من المنقول من أجمل الخطب (الأمن ووحدة الكلمة)

عبدالرحمن اللهيبي
1445/03/07 - 2023/09/22 01:17AM

إنَّ الحمدَ لِله.. نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفرهُ، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، منْ يَهدهِ اللهُ فلا مُضلَ لهُ، ومنْ يُضلل فلا هاديَ له.

وأشهدُ ألاَّ إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبينا وسيدنا محمداً عبدهُ ورسوله.. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وأتباعه إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَـمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ r، وشرَّ الأمورِ مُحدثاتُها، وكلَ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ عنهم فمات فميتته جاهلية والعياذ بالله.

عباد الله... الأمنُ والاستقرار ، والطمأنينةُ والأمان.. مطلبٌ ضروريٌ مِن مطالبِ الإنسان؛ ففي ظل الأمن.. يرغدُ العيش.. وتصان الأعراض.. ويتفرغُ الناسُ لمصالحهم، ولعبادةِ ربهم، لذا كانت دعوةُ إبراهيمَ الخليلَ عليه السلام: (رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً... وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ)، فانظر كيف قدّمَ إبراهيم عليه السلام الأمنَ في دعائه على طلبِ الرزق.. لأنه لا يهنأُ للناس عيشٌ بلا أمان.

وقد جعلَ النبيُّ r أصولَ حِيازةِ الدنيا ثلاثةَ أشياء: الأمنُ في الأوطان، والمعافاةُ في الأبدان، والرزقُ والكفاف. قال r: (مَنْ أصبحَ منكم آمنًا في سِرْبِهِ، معافىً في جَسدِه، عندَهُ قُوْتُ يوْمِه، فكأنما حِيْزَتْ لهُ الدُّنيا) رواه الترمذي وابن ماجه.

ولما للأمن من أهمية عظيمة، فقد امتنَّ اللهُ به على الأسلافِ من قريش: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ.. وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).

قال قتادةُ رحمه الله: " كانَ هَذا الحَيُّ مِنَ العَرَبِ.. أذَلَّ النّاسِ ذُلًّا، وأشْقاهُ عَيْشًا، وأجْوَعَهُ بُطُونًا، وأبْيَنَهُ ضَلالَةً، حَتّى جاءَ اللَّهُ بِالإسْلامِ، فَمَكَّنَ بِهِ في البِلادِ، ووَسَّعَ بِهِ في الأرزاق، وجَعَلَهم بِهِ مُلُوكًا عَلى رِقابِ النّاسِ..".

أيها الناس... ولازالت نِعَمُ الأمنِ والأمانِ.. متواليةً مترادفة على المسلمين، وما اُنتقصت.. إلا حين انتقصُ الناسُ مِن دِينهم

فما ضاقت الأرزاقُ، ووقعتِ القلاقلُ والفتنُ، واستُضعِف المسلمون، إلا حين ضربَ الشركُ بأطنابه، وانتشرت الفواحشُ والكبائرُ في بعضِ بلادِ المسلمين.

ولم تكنْ جزيرةُ العربِ بمنأىً عَنْ ذلك؛ فإلى عهدٍ قريبٍ كانت هذه البلادُ مَرتعاً للسلبِ والنهبِ والقتلِ والخوفِ، حتى منَّ اللهُ عليها بدعوةِ التوحيد  فعادتْ البلادُ آمنةً مطمئنةً تُجبى إليها الثمراتُ مِنْ كلِّ مكان، وصارتْ مهوى الأفئدةِ دِيناً ودُنيا، وأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وأمن الحجاج فجاجهم وطريقهم ، وما ذاك إلا ببركةِ دعوةِ التوحيدِ ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر، قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).

ومع ذلك أيها المؤمنون.. فإنه ليس بين اللهِ وبين أحدٍ من خلقه نسبٌ؛ فالأمنُ.. منوط بالإيمان، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ.. أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)، فبالإيمانِ والتقوى.. تكون النِّعمُ والخيرات، وبهما تُفتحُ البركاتُ : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).

وأما إنْ بدَّلَ العِبادُ وغيّروا.. فإنَّ سُننَ اللهِ لا تحابي أحداً، ففي مُحكَمِ التنزيل يقول الحق تبارك وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ جَهَنَّمَ)

والنذرُ الإلهيةُ في كتاب الله لمن بدل نعمة الله كفرا تنخلع لها قلوب المؤمنين ..

فقد توعد الله قوم عيسى عليه السلام حين طلبوا من نبيهم أن ينزل عليه مائدة من السماء إن كفروا بعد ذلك وجحدوا .. فقال تعالى : ((قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ))

فالنعم إذا حلت بالعباد ولم يقابلوها بالشكر والطاعات ومجانبة المعاصي والمنكرات.. جَرَتْ عليه سُنَّةُ الله: قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ.. لأَزِيدَنَّكُمْ.. وَلَئِن كَفَرْتُمْ.. إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).

أيها الناس... إن فعل الطاعات.. سبيلٌ لدوام النِّعمِ والخيرات، وإن المجاهرة بالمنكرات جالبة للنقم والبليات ، وتنقص من الأرزاق والثمرات ، فقد قال تعالى (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا).

وتَعْظُمُ المصيبةُ، إذا كانتِ الذنوبُ تُشْهَرُ ولا تُنْكَر، وتستباح ولا تُبغض، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلُّ أمتي معافىً إلا المجاهرين)،

 وقال ﷺ : (في هذه الأمةِ خَسفٌ ومَسخٌ وقَذفٌ)، قيل: ومتى ذاك؟ قال: (إذا ظهرَت القَيناتُ والمعازِف، وشُرِبَت الخُمور) رواه الترمذي.

فَاحذَرُوا يا عباد الله من أسبابَ البلايا والنقم ، واعلموا أنَّ الأمةَ إذا أرادت النجاة ودوام النعم، فعليها بالعودةِ إلى ربها، والتمسك بدينها ، والمحافظة على قيمها، فكم مِنْ أمةٍ كانتْ آمنةً مُطمئنَّةً تُجبَى إليها ثمراتُ كلِّ شيءٍ، ويأتيها رزقُها رغدًا مِنْ كلِّ مكانٍ... انقلبَت أحوالُها في طَرفةِ عينٍ، فزالت عنها النِّعم، وحلَّت بها البلايا والنِّقم.. فلا نجاةَ إلا بطاعته، ولا أمن إلا باتباع شريعتِه..  قال تعالى : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ.. فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ.. فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون).

باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين..

الحمدُ للهِ حَمدا حَمدا.. والشكرُ للهِ شُكرا شُكرا..

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأشهد أنَّ سيدَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أيها المسلمون: إِنَّ مِن أَجَلِّ النعم عَلَينَا في هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ أَنْ بَسَطَ عَلَينَا أمننا ، وَوَسَّعَ لَنَا في أرزاقنا ، وَتَابَعَ عَلَينَا خيراتنا ، وأكرمنا بوحدة صفنا، واجتماع كلمتنا ، والناس يُتخطفون من حولنا ..

فاحذروا يا عباد الله من موجبات الفرقة والشقاق، وتمسكوا بدينكم وثوابتكم ، وعَضُّوا عليه بالنواجذ ، فإن دينكم هو أغلى ما تملكون، فبه أمنكم ونجاتكم، في دنياكم وأخراكم..

ألا فاتقوا اللهَ عبادَ الله، واحفظوا أمنَكم ووحدتَكم، ووطنَكم وبلادَكم، واحذروا نزع الأيادي عنِ الطاعة، واحذروا مُفارقةَ الجماعة، وخذوا العبرةَ مِمّنْ حولكم، ممن ضاعَ أمنُهم، وتفرَّق شملُهم، وتبدَّدَت وحدتهم، واختلفَت كلمتُهم، والسعيدُ من وُعِظ بغيره، والشقيُّ من وُعِظ بنفسه.

 هذا.. وصلُّوا وسلِّمُوا على عبدِ اللهِ ورسولِهِ.. نبينا محمد.

فقد أمركم بذلك ربكم، فقال قولا كريما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ.. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمدٍ. وعلى آلِ بيتهِ الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أُمهاتِ المؤمنين، وارض عن صحابته الغرِّ الميامين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

 اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين. اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك المُوحِّدين، وكن للمُستضعفين والمظلومين والمنكوبين من المسلمين،

اللهم أدِم على بلادنا أمنَها ورخاءَها، وعِزَّها واستقرارها.

ووفِّق إمامنا ووليَّ أمرنا خادمَ الحرمين الشريفين ووليَّ عهده لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقهم لما فيه عِزُّ الإسلام وصلاحُ المسلمين.

اللهم انشر الأمن والاستقرار في بلادنا وبلاد المسلمين، وادفع عنا الفتن.. ما ظهر منها وما بطن.

اللهم ارحم موتانا، واشف مرضانا، وفك أسرانا، واقض ديوننا، واستر عيوبنا، واغفر ذنوبنا، وأجرنا مِنْ مُضلاتِ الأهواءِ والفتن، ما ظهرَ منها وما بطن.

 (ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار). سبحان ربك رب العزة عما يصفون..

المشاهدات 1076 | التعليقات 0