مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ

عايد القزلان التميمي
1443/02/03 - 2021/09/10 04:45AM
{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ *  يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} ، سبحانه وبحمدِه {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} ، ويحصِي حصائدَ الألسن فينشرها يوم النشور،  ثم يحاسب فيغفر أو يعذِّب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد فيا أيها المؤمنون أوصيكم ونفسي بتقوى الله . عباد الله موضوعنا اليوم عن حديث نبوي عظيم الشأن يُعد أصلاً عظيمًا من أصول الأدب، ويعلمنا أن ننشغل بأنفسنا ولا نتدخل في شؤون الآخرين فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، .
عباد الله من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ: أساسٌ متين في الأخلاق والتعامل مع الآخرين ، ودليلٌ من أدلهِ الورع، والتقوى.  
من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ:. قاعدةٌ في السلوك عَظيمة، ترفعُ المسلم عَنِ مراقبةِ النَّاس والتَّجسُسِ عليهم، وَإِيذَاءِهم بالتطفُلِ على خُصُوصِياتِهم، وإِحرَاجِهم بالأسئلةِ الثَّقِيلةِ؛ فهم في راحةٍ، والنَّاسُ مِنْهُمْ فِي أمَانٍ إن حضروا وإن غابوا.
من حُسن اسلام المرء عدم تتبع العثرات والعورات , وترك الإلحاح بالسؤال, متى ذهب فلان؟ ومن أين جاء ؟ بكم اشترى ومن أين ومتى؟ وكيف حصل ذلك، من أين لك هذا... وغيرها من أسئلة الفضول والتطفل التي لا فائدة من ورائها سوى هدر الأوقات وفتح أبواب الشر.
عباد الله إن في حديث من حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يَعنِيهِ : "توجيها للأمة للاشتغال بما ينفعها؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم،: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ".
وصور حرص الإنسان على ما ينفعه كثيرة ومتعددة؛ فمنها بل وأَوْلاها: حرصه على أداء حقوق الخالق سبحانه وتعالى، والمبادرة بها والمسارعة إليها.
عباد الله واعلموا أن الانشغال بالقصص والوقائع والمشاهدات التي لا تتعلق بقصد صحيح، قد ورد النهي عن مثل هذا فيما رواه مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا: فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ. وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَال ))
وفي سنن الترمذي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قُلْتُ يَا نَبيَّ اللهِ وَإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ في النَّار عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو عَلَى مَنَاخِرهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهمْ) مَعْنَاهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِسَانُهُمْ يُهْلِكُهُمْ فَيُؤَدِّي بِهِمْ إِلى دُخُولِ جَهَنَّمَ.
وعن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن العبد ليتكلم بالكلمة ينزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب).  
(وقال النبي ﷺ (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده
وأكثر الناس ذنوبا أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيهم.
عباد الله ، إذا نظرنا إلى واقع الناس اليوم؛ سوف نجد كثيرين منهم، حريصين على التدخل، في شؤون الآخرين، والإطلاع على خاصة أحوالهم , لذا حذر السلف الصالح من انشغال المرء بما لا يعنيه، وما لا ينفعه.
 يقول الحسن البصري: علامةُ إعراضِ الله تعالى عن العبد؛ أنْ يجعلَ شُغْلَه فيما لا يَعْنيه
خذلاناً من الله عز وجل. و قال مالك ابن دينار: "إذا رأيت قساوة في قلبك، ووهنا في بدنك، وحرمانا في رزقك، فاعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك. فكلام الشخص فيما لا يعنيه؛ يُقَسى القلب، ويُوهِن البدن، ويُعسِّر أسباب الرزق".
وقال الفُضَيْل بن عياض: "مَنْ عَدّ كلامَه من عمله.. قلّ كلامُه فيما لا يعنيه".
وقال الشافعيُّ لصاحبه الرَّبِيع: "لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ، ولم تملكها".
عباد الله ينبغي للإنسان أنْ يهتم في الأمور التي تعنيه في دِينه ودُنياه، ، ويترك ما لا يعنيه، لا في أمور دينه، ولا دنياه؛ لأنَّ ذلك أحفَظُ لوقته، وأسلَم لدِينه.
وانظروا في كلامكم في المجالس، وفي كتاباتكم  ومنشوراتكم في مواقع التواصل، وفي ردودكم على الناس، وتذكَّروا أنكم تكتبون في صحائفكم أولاً، وأنه لا يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم!
بارك الله لي ولكم ......
الخطبة الثانية /
الحمد لله عالم الخفيات، المطلع على السرائر والنيات، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله واصحابه وسلم تسليمًا. أما بعد
 إذا تكلمت أيها المسلم فاذكر سمع الله لك وإذا سكت فاذكر نظره إليك وقد وقعت الإشارة في القرآن العظيم إلى هذا المعنى في مواضع كقوله تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ. إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ. مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ،
وقوله تعالى {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}
وقال تعالى {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة. وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، .....  
المرفقات

1631249139_من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه.docx

المشاهدات 1396 | التعليقات 0