوا بلى يا رسول الله
قال: الودود الولود العؤود التي إذا ظلمت قالت لزوجها هذه يدي في يدك لا أذوق غمضاً ولا أنام حتى ترضى عني ".
أخبر الله قصة موسى-عليه السلام-مع المرأتين وفيها فوائد جمة للمرأة
قال سبحانه: " ولما ورد ماءَ مدينَ وجد عليه أمةً من الناس ووجد من دونهمُ امرأتينِ تذودان قال ما خطبكا قالتا
لا نسقي حتى يصدرَ الرِّعاء وأبونا شيخٌ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال ربِّ لما أنزلتَ إليَّ من خيرٍ فقيرٍ
فجاءته إحدائهما تمشي على استحياءٍ قالت إنَّ أبي يدعوك ليجزَيك أجرَ ما سقيتَ لنا ".
أولاً: أن المرأة مجبولة على الضعف وعدم القدرة على مساجلة الرجال بالأعمال العامة ويبدو ذلك جلياً في قول المرأتين " لا نسقي حتى يصدر الرعاء " أي لا بد لنا من تأخير السقي حتى يفرغ القوم.
ثانيا: أن المرأة المسلمة لا تضطر إلى العمل إلا عند عدم وجود الرجل الذي يتولى العمل لهذا قالتا: " وأبونا شيخٌ كبيرٌ "
أي وما لنا رجل يقوم بذلك وأبونا شيخ كبير قد أضعفه الكبر فلا يصلح للقيام به.
ثالثا: أن الرجل المسلم تأخذه الغيرة في الله فيتصدى لحماية المرأة عما اضرت إليه إضطراراً وذلك في قوله " فسقى لهما ". فالرجل الذي عنده نخوة إذا رأى امرأة في الطريق تحمل حملاً ثقيلاً فليساعدها وإذا رأى امرأة في مكان مزدحم تريد الشراء فليؤثر نفسه عليها.
رابعاً: الحياء لهذا جمال المرأة بحياءها وعفتها وأدبها " فجاءته إحدائهما تمشي على استحياءٍ ".
قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: " جاءت على استحياء قائلةً بثوبها على وجهها ".
قال الجوهري-رحمه الله-: " السلفع من النساء الجريئة السلطة "
السلفع من النساء: أي المرأة الوقحة الجريئة على الرجال.
هذا مع الرجال الأجانب أما مع زوجها فخير النساء التي إذا خلت مع زوجها خلعت له رداءَ الحياء.

الذي يخشى الرحمن بالغيب يكون يقينه كما قال ابن عمر-رضي الله عنهما-" إذا أصبحت فلا تنتظرِ المساءَ وإذا أمسيت فلا تنتظرِ الصباح ".
عمر بن عبد العزيز-رحمه الله-قال له وزير ماليته: ما ضرَّ لو صرفنا لك يا أمير المؤمنين راتبَ شهرٍ مُقدماً فنظر إليه نظرةَ غضب تكاد من شدة غضبها تهتك حجاب الشمس فقال له: ثكلتك أمك هل اطلعتَ على علم الغيبِ ووجدتني سأعيش يوماً واحداً بعد الآن صدقت يا أمير المؤمين وهل يوجد هذا اليقين عند المسلمين اليوم؟ هل يتذكرون قول الله-عز وجل-: " وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفسٌ بأي أرض تموت إن الله عليمٌ خبير ".

"وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ".





المشاهدات 2318 | التعليقات 0