مَنْ أنظرَ مُعسِرًا ، أو تصدَّقَ عليْه ، أظلَّه اللهُ في ظِلِّه يومَ القِيامةِ
مبارك آل بخيتان
الخطبة الأولى :
الحمد لله الكريم المنان عم خيره السماوات والأرض مجيب لمن دعاه وقريب لمن ناجاه بابه لا يوصد وعينه لا تنام له الأسماء الحسنى والصفات العلى .
أتيناك بالفقر يا ذا الغنى *** وانت الذي لم تزل محسنا
وعودتنا كل فضل عسى *** يدوم الذي منك عودتنا
ثم الصلاة والسلام على أعظم الناس خشية لله نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين .. وبعد :
فأوصيكم بتقوى الله ، فهي أعظم الزاد لسفر الآخرة ، وأعظم ما تفرَّج به الهموم والكروب ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ) .
عباد الله : نقف وإياكم اليوم مع قصة حصلت في زمن التابعين ، يرويها لنا صاحب القصة ، فاسمع ماذا جرى وما هي أحداثها ، في صحيح مسلم : عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِي نَطْلُبُ العِلْمَ في هذا الحَيِّ مِنَ الأنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يَهْلِكُوا، فَكانَ أَوَّلُ مَن لَقِينَا أَبَا اليَسَرِ صَاحِبَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَمعهُ غُلَامٌ له، معهُ ضِمَامَةٌ ( أي: رِزْمَةٌ ) مِن صُحُفٍ، وعلَى أَبِي اليَسَرِ بُرْدَةٌ وَمعافِرِيٌّ، وعلَى غُلَامِهِ بُرْدَةٌ وَمعافِرِيٌّ، وهذا لأن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «ألْبِسوهم ممَّا تَلْبَسون ، وأَطعِمُوهم مما تَأكُلُون » ، فَقالَ له أَبِي وهو أبو التابعي عُبادة الذي ساق لنا هذه القصة : يا عَمِّ، إنِّي أَرَى في وَجْهِكَ سَفْعَةً ( أي: علامةً أو تَغيُّرًا ) مِن غَضَبٍ، فما سَبَبُها ؟ قالَ: أَجَلْ؛ كانَ لي علَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الحَرَامِيِّ ( نِسبةً إلى قبيلته بَنِى حَرَامٍ ) مَالٌ، فأتَيْتُ أَهْلَهُ، فَسَلَّمْتُ، فَقُلتُ: ثَمَّ هُوَ؟ ( أي هلْ هو في الدَّارِ؟ ) قالوا: لَا، فَخَرَجَ عَلَيَّ ابْنٌ له جَفْرٌ ( أي : الَّذِى قارَب البُلوغَ ) فَقُلتُ له: أَيْنَ أَبُوكَ؟ قالَ: سَمِعَ صَوْتَكَ فَدَخَلَ أَرِيكَةَ أُمِّي ( أي : تحت سريرها ) ، فَقُلتُ: اخْرُجْ إلَيَّ ؛ فقَدْ عَلِمْتُ أَيْنَ أَنْتَ، فَخَرَجَ، فَقُلتُ: ما حَمَلَكَ علَى أَنِ اخْتَبَأْتَ مِنِّي؟ قالَ: أَنَا وَاللَّهِ أُحَدِّثُكَ، ثُمَّ لا أَكْذِبُكَ؛ خَشِيتُ وَاللَّهِ أَنْ أُحَدِّثَكَ فأكْذِبَكَ، وَأَنْ أَعِدَكَ فَأُخْلِفَكَ، وَكُنْتَ صَاحِبَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَكُنْتُ وَاللَّهِ مُعْسِرًا. قالَ: قُلتُ: آللَّهِ؟ ( أي : يَستحْلِفُه أنَّه صادقٌ في عُذرِه عن سَدادِ دَينِه ) قالَ: اللهِ، قُلتُ: آللَّهِ؟ قالَ: اللهِ، قُلتُ: آللَّهِ؟ قالَ: اللهِ، قالَ: فأتَى بصَحِيفَتِهِ فَمَحَاهَا بيَدِهِ، فَقالَ: إنْ وَجَدْتَ قَضَاءً فَاقْضِنِي ، وإلَّا أَنْتَ في حِلٍّ، فقد قال رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ : ( مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عنْه، أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ ) .
الله اكبر ما اعظم هذه الدروس من هذه القصة التي غابت في حياتنا إلاّ ما ندر ، والله يقول في كتابه ( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ )
اللهم إنا نعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدَّين، وغلبة الرِّجال.
أقول ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..
الخطبة الثانية :
الحمد لله على احسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه واشهد ان لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله .. وبعد :
فنستفيد عباد الله من هذه القصة عدة أمور :
أولاً / طلب العلم فهذا التابعي عبادة ذهب هو وأبوه الوليد إلى حي من الأنصار يطلبون العلم ويأخذون منهم أخبار رسول الله عليه الصلاة والسلام .
ثانياً / توثيق الديون سواء من صاحب الدين كما مر بنا في القصة ( فأتى بصحيفته فمحاها بيده ) أو سواءً من أخذ الدين حتى لا تضيع حقوق الناس .
ثالثاً / استجابةُ الصحابةِ لرسول الله عليه الصلاة والسلام فإن أبا اليَسَرِ الصحابي ألبس غُلامه مثل ما يلبس البردةُ والمعافري .
رابعاً / أن الله لا يضيع أجر المحسنين فهذا الصحابي الجليل لما علم أن الرجل معسرٌ أسقط عنه هذا الدين وكل هذا رغبةً في هذا الحديث : ( مَن أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عنْه، أَظَلَّهُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يوم القيامة ) .
اللهم ظلنا جميعاً ووالدينا في ظل عرشك يوم القيامة .
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى وأعنهم على البر والتقوى وارزقهم بطانةً صالحةً ناصحةً يا رب العالمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمناتِ والمُسلمين والمُسلماتِ الأحياء منهم والأموات..
اللهم انت الله لا إله إلا انت
انت الرحمن الرحيم .. انت العليم الخبير .. يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث
اللهم اغثنا اللهم اغثنا اللهم اغثنا
اللهم اغث قلوبنا بالإيمان واغث اوطاننا وديارنا بالخيرات والامطار
اللهم انا عبيدك بنو عبيدك نواصينا بيدك ماض فينا حكمك عدل فينا قضائك رفعنا لك اكف الضراعة نرجوك لا تردنا مخذولين ولا عن بابك محرومين
اللهم زدنا من نعيمك .. ومن خيراتك .. ومن بركاتك
اغثنا يا مغيث غيثا مغيثا هنيئا مريئا سحا طبقا مجللا نافع غير ضار
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون