من حقوق المصطفى الصلاة عليه
سيف الرحمن التيمي
موضوع الخطبة: من حقوق المصطفى الصلاة والسلام عليه
ww.saaid.net/kutob/index.htm
الخطبة الأولى
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
• أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى واحذروه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن من حقوق النبي (صلى الله عليه وسلم) الصلاة والسلام عليه، والدعاء له بالوسيلة والفضيلة، وأن يبعثه الله مقاما محمودا الذي وعده.
• ومعنى الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم): الدعاء له بالرحمة وشريف المنزلة، فإن الصلاة في اللغة تأتي بمعنى الدعاء كما في قوله تعالى ﴿خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم﴾، أي ادع لهم، إن دعاءك سكن لهم، أي رحمة وطمأنينة.
ومعنى صلاة الملائكة على النبي أي: الدعاء له بالرحمة، والثناء عليه.
أما صلاة الله على النبي أي رحمته والثناء عليه في الملأ الأعلى.
والخلاصة أن الصلاة من الله على نبيه (صلى الله عليه وسلم) تعني الإكرام والتعظيم والمحبة والثناء ، والصلاة من الناس والملائكة تعني الطلب من الله أن يُـثني عليه ويُعلي ذكره، ويزيده تعظيمًا وتشريفًا.
• أيها المؤمنون، والسلام عليه (صلى الله عليه وسلم) يعني طلب السلامة له، ويدخل في ذلك سلامة عرضه وسمعته من النيل منها والطعن فيه.
وعلى هذا فتكون الصلاة والتسليم على النبي (صلى الله عليه وسلم) قد جمعت جميع الخيرات، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير آية الأحزاب ]يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما[: والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنـزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.
• عباد الله، وإذا صلى العبدُ على النبي (صلى الله عليه وسلم) فليجمع بين الصلاة والتسليم، ولا يقتصر على أحدهما، فلا يقول (صلى الله عليه) فقط، ولا (عليه السلام فقط).
وهذا مأخوذ من الآية الكريمة وهي قوله ]يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما[. قاله النووي وابن كثير رحمهما الله.
• أيها المسلمون، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) واجبة إذا ذُكر، يدل على ذلك أنه قد ورد الترهـيب من ذلك في حديثين؛ الأول قوله (صلى الله عليه وسلم): البخيل الذي من ذُكرت عنده فلم يُصل علي.
والثاني قوله: رغِم أنف رجل ذُكرت عنده فلم يُصل علي.
• عباد الله، والصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) مستحبة في عموم الأحوال، إلا أنها قد وردت في مواطن عشرة مخصوصة، وهي كالتالي:
الموطن الأول في الصلاة في التشهد الأخير.
الموطن الثاني في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.
الموطن الثالث في الخطب كخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء، وغيرها. قال ابن القيم: الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) في الخطب كان أمراً مشهوراً معروفاً عند الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
الموطن الرابع يوم الجمعة، فعن أوس بن أبي أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم عليه السلام، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة، فإن صلاتكم معروضة علي.
الموطن الخامس بعد إجابة المؤذن ، لما روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإن من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً ... الحديث.
الموطن السادس عند الدعاء، والدليل على ذلك حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: بينا رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) قاعدٌ إذ دخلَ رجلٌ فصلَّىفقالَ: اللَّهمَّ اغفِر لي وارحَمني ، فقالَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): عَجِلتَ أيُّها المصلِّي، إذا صلَّيتَ فقعَدتَ فاحْمَدِ اللَّهَ بما هوَ أَهْلُهُ، وصلِّ عليَّ ثمَّ ادعُهُ. قالَ: ثمَّ صلَّى رجلٌ آخرُ بعدَ ذلِكَ فحمِدَ اللَّهَ وصلَّى على النَّبيِّ (صلى الله عليه وسلم) ، فقالَ النَّبيُّ (صلى الله عليه وسلم): أيُّها المصلِّي ادعُ تُجَبْ.
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك (صلى الله عليه وسلم).
الموطنان السابع والثامن عند دخول المسجد وعند الخروج منه، فقد ثبت عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه كان إذا دخل المسجد صلى وسلم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك.
وإذا خرج صلى وسلم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثم قال: اللهم افتح لي أبواب فضلك.
الموطن التاسع أثناء السعي بين الصفا والمروة، فعن وهب بن الأجدع قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمكة وهو يخطب الناس قال: إذا قدم الرجل منكم حاجاً فليطف بالبيت سبعاً، وليصل عند المقام ركعتين، ثم ليبدأ بالصفا، فيستقبل البيت فيكبر سبع تكـبيرات، بين كل تكبيرتين حمدا لله وثناء عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وسلم)، وسأل لنفسه، وعلى المروة مثل ذلك.
الموطن العاشر عند اجتماع القوم قبل تفرقهم،فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما جلس قوم مجلساً فلم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيه (صلى الله عليه وسلم)إلا كان مجلسهم عليهم تِرة يوم القيامة، إن شاء عفا عنهم، وإن شاء آخذهم.
فهذه عشرة مواطن مخصوصة، تستحب الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) عندها، مع الوضع في الاعتبار أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم)مستحبة في عموم الأحوال.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد، أيها المسلمون، لا يخفى عليكم أن كثيرا من دول العالم يعيش موجة ثانية من جائحة كورونا، وهي أكبر من الأولى، وقد رصدت الجهات الصحية في بعض دول العالم زيادة ملحوظة في عدد المصابين، ونبهت على أن من أهم أسباب ذلك هو التهاون في تطبيق الإجراءات الوقائية.
وقد أوجب الله على المسلمين الحفاظ على الضروريات الخمس وهُنَّ الدين والعقل والعِرضُ والنفس والمال، فلذا ينبغي الحفاظ على الصحة، ومن ذلك الالتزام بالإجراءات الاحترازية المعلومة، وهي لبس الكمامة وتعقيم اليدين والإتيان بسجادة خاصة إلى المسجد، والحذر من تناقل الإشاعات التي تُـهَــوِّن من احتمالية الوقوع في المرض.
ثم اعلموا رحمكم الله أن من أهم أسباب الوقوع في الوباء والبلاء هو المعاصي والذنوب، قال تعالى (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)، ودواء ذلك هو التوبة الصادقة من جميع الذنوب، وكثرة التضرع والدعاء بكشف البلاء، والمحافظة على الأذكار الصباحية والمسائية، والمحافظة على الصلوات وكثرة النوافل والصدقات وإصلاح ذات البين، والحذر من الغش والقطيعة وتناول ما حرم الله تناوله من مأكول أو مشروب، كالدخان والمسكرات، أو تبرج النساء واختلاطهن بالرجال، فكل هذا إذا انتشر كان سببا مهما من أسباب وقوع البلاء العام.
ثم اعلموا عباد الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، اللهمصل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين.اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم. اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فاشغَله في نفسه، وردكيده في نحره. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم ما نزل بلاء إلا بذنب، وما رُفِع إلا بتوبة، وهذه أيدينا إليك بالذنوب، ونواصينا إليك بالتوبة، اللهم ارفع عنا الوباء إنا مسلمون. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في الثالث والعشرين من شهر جمادى الآخرة لعام 1442، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية، واتس: 00966505906761
المرفقات
1613711341_خطبة مختصرة - من حقوق المصطفى الصلاة والسلام عليه.pdf