من حقوق الزوجة (مكتوبة) و (مسموعة)

أيمن عرفان
1433/02/05 - 2011/12/30 20:14PM
تفريغ خطبة حقوق الزوجة:

الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، أما بعد :- فإن تَقَدُّم المجتمعات لا يتم إلا بصلاح الأُسْرَة فهي اللبنة الأولى لبناء المجتمع، وصلاح الأسرة لا يتم إلا إذا علم كل فرد من أفرادها بما عليه من واجبات وما له من حقوق، ثم بادر بأداء هذه الواجبات لأصحابها قبل أن يطالب بحقوقه، وهذه الحقوق والواجبات ثابتة في الشرع الحكيم ؛ لقول الله تعالى : {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقاً" (الترمذي وصححه) ، ومن أهم الواجبات الأسرية واجبُ الزوج تجاه زوجته والآداب التي يجب أن يتحلى بها الزوج.
بداية يجب على الرجل أن يعلم أن حَواء عليها السلام قد خُلِقت من ضلع من أضلاع آدم عليه السلام، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:"إِنَّمَا خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ، فَلَنْ تُصَاحِبَهَا إِلا وَفِيهَا عِوَجٌ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا، وكَسْرُكَ لَهَا طَلاقُهَا" (الطبراني في المعجم الكبير). وفي هذه المعلومة عدة إشارات ، منها : (1) أن الضلع هو أقرب مكان للقلب، وكأن هذا هو مكانها الطبيعي من الزوج، أن تكون في قلبه فيعاملها بالعاطفة والحب والحنان، ولو خُلِقت المرأة من رأس الرجل مثلاً لكانت هي عقله المفكر الذي يسوسه ويقوده، فالمرأة التي تحاول أن تقود زوجها عليها أن تعلم أنها تحاول أن تضع نفسها في مكان غير المكان الذي خلقها الله عز وجل من أجله، ولو أن المرأة خُلِقَت من يد الرَّجُل مثلاً لكانت يده التي يبطش بها أو يتكسب بها، ولو خُلِقَت من رِجْلِه مثلاً لداسها وأهانها واستعلى عليها.
(2) أنها من نفس جِنْسِهِ وذلك دليل على الأُلْفَة التي يجب أن تكون بينهما، يقول الله عز وجل :" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم 21).
(3) أن الرَّجُل هو الأصل، والمرأة هي الفرع، هو الكل وهي الجزء، ولا حياة للكل إلا بجميع أجزائه، ولا حياة للجزء إلا بانتمائه لأصله، ولذلك كانت القوامة للرَّجُلِ، يقول الله تعالى :" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ"، هذه القوامة يجب أن تُفْهَم فَهْماً صحيحا، فهي لا تعني الاستعلاء ولا الإرهاب وإنما تعني المسئولية، مسئولية الراعي نحو رعيته، مسئولية أصل الشجرة نحو فروعها، أصل الشجرة قوي ثابت في الأرض يمتص من الأرض الماء والغذاء ويمد بهما الفروع، أصل الشجرة هو الذي يحمل الفروع فتحيا بحياته، وتأمل في كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُعَلِّم رجال أمته كيف يتعاملون مع نسائهم فيقول :"ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم" رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، كلمة عوان تعنى أسْرَى، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمَرَ بالإحسان في معاملة الأسير وهو عدو، وقال تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا"، فكيف إذا كان الأسير حبيب؟
أسوق لك الآن مجموعة من حقوق الزوجة على زوجها، وهي مستمدة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومن روح وتعاليم الإسلام والتي نرجو أن يكون من يلتزمها من الأزواج زوجاً ناجحا أسس أسرته على أساس متين:-
( 1 ) حسن الخلق معهن: ولا أعني بذلك أن الرجل لا يشتم زوجته ولا يحقرها ، فهذا أمر مفروغ منه أصلاً ولا يصح بحال من الأحوال، إذ أنك مطالب به مع الغريب فالمؤمن يجب أن يكون لسانه نظيفاً لا يتكلم بالكلمات القبيحة ولا يسب ولا يُقَبِّح، وإذا كنت حريصًا على أن تحترم الناس وأن تحترمك الناس فكيف بامرأة تشاركك الفراش، فكيف لا يكون هناك مثل هذا الأدب والاحترام المتبادل بينكما، ولكن الذي أعنيه بحسن الخلق هو تحمل الأذى منهن، وسأضرب لك مثلاً لحسن الخلق الذي أعنيه، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم استعذر أبا بكر عن عائشة ولم يظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالها بالذي نالها فرفع أبو بكر يده فلطمها وصك في صدرها فوجد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال : « يا أبا بكر ما أنا بمستعذرك منها بعدها أبدا » رواه ابن حبان بإسناد صححه الألباني ، استعذرَ أَبا بكر من عائشة كان عَتَبَ عليها في شيء فقال لأَبي بكر أَعْذِرْني منها إِن أَدَّبْتُها أَي قُمْ بعُذْري في ذلك، وهنا نجد حسن الخلق المقصود، فعلى الرغم من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجد منها ما أغضبه وجعله يشكوها لأبيها إلا أنه لما ضربها أبوها دافع عنها النبي، أبو بكر تصرف تصرف العاقل الذي يعلم خطورة إغضاب رسول الله، ورسول الله تعامل مع الموقف معاملة الزوج حسن الخُلُق الفاهم لطبيعة المرأة. حسن الخلق مع النساء يتجلى لنا في الحديث الذي يرويه لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول : " تَغَضَّبْتُ يَوْمًا عَلَى امْرَأَتِي فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي فَقَالَتْ مَا تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُرَاجِعْنَهُ وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ فَانْطَلَقْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ أَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ نَعَمْ فَقُلْتُ أَتَهْجُرُهُ إِحْدَاكُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ قَالَتْ نَعَمْ قُلْتُ قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُنَّ وَخَسِرَ أَفَتَأْمَنُ إِحْدَاكُنَّ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا لِغَضَبِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هِيَ قَدْ هَلَكَتْ لَا تُرَاجِعِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَسْأَلِيهِ شَيْئًا وَسَلِينِي مَا بَدَا لَك " (رواه مسلم).
( 2 ) أن يزيد على احتمال الأذى بالمداعبة والمزاح: فهي التي تطيب قلوب النساء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح معهن وينزل إلى درجات عقولهن في الأعمال والأخلاق، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان يسابق عائشة في العدو فسبقته يوماً وسبقها في بعض الأيام فقال لها: "هذه بتلك"، وروى الإمامان البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: رَأَيْتُ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتُرُنِى بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِى الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّذِى أَسْأَمُ ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْو". فعلى الرغم من كل مسئوليات رسول الله، وأعباء الدعوة وأعباء تأسيس الدولة الإسلامية وغير ذلك، إلا أن لديه وقت يقضيه مع عائشة في تسليتها، بل وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك باب من أبواب التفاضل بين المسلمين فقال فيما صح عنه :"خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي" رواه الترمذي بإسناد صحيح، فالنبي يعلمنا أن المسلم كنسمة الهواء التي تمر على الأغراب فتنعشهم، وعلى الأهل فتحييهم.
(3) السياسة معها: إذا تبسط الرجل في الدعابة وحسن الخلق والموافقة باتباع هوى المراة فإنه يفسد خلقها وتسقط بالكلية هيبته عندها، ولذلك فمن المطلوب من الرجل أن يراعي الاعتدال ، نعم هو بشوش وحسن الخلق ويداعب زوجته ويمازحها، ولكن إذا رأى ما يخالف الشرع والمروءة يفزع إلى الهيبة وإلى الانقباض ولا يفتح باب المساعدة على المنكرات البتة، ولذلك فمن أعظم الأخطاء التي يقع فيها الرجل مع امرأته أن يصبح تابعاً، ربنا تبارك وتعالى في سورة يوسف سمى الزوج سيداً فقال :" وألفيا سيدها لدى الباب"، والله عز وجل قد ملَّكه هذه المرأة وجعله قائما على أمرها، فإذا انقلب السيد عبداً مسخراً وملَّك هو نفسه للمرأة فهذا قلب للأوضاع وتغيير لخلق الله ولفطرة الله التي فطر الناس عليها، فالسياسة الزوجية أن تخلط الغلظة باللين ، الفظاظة بالرفق كلٌ في موضعه، فبالعدل قامت السماوات والأرض، وكل شيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، فكن طبيباً ، فالنساء فيهن شر وفيهن ضعف، فالسياسة والخشونة علاج الشَّر، والرحمة والمطايبة علاج الضعف، والطبيب الناجح هو الذي يقدم العلاج المناسب للمريض المناسب في الوقت المناسب، ولا تنس أن النبي الذي كان يمازح نساءه ويداعبهم، هو الذي هجر أزواجه شهراً حينما أردن من متاع الدنيا وخيرهن بين أن يعشن معه هذه الحياة البسيطة المتقشفة أو أن يطلقهن، فتلك هي السياسة، لا تكن سهلاً فتعصر ولا صلباً فتكسر.
(4) الاعتدال في الغيرة: فالمسلم وسط، لا يتغافل عن مبادئ الأمور التي تُخشى غوائلها، وفي الوقت نفسه لا يبالغ في إساءة الظن والتجسس والتعسس، وخلاصة القول في الغيرة حديث يرويه ابن ماجة بإسناد صححه الألباني: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا مَا يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِى الرِّيبَةِ، وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ فَالْغَيْرَةُ فِى غَيْرِ رِيبَةٍ ». فإذا كانت هناك أسباب أو مبادئ تستدعي الغيرة وجب على الرجل أن يغار، روى الإمامان البخاري ومسلم: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن". ويقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاقُ لوالديه ، و الدَّيُّوث ، و رَجِلَةُ النساء " (الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح) و الدَّيُّوث هو الذي يقرُّ الخَبَثَ على أهله و لا يغار ، و رجلة النساء أي المتشبهة بالرجال، أما إذا لم يكن هناك أسباب تستدعي هذه الغيرة، فإن الغيرة فيها تدخل في باب سوء الظن الذي نُهينا عنه في القرآن :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ". وقال عليٌّ رضي الله عنه: "لا تكثر الغيرة على أهلك، فتُرمى بالسوء من أجلك". تسأل الناس عن زوجتك وعن أخلاقها ومن أين تجيء وإلى أين تذهب، فيقول الناس فلان يشك في زوجته لابد وأنها سيئة.فتتهم المرأة زورا وبهتانا بسبب زوجها. وسداً لهذا الباب فعلى كل امرأة ألا تثير في نفس زوجها ما يدفعه إلى سوء لظن، حتى أنها إذا أرادت أن تخرج من بيت زوجها لابد وأن يكون هذا الخروج بشروط، فيجب ألا تخرج من البيت إلا بإذن زوجها وعلمه وموافقته، ويجب ألا تخرج إلا لأمر ضروري فبعض النساء تخرج وتجيء وتروح بصورة تدفع الرجل إلى أن يسيء الظن بها، وإذا خرجت من بيتها يجب أن تخرج محتشمة في ملابسها وعليها أن تغض بصرها عن الرجال فلا تفتنهم ولا تفتن بهم، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد وفاة النبي بفترة يسيرة تقول:" لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى مِنْ النِّسَاءِ مَا رَأَيْنَا لَمَنَعَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ". ترى ماذا كانت تقول عائشة لو عاشت في زماننا؟.
( 5 ) الاعتدال في النفقة: فلا ينبغي أن يقتر على زوجته في الإنفاق، ولا ينبغي أن يسرف، قال تعالى:" وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا"، وقد أجمع علماء الإسلام على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن بشرط تمكين المرأة نفسها لزوجها، فإن امتنعت منه أو نشزت لم تستحق النفقة . والحكمة في وجوب النفقة لها : أن المرأة محبوسة على الزوج بمقتضى عقد الزواج، ممنوعة من الخروج من بيت الزوجية إلا بإذن منه للاكتساب، فكان عليه أن ينفق عليها، وعليه كفايتها، وكذا هي مقابل الاستمتاع وتمكين نفسها له. والمقصود بالنفقة : توفير ما تحتاج إليه الزوجة من طعام ، ومسكن ، فتجب لها هذه الأشياء وإن كانت غنية ، لقوله تعالى : (وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233 ، و قوله عز وجل : (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ) الطلاق/7 ، و لقوله صلى الله عليه و سلم" ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " ، و قال صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن حق الزوجة عليه : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ) رواه أبو داود . و في الصحيحين من طريق أبي مسعود البدري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : " مَن أنفقَ نفقةً على أهله يحتسبها فهي له صدقة " يحتسبها أي صحت نيته فيها، وقد حث النبي على أن ينفق الرجل على أهل بيته وبين أن ذلك من أفضل النفقة وأن الرجل يثاب بإنفاقه على أهله، رَوَى الإمام مسلم في صحيحه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ"، وموضوع النفقة هذا فيه مسألتان يجب أن ننتبه إليهما: (1) كون أنك تثاب على إطعام أهلك لا يعني أن تمتنع عن الصدقة وإخراج المال في أبواب الخير، بل على الرجل أن ينفق على أهله وأن يتصدق وأن يأمر أهله أن يتصدقوا من ماله وأن يغرس في أبنائه هذا السلوك. (2) أهم ما يجب أن يراعيه رب الأسرة أن يطعم أهله من حلال وألا يدخل عليهم مالاً حراما حتى لا تنبت لحومهم من حرام، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام " ذكره الألباني في السلسلة الصحيحة.
( 6 ) وقايتها من النار : وذلك بحثها على الخير ونهيها عن الشر قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً..) (التحريم:6) . ومن وقاية الأهل : أنْ يَحُثَّهَا على الصَّلاة خاصة قال تعالى : ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) (طه : 132) . ومن وقاية الأهل : أنْ يَحُثَّهَا على الالتزام بالحِجَاب والعِفَّةِ و الطَّهَارة . ومن وقاية الأهل : أن يُعَلِّمَها العقيدةَ السليمة ، وأن يزيل من قلبها البدع والشبهات، وأن يخوفها من عقاب الله إن هي قَصَّرَتْ في أمر دينِها، فإن كان يجهل هذه الأمور فعليه أن يسأل العلماء ويتعلم ثم يعلمها، فإن أهمل في ذلك فعليها أن تستأذن منه وتسأل العلماء، تقول عائشة : " نِعْمَ النِّسَاء نساء الأنصار ، لم يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ أنْ يَتَفَقَّهْنَ في الدِّيْنِ " (متفق عليه). . يقول ـ صلى الله عليه وسلم - :" كُلُّكُم رَاعٍ وَ كُلُّكُم مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِه ، فَالرَّجُلُ رَاعٍ وَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِه " (متفق عليه).
( 7 ) العدل بين الزوجات: وهذا يتعلق بالرجل المتزوج بأكثر من زوجة، فإن كان له نسوة فعليه أن يعدل بينهن وألا يميل إلى واحدة منهن، فإذا خرج في سفر وأراد أن يصطحب واحدة منهن فعليه أن يقترع بينهن فكذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه أن يعدل بينهن في الليالي فإن ظلم إحداهن في ليلتها قضى لها فإن القضاء واجب عليه، وروى النسائي بإسناد صححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل"، وإنما عليه أن يعدل في العطاء والمبيت، أما في الحب والوقاع فذلك لا يدخل تحت الاختيار ولذلك يقول ربنا جل وعلا :" وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ"، أي لا تتعمدوا الإساءة واعدلوا فيما تملكون من نفقة ومبيت.
( 8 ) أن لا يفشي سرها: وأن لا يذكر عيباً فيها ؛ إذ هو الأمين عليها والمطالب برعايتها ، وأعظم المنكرات نشر ما يدور بينهما حال الجماع ونحوه ، لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين :"إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها [ و في رواية : ثم يكشف أحدهما سر صاحبه ] " ، و مما يروى أن رجلا كان يريد طلاق زوجته فسأله بعض الناس : " لماذا تريد طلاقها ؟ " فقال الرجل : "إن العاقلَ لا يهتك ستر بيته"، فلما طلقها و تزوجت قالوا له: "لماذا طلقتها؟" فقال :"مالي و لامرأة غيري !! .
( 9 ) إكرام أهلها: فيجب على الرجل أن يأذن لزوجته بزيارة أهلها بين الحين و الحين حتى لو كان هو على خلاف معهم ، و أن زاروها في بيته أن يُحسن استقبالهم و أن يبتسم في وجوههم ، فقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكرم صدائق خديجة رضي الله عنها حتى بعد موتها فعن عائشة رضي الله عنها قالت : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها ، وما رأيتها قط ، ولكن كان يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ، ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا إلا خديجة، فيقول : ( إنها كانت وكان لي منها ولد ) متفق عليه.
( 10 ) عند وجود الخلاف والخصام: الخلافات الزوجية شيء وارد، هذه الخلافات يجب أن يحاول الزوجان جعلها بينهما فقط دون أن يشعر بها أحد، فإن تَدَخُّل أي طرف من شأنه أن يجعل الصغير كبيراً، فإذا وصلت هذه الخلافات إلى حد كبير ، وكان السبب فيها كلا الزوجين معاً أو كان السبب فيها الرجل وليس للمرأة ذنب فيها فلابد هنا من حكمين، حكم من أهله وحكم من أهلها على أن يجمع الجميع على نية واحدة وهي نية الإصلاح، فإن توافرت نية الإصلاح وفق الله عز وجل إلى الإصلاح :" وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا"، أما إذا كان النشوز من المرأة فقط ولم يخطئ الرجل في شيء، كأن تكون الزوجة لا تصلي مثلاً، فله أن يؤدبها وأن يحملها على الطاعة قهراً ولكن بالتدريج، فيبدأ بالوعظ أولاً، فإن لم يفلح الوعظ ولاها ظهره في المضجع ، والهجر في المضجع له أصول، بعض الناس حينما يهجر زوجته في المضجع يترك الكلام معها فلا يكلمها، وهذا خطأ ، فعليه أن يكلمها فإذا جاء وقت النوم هجرها في المضجع، فإذا استمر ذلك ثلاث ليال دون جدوى فله أن يلجأ إلى الوسيلة الأخيرة للتأديب وهي الضرب، وهذا أيضاً له شروط، فنحن حينما نقول الضرب نعني به ضرب الأحبة، الضرب الذي لا يسيل دما ولا يكسر عظماً، كأن يضربها بالسواك مثلاً، المهم أن تشعر بخطئها، يقول الرسول صلى الله عليه و سلم : "عَلاَمَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ , وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ". (أخرجه البخاري).. ولا يكون الضرب في الوجه قال صلى الله عليه وسلم : " وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ" (رواه أبو داود) ، بعض الرجال يلجأ للضرب أولاً وهذا خطأ، والبعض يضرب ضرباً شديداً يترك أثراً وهذا خطأ، بعض النساء عند وجود خلاف تترك بيت الزوج وتذهب إلى بيت أبيها وهذا خطأ ، المرأة لا تترك بيت زوجها تحت أي سبب من الأسباب، حتى إذا طلقها الزوج طلقة رجعية تقضي عدة الطلاق في بيت زوجها لعل ذلك يعيد المياه إلى مجاريها، فإذا كانت المطلقة لا تترك بيت الزوج فكيف بغير المطلقة؟
المشاهدات 9704 | التعليقات 1

http://www.youtube.com/watch?v=3QYcdW67C4w