من تجليات أسماء الله وصفاته ، خطبة رائعة للشيخ أحمد بن طالب بتصرف واختصار
عبدالرحمن اللهيبي
أيها المؤمنون: إن الله -تعالى- قد تجلى لعباده في كتابه بصفاتالهيبة والعظمة والكمال ، ونعوت الجمال والكبرياء والجلال، فخضعت له الأعناق ، ودانت له الرقاب ، وافتقرت له الخلائق ، وخشعت له الأصوات ، ورُفعت له الدعوات ، وعُرضت عليه الحاجات..
ومن تدبر وتأمل ما جاء في كتاب الله من كمال أسماء الله وجَمال صفاته وجلال أفعاله، من الرحمة والإكرام، والجود والإحسان،والعطاء والإنعام ، والمغفرة والرضوان ، والرزق والحلم بالأنام..امتلأ قلبه حبا لله
وبقدر ما يوقن العبد من صفات ربه وجماله ، ونعوت كماله وجلاله، بقدر ما يكون فؤاد عبده فارغًا إلا من محبته، وغنيا عن الناس فلا يفتقر لغيره ، آمنا فلا يخشى سواه ، راضيا مطمئنا بأقدار الله
فإذا تدبر العبد في القرآن صفات ربه من الرحمة والمغفرة والبر واللطف والإحسان، عظم في العبد رجاؤه لربه، وانبسط له أمله، وسار إلى ربهراجيا، فكلما قَوِيَ الرجاءُ جَدَّ في العمل.
وإذا تدبر العبد في القرآن صفات ربه في العدل والانتقام، والغضب والسخط والعقوبة والبطش والجبروت، انقمعت نفس العبدالأمَّارة بالسوء، وانكسرت فيها الشهوة والرغبة في المحرمات، وانقبضت عن طغيانها في ظلم العباد ؛
وامتلأ قلب العبد حينها خوفا وخشية لله . ((يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ((
وإذا تدبر العبد في القرآن أفعال الله من الأمر والنهي وإرسال الرسل وإنزال الكتب وشرع الشرائع، امتلأ قلب العبد تعظيما للشريعة ، وانبعثت في النفس رغبة الامتثال لأوامر الله، والتبليغ لها، والدعوة إليها ، والتواصي عليها، والغيرة والغضب عند انتهاكها (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ)
وإذا تدبر العبد في القرآن صفات ربه في العلم والإحاطة والسمع والبصروالرقابة؛ استحيا العبد من ربه أن يراه على ما يَكرَهُ، أو يَسمَع منه ما يكرهُ، أو يُخفي في سريرته ما يمقته عليه..
قال الله -عز وجل-: (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور)
وإذا تدبر العبد في القرآن صفات ربه في كفايته لعبده والقيام بمصالحه في معاشه ورزقه، ودفع المصائب عنه وحفظه، وحمايته ومعيته ؛ قوي في العبد التوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، والرضا بما يجريه الله من أقدار عليه، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
أيها المسلمون : إن العبد إذا عرَف ربَّه وتفكر في أسمائه وصفاته أوجَب له ذلك السرور بعبادته، والتودد إليه بطاعته، واللهج بذكره، والمسارعة إلى قربه، والفرار من الخلق إليه، والشوق إلى لقائه ،وصدق التوكل عليه، والافتقار إليه، والخضوع له.. ولسان حال العبدومقاله ((وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ))
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قَوْلي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
عبادَ اللهِ: مَنْ كَمُلَتْ فيه معرفتهلربِّه شَهِدَ حكمتَه في قضائه ، ورأى نعمتَه في بلائه، وعطاءه في مَنعِه، وعَدْلَه في انتقامه، وحلمه في إمهاله، وكرمه في إنعامه، وعلمه في أمره ونهيه
فيشهد العبد بذلك ربا قيوما فوق سماواته يدبر أمر عباده، يأمر وينهى ، ويرضى ويغضب، ويثيب ويعاقب، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويبصر ويسمع ، ويعلم السر والعلانية، فعَّال لما يريد، موصوف بكل كمال، منزه عن كل عيبونقصان، لا تتحرك ذرة في السموات والأرض إلا بأمره، ولا تسقط ورقة إلا بعلمه، ولا يشفع أحد عنده إلا بإذنه، ليس لعباده من دونه ولي ولا شفيع.
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أن الله قد أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، واجعل هذا البلدَ آمِنًا مطمئِنًّا سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، واجعَلْ ولايةَ المسلمين فيمَنْ خافَكَ واتقاكَ واتَّبَعَ رضاكَ يا ربَّ العالمينَ.
اللهم وفِّق إمامَنا لهداكَ، واجعَلْ عملَه في رضاكَ، وارزقه البطانةَ الصالحةَ الناصحةَ، التي تدلُّه على الخير وتُعِينه عليه يا أرحمَ الراحمينَ، اللهم ووليَّ عهده وإخوانَهم على الخير يا ربَّ العالمينَ.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)