من حمل علينا السلاح فليس منا

أبو عبد الله الأنصاري
1433/07/02 - 2012/05/23 00:42AM
عبادَ الله إنّ القلبَ ليحزن ، وإن العقلَ ليذهَل ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا لما يصيب بلادنا وأمننا من النوازل المؤلمة لمحزونون ، ألا وإن من أشد ما يؤلم ويحزن أن تبتلى هذه البلاد المباركة وتؤذى في أمنها واستقرارها ، والمؤسف أن ينالها ذلك من شباب أغرار يسمون ما يقدمون عليه من سفك الدماء وقتل المسلمين وزعزعة الأمن جهاداً في سبيل الله ، ويرون ذلك سبيلاً إلى مرضاة الله ، وتعبيراً عن الغيرة على دين الله ، ويالله العجب كيف يُطاع الله تعالى ويُتقرب إليه بقتل الأنفس المعصومة ؟! ، وسفك دماء المسلمين المحرمة ؟! .
إنه ليؤلم كلَّ مسلم بعامة وكل يمني بخاصة ما وقع منذ أيام قليلة من قيام مجموعة من منتسبي ما يسمى إعلامياً بتنظيم القاعدة بمهاجمة ساحة العرض العسكري في صنعاء في يوم الإثنين القريب وقتل ما يقرب من مائة مسلم من الجنود ، وجرح المئات ممن لا يشك أحد ولا ينبغي أن يشك في أنهم مسلمون موحدون لهم عصمة النفس وحرمة الدم .
هل يمكن أن تنقلب المفاهيم وتختلط الأمور وتلتبس الحقائق إلى الحد الذي تسمى فيه استباحة دماء المسلمين جهاداً ؟! وترويع المسلمين الآمنين جهاداً ؟!، وهدم المنازل على رؤوس المصلين جهاداً ؟! وتمزيق الأمة والاستهانة بحرماتها جهاداً ؟!
يا معاشر المسلمين : لا يشك مسلم في أن الجهاد في سبيل الله تعالى فريضة ماضية ، وشرعة سامية ، إسلامية سماوية ربانية ، شرعها الله تعالى لحكم عظيمة ، وغايات ضرورية ، لا صلاح لحياة الناس بغيرها ، وقد نزلت بشرعيته سور وآيات قرآنية ورغبت فيه أخبار وأحاديث نبوية وتسابق للموت تحت ظلاله شباب المسلمين وكهولهم طيلة عهود تاريخ المسلمين المشرف ، وغدا فريضة الله الماضية إلى قيام الساعة ، وفريضةٌ هذه مكانتها في نصوص الشرع ، وهذا موقعها من قلوب المسلمين وتاريخهم ، لا يشك أحد في أنها قد غدت واضحة المعالم ، بينة الأحكام ، مفصلة الفقه في كافة ما يتعلق بها من الظروف والأحوال ، ما يعني أن معنى الجهاد في سبيل الله تعالى لم يعد غامضاً ولا مشكلاً إلى هذا الحد الذي تسفك فيه دماء المسلمين وأرواحهم في بلاد الإسلام باسم الجهاد في سبيل الله تعالى .
إنه إذا كان الله تعالى لم يأذن لرسوله صلى الله عليه وسلم بقتال مشركي مكة الذين كفروا به وقاتلوه وأخرجوه لأن بمكة بعض المسلمين - ومكة يومئذ دار كفر وشرك - فلأجل هؤلاء لم يأذن الله لرسوله بقتال أهل مكة وأنزل في ذلك قوله تعالى: (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) قال جنيد بن سبع: كنا تسعة نفر: سبعة رجال وامرأتين . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (يقول: لولا أن تَطَأوا أولئك المؤمنين والمؤمنات الذين لم تعلموهم إذا دخلتم مكة بالسيف، لسلَّطكم على أهل مكة، ولو تميَّز المؤمنون من الكُفار لعذبنا الكفار عذابًا أليما. فهذا ونحوه مما يُوافِق دينَ المسلمين ) قال الإمام القرطبي عند هذه الآية : ( هذه الآية دليل على مراعاة الكافر في حرمة المؤمن، إذا لم يمكن أذية الكافر إلا بأذية المؤمن) أ.هـ. والمقصود : أنه إذا كان الله تعالى حرم قتل الكافر إذا كان في ذلك احتمال أذية المؤمن ولو بغير علم فكيف بتعمد قتل المؤمن الذي عظم الله حرمة دمه إلى هذا الحد .
أي جهاد هذا الذي يوجه المسلم فيه سلاحه إلى صدر أخيه المسلم ؟ وأي جهاد هذا الذي يستبيح به المسلم دم أخيه الذي يصلي بجواره في بيوت الله تعالى ؟ أين يذهب هؤلاء من موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أسامة بن زيد حِبه وابن حبه عندما لحق رجلاً مشركاً في معركة إسلام وكفر صريحة فلما علا أسامة المشرك بالسيف شهد المشرك شهادة التوحيد فضربه أسامة بالسيف فقتله فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فدعا به ثم جعل يعنفه ويقول له : ( يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله ) . قال أسامة : فقلت : يا رسول الله إنما كان متعوذا ، قال : ( أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله ) . قال أسامة : فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم كما في حديث الصحيحين .
إن سفكَ دم المسلم - على مسلك هؤلاء - جنايةٌ كبرى لا يؤيِّدها دين ، ولا تقرّها شريعة ، ولا يستوعبها عقل سليم ، كيف وقد قال الله تعالى : ( ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً ) ، وإمام المجاهدين صلى الله عليه وسلم يقول: ( كلّ المسلمِ على المسلِم حرام؛ دمُه وماله وعِرضه ) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، ويقول : ( إنّ دماءَكم وأموالكم وأعراضَكم عليكم حرام ، كحرمة يومِكم هذا ، في بلدِكم هذا ، في شهركم هذا ) متفق عليه من حديث أبي بكرة رضي الله عنه ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (( لن يزال المؤمنُ في فسحةٍ من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا )) رواه البخاري. وقال صلى الله عليه وسلم : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) رواه البخاري ، وقد ورد عن نبينا صلى الله عليه وسلم : أن المقتول يجيء يوم القيامة تشخب أوداجه .. يلزم قاتلَه بشماله ، وبيده الأخرى رأسه ، يقول : يا رب سل هذا فيم قتلني ) ، وعن ابن عباس قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة فقال: ( مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! ولَلمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدة ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ ) رواه البيهقي وحسنه الألباني ، ويوجِز لنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ذلك الشأن بقوله: ( إنّ من ورطات الأمور التي لا مَخرج لمن أوقعَ نفسَه فيها سفكَ الدّم الحرام بغير حلِّه ).
ويبقى السؤال المحير: ماذا يريد هؤلاء ؟ وما أهدافهم ؟ ومن يقف وراءهم ؟ ولمصلحة مَن يتحركون ؟ أي دينٍ وعقلٍ وعرفٍ يقرّ هذه الأعمال الشنيعة ؟ بل أين المروءة والرحمة والإنسانية عند هؤلاء؟، أي قلب هذا الذي يستهين بالأرواح والممتلكات؟ وأي نفس تلك التي تلذ لسفك الدماء وتطاير الأشلاء؟
هل يهدف هؤلاء إلى إحلال الخوف محل الأمن ، والفوضى محل الاستقرار ، وهل يطمعون أن يصلوا بالبلاد إلى حالة من المواجهة المفتوحة التي لا يدري القاتل فيها لم قتل ؟! ولا المقتول فيها لم قُتل ؟ .
إنها أعمالٌ مهما كان فاعلوها ومهما كانت حجّتُه ودافعه ، تتضمّن مفاسدَ كبيرة وشرورًا عظيمة ، من قتلُ الأنفس المسلمة بغير حق ، وحمل السّلاح على المسلمين ، ومفارقة الجماعة وشقّ عصا الطاعة لمن ولاه الله تعالى علينا ، والاعتداءُ على رجال الأمن ، وترويع الآمنين ، وتهجير المطمئنين ، وإشاعة الهلَعَ والفزع ، وجماع ذلك أنها تمهيد لفتنةٍ داخلية ، تُدمَّر فيها الطاقات، وتهدَر فيها المكتسبات ، وتُشتَّت الجهود، وتُعطَّل مشاريع الخير والبر ، وتشوّه مناشِط الدعوة والإصلاح .
وهنا لابد – أيها الإخوة – من الوضوح في إدانة جرائم الفساد في الأرض وانتهاك الحرمات التي تمارس باسم الإسلام, أو باسم الجهاد ، ولابد من كشف الغطاء عنها وتعريتها وتسميتها بأسمائها ، سواء تسمّت باسم تنظيم القاعدة ، أو تنظيمات الجهاد ، أو الجماعات القتالية أو أو أنصار الشريعة ، لابد من الوضوح في تسمية الأشياء بأسمائها لكيلا يخلط الناس بين الإسلام وتشريعاته الكريمة العظيمة وبين واقع كثير من المنتسبين له الخارجين عن هديه وشريعته ، الجاهلين بأحكامه ومقاصده ، ولتبقى ساحة الجهاد الشرعي العظيم بريئة من هذه الجرائم التي ترتكب باسمه وتنسب نفسها إليه نسبة الولد إلى غير أبيه .
نعم يجب أن نستخدم أوضح الأساليب وأبينها في إنكار هذا المنكر , الذي فيه سفك الدماء, وتدمير المجتمع, وتشويه الإسلام, وتعويق التنمية, والفساد في الأرض, والعدوان على الأرواح, والعبث بالضروريات الشرعية والإنسانية يجب ذلك حتى لا تختلط الأمور وتلتبس المعاني.
إنني أقولها صريحة : إن الله لا ولن يصلح عمل المفسدين ، ولا ولن يهدي كيد الخائنين ، والذين يقتلون المسلمين باسم الإسلام والجهاد ، على غير بينة ظاهرة ، لن يفلحوا ولن يصلحوا , لأنهم مفسدون في الأرض وسينالهم عقاب الله تعالى للمفسدين في الأرض ، وسيكونون مثلاً لغيرهم , إلا أن يتوبوا قبل ذلك .
ويأبى الله ورسوله ثم يأبى أهل الإيمان أن تكون هذه المسالك الضالة في ترويع الآمنين وزعزعة حياة المطمئنين وسلوك مسالك العنف والاعتداء طريقًا إلى خير البشرية وصلاح الإنسانية .
لقد أفلح هؤلاء المغامرون في إحداث البلبلة والإرباك ، والتغرير ببعض البسطاء ، وإطالة أمد الفتنة ، ولكن الذي ساعدهم على ذلك هو صمتنا ومجاملتنا وإحساننا الظن بهم ، مع أن الشواهد تدل على اختراق أجهزة أمنية إقليمية وعالمية لبعض هذه المنظمات والتأثير عليها ومدها بالمال وتسهيل مهماتها وهذا يعرفه الذين يحللون ويدرسون أوضاعها خاصة في العراق وفي إيران والصومال ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وإن دعاوى الإصلاح والجهاد ، لا يمكن أن تبرر الإجرام والفساد .. (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) .
الخطبة الثانية
والسؤال المهم بعد ذلك : هل يعتبر شباب تنظيم القاعدة هؤلاء القتلى من جنودنا اليمنيين مسلمين أو كفاراً ؟ فإن كانوا يعتبرونهم كفاراً فهذا أكبر دليل على أنهم يكفرون أهل الإسلام ممن يخالفهم في أفكارهم ، وفي الحديث : ( من كفر مسلماً فقد كفر ) . وإن كانوا يعتبرونهم مسلمين فبأي مسوغ استحلوا دمائهم وأزهقوا أرواحهم ؟!
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى عن مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه" رواه مسلم .
وفي حديث الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حمل علينا السلاح، فليس منا) .
أين النظر في المفاسد والإضرار التي تلحق الأمة بمجموعها ، ومشروعاتها الدعوية والإصلاحية بل والجهادية ، وتشويه صورة الإسلام بأنه دين دموي يهدف إلى قتل الناس، وإعطاء الأعداء مزيدا من المبررات لاختراق العالم الإسلامي، والاستعمار الجديد تحت ستار( محاربة الإرهاب ).
ولا ننسى الضحية المباشرة لهذه الأعمال من الأبرياء الثكالى واليتامى والمسحوقين الذين يجدون أنفسهم فجأة في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل كما حدث في أفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر .
أين النظر في أصول الشريعة الحاكمة على تصرفات الأفراد والجماعات؟ إنه والله لفرقٌ بين من يجعل الشريعة حاكمة على تصرفاته ، وبين من يجعل المفهوم الشرعي مطية يركبها لتحقيق كسب سياسي في معركة أو جدل .
وقل مثل ذلك في أصل انحراف هذه الطائفة وهي قضية التكفير ، التي أصبحت كاسحة ألغام ، تحطم أي شخص يعارض منهجهم .ولهذا تساهلوا في تكفير الناس والحكم عليهم بالردة والخروج من الملة ، ويحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم .
وبناء على ذلك فقد اتخذ تنظيم القاعدة من دول العالم الإسلامي وشعوبه مسرحا كبيرا لعملياتهم ، وأعلنوا المواجهة المسلحة ، المطلقة الشاملة المفتوحة التي لا تستثني زماناً ولا مكاناً ولا شعباً ولا دولة ولا مسلمين ولا كفاراً ، والتي لا تضع في شيء من حساباتها مراعاة مقاصد الشريعة وفقه النصوص القرآنية والنبوية ، بل خلطوا بين المشروع وغير المشروع ، وبين المصلحة والمفسدة ، كل ذلك بدعوى الجهاد في سبيل الله تعالى.
عباد الله .. إن المسؤولية في مواجهة هذه الفتنة مسؤوليتنا جميعاً ، وإذا كانت أجهزة الأمن تقوم بدورها مشكورة في رصد وتتبع هذه الفئة ومنعها من ارتكاب جرائمها، فان الدور الأكبر على العلماء والمفكرين والمربين في اجتثاث هذا الفكر من جذوره .. وعلى الجهات والهيئات الدينية والثقافية ومؤسسات المجتمع كافة أن تضطلع بدورها في مواجهة هذا الفكر المنحرف .. ويبقى الدور الهام على الأسرة بحسن الرعاية وحسن الوقاية للناشئة .
المشاهدات 3029 | التعليقات 2

نسأل الله أن يصلح أحوال اليمن وان يبارك في أهلها الطيبين
بارك الله فيكم شيخنا العزيز


جزاك الله خيرا
ونسأل الله أن يرد عنا كيد الكفار وشر الأشرار ومكر الفجار