من باع وطنه باع دينه لفضيلة الشيخ صالح محمد الجبري

منصور الفرشوطي
1434/07/12 - 2013/05/22 21:24PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من باع وطنه باع دينه
الوطن والوطنية والمواطنة كلمات تلتصق بالإنسان منذ الولادة، لأنه بالفعل ولد مواطنا وينتمي إلى وطن، والوطن ليس قطعة أرض يقيم عليها الإنسان ولكنه قبل ذلك تاريخ ورابط اجتماعية، ومعنوية، ومادية تشد الإنسان إليه وتجعله على استعداد للدفاع عنه بكل ما يستطيع من قوة. وقد أمرنا الله بالدفاع عن أرضنا وحمايتها ولنا في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع بني إسرائيل عبرة وموعظة، عندما أمر بني إسرائيل أن يطيعوا نبي الله موسى عليه السلام وأن يدخلوا الأرض المقدسة لتحريرها وحمايتها ولكن بني إسرائيل عصوه قائلين كما ذكر الله عنهم في كتابه الكريم (قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ) (المائدة: 24). فحكم الله عليهم بالتيه في الأرض أربعين سنة، وكان هذا من أقسى العقوبات التي مرت بالتاريخ البشري أن يكون الإنسان بلا وطن.
وللعلم فالإسلام لم يهمل العاطفة الجياشة التي تكون في قلب الإنسان نحو وطنه، فهو يتعامل مع عاطفة الإنسان باتزان فلا تفريط ولا إفراط فيها، فالإنسان يرتبط عاطفياً بموطنه الذي له فيه الذكريات والأحداث والأشخاص الذين يحبهم ويحبونه وفيه أقرباؤه وأصدقاؤه ومحبوه، ويؤكد على ذلك الارتباط حنين الرسول صلى الله عليه وسلم لمكة عندما خرج منها مكرها فقال بعد أن التفت إليها (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما خرجت).
ويتضح لنا من ذلك أنه لا تعارض بين الانتماء للإسلام وحب الوطن طالما لم يتعارض أو يتعاظم حب الوطن عن حب الإسلام أو تقديم محبته على محبة الله ورسوله وكتابه والولاء للإسلام والتضحية من أجله، قال تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) (التوبة: 24).
هذا الوطن بهذا المعنى له حقوق علينا، وعلينا واجبات ومن هذه الواجبات:
أولاً: الوفاء:
والوفاء يعني ألا تخون وطنك، أن تكون وفياً لوطنك وتريد له الخير من قلبك وأن لا يكون ذلك مرتبطاً بمكاسب دنيويه رضيت إذا حصلت عليها وسخطت إذا لم تحصل عليها.
ومن الوفاء أن تدافع عن وطنك وأن تحميه من كل مكروه مادي ومعنوي، فماديا عليك أن تحميه من الأعداء المتربصين به ومن أذنابهم، وممن يريدون لوطنك الذل والقهر والتخلف، عليك أن تحمي وطنك من الأذى المادي وذلك من الإيمان ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق) هذا في حق الأذى المادي الصغير فكيف بالأذى المادي الكبير الذي يتعرض له وطنك كالإرهاب والمخدرات والمؤامرات التي تستهدف أمنه ووحدته.
كما أن عليك أن تحمي وطنك من الأذى المعنوي ، ومن الأذى المعنوي فساد ذات البين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.
ومن الأذى المعنوي الذي يجب أن تحمي وطنك منه الاختلاف الذي يؤدي إلى التناحر والفشل والتنازع قال تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) هكذا قالها صلى الله عليه وسلم أتريدون الهلاك؟ إذن اختلفوا.
وفعلاً فكيف نريد وطنا قوياً ونحن نضعفه بالاختلاف والتناحر والتعصب والتشاجر وفعلا فنحن نتشاجر على كل شيء ونختلف على أي شيء ولا يعجبنا العجب ولا يرضينا شيء فكيف نستطيع بناء وطن قوي مستقر آمن ونحن كذلك ؟
ثانياً: العطاء:
والعطاء ليس مقتصراً على المال فقط بل إنه يشمل أشياء كثيرة، فأنت تعطي لوطنك حين تقدم فكرة عظيمة تغير حياة إنسان هذا الوطن إلى الأفضل، وأنت تعطي وطنك حين تكون مواطناً صالحاً يساهم في تقدم ورفعة الوطن، وتعطي وطنك حين تكشف الفساد والمفسدين والمرتشين، وتعطي وطنك حين تتنازل عن شيء من وقتك لغرض الأعمال التطوعية وهكذا هو المواطن الصالح شعاره في هذه الحياة (واجعلني مباركاً أينما كنت) كما ذكر القرآن وكما جاء في الدعاء المأثور (اللهم اجعل يدي عليا بالعطاء ولا تجعلها سفلى بالاستعطاء).
ثالثاً: ومن الواجبات عليك نحو وطنك معرفة واجبك نحو المواطن الذي يشاركك في العيش على تراب هذا الوطن.
وللعلم فالواجب عليك نحوه أمران.
الأول: هذا المواطن الذي بجانبك هو في حصانة منك: دمه في حصانه، وعرضه في حصانه، وكرامته في حصانه، وماله في حصانه، (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه) هو في حصانه ما دام مواطناً يعيش على أرض تعيش عليها فهو في حصانة، منك وإلا فأنت مقصر في واجب شرعي كبير وأكيد فهل أنت كذلك أم أنك تنتهز الفرصة المناسبة لكي تغدر به في دمه و ماله و عرضه، ترى أيها الأخوة هل سمعنا حديث النبي صلى الله عليه وسلم (ذمة المسلمين واحدة). أي ذمة المواطنين لأن المادة الثانية لدستور المدينة الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم تقول (وأن المسلمين مع من معهم أمة واحدة على من عداهم) (ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
والأمر الثاني: هو الإعانة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه) وفي رواية (ما كان العبد في عون أخيه). فهل تعين أنت المواطن الآخر عندما يحتاج إلى عونك الذي تستطيعه أم أنك تمتنع عندما تشعر أنه بحاجة إليك، (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). ونحن نعاني من أن الله لم يعنا في أكثر أمورنا لماذا لأن الواحد منا ليس في عون أخيه، اليوم الناس (إلا من رحم الله) كل يبحث عن خلاص لمشاكله ولو كان ذلك على حساب إكثار المشاكل عند غيره، والواحد منا يفكر ويعمل على تغيير سيارته، أو أثاث بيته ولا يفكر ولا يخطر بباله بدلا من ذلك أن يعين منكوباً أو جائعاً أو محتاجاً أو مريضاً وقد يكون هذه المنكوب أو الجائع أو المريض قريبا له أو جارا. سبحان الله ألم يقل الله (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) (الماعون: 4-7)، أي يمنعون الإعانة عن المحتاجين لها.
فأين إعانتنا لبعضنا، ومن جملة الإعانة أن يكون كل واحد منا حيث المسؤولية فالحاكم راع في شعبه، والأمير راع في أمارته، والوزير راع في وزارته، والموظف مدنيا كان أم عسكريا كذلك وأنت راع في بيتك لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرغيته إلا حرم الله عليه الجنة فليسمع الجميع أنت راع أينما كنت) فهل قمت بواجب الرعاية والإعانة قولاً وعملاً أم اكتفيت بالكلام فقط، الكلام وحده لا يكفي وعليك أن تتبع الكلام بالعمل وإلا (يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة).
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
بلاد الحرمين، هذا الوطن العزيز علينا وعلى المسلمين جميعاً، كلنا نتمنى له الأمن والاستقرار والرخاء ولكن هناك صنفان من الناس لا يريدان ذلك لذا فهما أخطر شيء على هذا الوطن في حاضره ومستقبله.
هذان الصنفان فيهم أناس لديهم الاستعداد لبيع أنفسهم ووطنهم بأبخس الأثمان
الصنف الأول: وهو من اختار أن يكون باطنيا ورضي أن يكون عبداً للمجوس حتى صار ولاؤه لهم أعظم من ولائه لوطنه وأمته. فهو مع المجوس ضد وطنه، ومع المجوس ضد أهل البحرين، ومع المجوس في العراق ضد أهل السنة، ومع المجوس في سوريا ضد أهل السنة ومع الحوثيين ضد أهل اليمن ومع حزب الشيطان ضد أهل لبنان وهكذا ،وهؤلاء لو كانوا عقلاء لعرفوا أن مذهب المجوس يقوم على تقديس العرقية المجوسية، وبالتالي فمهما قدموا للمجوس فلن ينالوا منهم شيء، لأنهم ينظرون إليهم كمجموعة من العملاء الذين ينفذون ماهو مطلوب منهم فقط ثم يتبرؤون منهم بعد ذلك أي ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين).
ونحمد الله تعالى أن مكن للجهات المختصة من اكتشاف خلية التجسس العميلة التي باعت نفسها رخيصة لإرضاء المجوس الذين لا هم لهم إلا الكيد والتآمر تجاه هذا البلد الأمين.
أما الصنف الثاني: فهو يضم من اختار أن يكون عبداً وخادماً للترويج والتمكين للمشاريع الغربية والصهيونية في بلاد المسلمين عن طريق ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد أو التنوير والإصلاح كما يزعمون تحت شعار الليبرالية وهم في حقيقة الأمر ينشرون التغريب والفساد الأخلاقي والتبعية لأعداء الإسلام كما قال تعالى عنهم وفي أمثالهم (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ) (البقرة:11-12).
وفي الحقيقة هناك تحالف واضح بين أفراد الصنفين المذكورين وبخاصة في مجال الإعلام فهناك تنسيق بينهما بالهجوم على كل من له علاقة بالدين كأصحاب الفضيلة العلماء و القضاة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وذم الدولة بالحق و بالباطل وإيغار صدور المواطنين عليها، مع حرصهم الشديد على عدم انتقاد بعضهم البعض لذلك نجد أن من يسمون أنفسهم بالكُتَّاب و المثقفين الليبراليين لم ينطقوا بكلمة واحدة تجاه كشف خلية التجسس الأخيرة مع أنها قضية خيانة عظمى تتعلق بأمن الوطن واستقراره بل إنهم لم يكتبوا ولم يستنكروا العمليات الإرهابية والاعتداءات على رجال الأمن والمواطنين في القطيف فعلام يدل ذلك ؟
أليس الساكت عن الحق شيطان الأخرس ؟ أليس الساكت كالراضي لذا صدقت إحدى الكاتبات عندما قالت وهذا يحسب لها (من يؤيدهم أو يدافع عنهم فهو مثلهم).
إنه فعلا تحالف الشياطين فمع أن الليبراليين يكتبون ويقولون دائما أنهم ضد التكفير إلا أنهم يتحالفون مع الذين يكفرون أهل السنة ويعادون وطننا العزيز ثم يتحدثون بعد ذلك عن حب الوطن والتضحية من أجله فهل يقبل ذلك منهم؟
إنهم كذبة فجرة ولقد ذكرت وكالة شيعة أون لاين أن دولة المجوس تدعم الفكر الليبرالي بالسعودية لمحاربة الإسلام والفكر الوهابي على وجه الخصوص بحسب وصفهم وقد سخرت هذه الوكالة كل إمكانياتها لتشويه صورة السعودية وحكامها لذا علينا أيها الإخوة الحذر من أمثال هؤلاء الخونة لدينهم ووطنهم وأمتهم ، الحذر فيما يكتبونه ويقولونه في وسائل إعلامهم المختلفة من كتب وصحف وفضائيات ووسائل اتصال اجتماعي لأنهم كما قال تعالى (هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون) علينا الحذر من أفكارهم ،من النماذج والقدوات السيئة التي يقدمونها للمجتمع كبديل عن القدوات الحسنة المعروفة في ديننا وتاريخنا وحاضرنا أيضا وختاما لا نقول إلا حمدا لله تعالى الذي كشف حقيقة الفريقين جميعا ومكن الناس من رؤية وجوههم الكالحة على حقيقتها وعرفهم أن هؤلاء من أعدى أعداء الوطن كفانا الله شرهم وكيدهم وجعل الدائرة عليهم ورد سهامهم في صدورهم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) (محمد: 25-30). وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.
خطيب جامع أم الخير بجدة
صالح محمد الجبري
المشاهدات 4291 | التعليقات 4

جزاك الله خيرا


خطبة جليلة و من أجملِ ما فيها نفسُ الإقناع ، وهذا ما يحتاجُهُ المواطن و موضوع الوطنيّة الصادقة ، فإنّ كثيرًا من الخطباءِ يطرحون الموضوح و يزوّدون نفسَ التأثير فيه و المشاعر على حساب الإقناع فلا يجنون شيئًا سوى الشكوك من عامّة الشعب ! . جزاك الله كل خير .


خطبة رائعة
امتازت بالواقعية في الطرح
والتعليل والتدليل في العرض
والتوازن والإنصاف في الفكرة
امضِ قُدُما مع مزيد خطبٍ رائعة
ولك الشكر والأجر


جزاكم الله خير الجزاء على تعليقاتكم المباركة