من أنت ؟
شايع بن محمد الغبيشي
من أنت ؟
إنِ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا و أَنْنمْ مُسْلِمُونَ))
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أما بعد:
مَنْ أنت؟ أتعرِفُ مَنْ أنت؟ الكون كلُّه يهتِف باسمِكَ، السماوات وأهلها تهتِف باسمِكَ، الأرضون ومَنْ عليها تهتِف باسمِكَ، الجبال والشجر والطير والدوابُّ لا تفتُر عن اللَّهج باسمِكَ والاستغفار لكَ، فهل عرَفتَ مَنْ أنت؟
محزن جدًّا أن تكون بهذه المنزلة وأنت لا تعرِفُ ذلك.
محزنٌ جدًّا أن تشعُرَ أنك منزوٍ في ناحية من الأرض، والسماوات والأرض كلُّها تفخَر بكَ.
محزنٌ جدًّا أن يتسلَّلَ إلى تفكيرك ألَّا تأثيرَ لكَ، وأنت تُؤثِّر في الكون كُلِّه.
ما أجملَ حياتَكَ! ما أجملَ خطوَكَ! إنه الخطو المبارك، تخرُج من بيتك وكل ذرَّة في الأرض تفرَح بكَ، تشتاقُ إليكَ، وكلُّ مَنْ عليها يلهَج بالدعاء لكَ.
فهل عرَفتَ مَنْ أنت؟
ارفع رأسَكَ، افرَحْ بحياتِكَ، واصِلْ مسيرتَكَ مهما كانت المعوِّقات، تكفيك هذه الهالة من التكريم والتبجيل التي يحُوطُكَ بها الكونُ كُلُّه علويه وسُفليه.
إني أُخاطبكَ أيُّها المباركُ، أعنيك يا معلِّم الخير، هذا هو الحبيبُ صلى الله عليه وسلم يكشف للدنيا كُلِّها عظيمَ مكانتِكَ، فيقول: ((إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جُحْرها وحتى الحوت - ليُصلُّون على معلِّم الناس الخيرَ))؛ رواه الترمذي، وصحَّحه الألباني
حيِّ المعلِّمَ وفِّه التَّبْجيلا مِفتاح خَيْرٍ للعلومِ رسُولا
قُلْ لي بربِّكَ هل علِمْتَ مُكرَّمًا يَرقَى لمن أهدى الرَّشادَ عقُولا
مَنْ مِثْلُه وهَبَ الحياةَ جمالَها وسَعى ليُنقِذَ غافِلًا وجَهُولا
صلَّى عليه اللهُ في عليائه إذ كان يجهد للرَّعيل دَليلا
كم علَّمَ الإنسانَ من آدابِه وهَدَى إلى النُّور المبينِ سبِيلا
كم قادَ في الظَّلماء قلبًا تائهًا وتلا عليه الآيَ والتَّنْزِيلا
وشفَى العليلَ برحمةٍ ومودَّةٍ ما كان يومًا وانيًا وكَسُولا
ملَك القلوبَ فلا تلُمْ نبضاتِها إنْ بادَرَتْ لجَبِينه تَقْبيلا
أهديه حبًّا خالصًا وتَحيَّةً تَغشى المعلِّمَ بُكْرةً وأَصِيلا
أخي، التعليم هو تاجُ الكرامة في الدنيا، ولكن مَنْ يستحقُّ أن يتوَّجَ بهذا التاج؟
إنه كل معلم للخير، حمل همَّ التعليم للجيل والتربية على القيم والأخلاق الفاضلة، كل معلم يحمل همَّ إصلاح الجيل مهما كان تخصُّصه، كل معلم استشعَر أنه قُدوةٌ لطلَّابه، فهو يُربِّي بفعله قبلَ قوله، كل معلِّم أدرك أن الأبناء أمانةٌ عظيمةٌ وحِمْلٌ ثقيلٌ، فهو يجهد في أداء هذه الأمانة، يستولي على تفكيره همُّها في ليله ونهاره، كل معلم تحلَّى بالصَّبْر على طُلَّابه، وكان رفيقًا رحيمًا بهم، كل معلم يلهَج لطُلَّابه بالدعاء بالصلاح والتوفيق، كل معلم أدركَ أنَّ الطريق إلى صلاح طلابه واستفادتهم مِن علمه أن يتسلَّلَ إلى قلوبهم، ويملِك زِمامَها، فهو يجهد في التحبُّب لهم والإحسان إليهم، كل معلم يستكشف مشاكل طُلَّابه ويُسهِم في حَلِّها.
تأمَّلتُ وصفَ عطاء لشيخه سعيد بن المسيب رحمه الله حين قال: دخلتُ على سعيد بن المسيب وهو يبكي، فقلت له: ما يُبكيك؟ قال: ليس أحد يسألني عن شيء
فلماذا بكى سعيد رحمه الله؟
إن سعيدًا رحمه الله يبكي حُرقةً وحزنًا على عدم نشره للعلم، وعدم قدوم السائلين إليه؛ لأنه بذلك قد حُرِم أجرًا كثيرًا، إنه يستشعر عِظَمَ رسالة العالم والمربي، ويعلَم أن كلَّ وقت يخلو مِن عُمره مِن التربية والتعليم خسارةٌ فادحة تستوجب البكاء.
ذلكم هو معلِّم الخير الذي يستحقُّ أن يتوَّجَ بتاج الكرامة، يا معلم الخير، يا حامل مشعل الهداية وراية التربية والتعليم:
قُمْ ناشرًا للنُّور في الأرجاء *** قُمْ فالظَّلامُ يطلُّ كلَّ مساءِ
كُنْ كالصَّباحِ أتى فأشْرَقَتِ الدُّنا *** واللَّيلُ أدْبَرَ جاهشًا ببُكاءِ
والطَّيرُ غرَّدَ والبلابِلُ أنْشَدَتْ *** والوَرْدُ بَثَّ شَذاه في الأرجاءِ
النُّورُ نورُكَ لا تَحِدْ عن نَشْرِه *** الشمسُ أنت توسَّطَت بسماءِ
اللهم وفق المعلمين لما تحب وترضى واجعلهم مشاعر نور وهداية وأصلحهم وأصلح بهم، وبارك في أعمارهم وأهليهم واموالهم، اقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمدُ، مِلْءَ السَّمواتِ، ومِلْءَ الأرضِ، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعدُ أهلَ الثَّناءِ والمجدِ، أحقُّ ما قال العبدُ، وكلُّنا لك عبدٌ، اللهمَّ لا مانعَ لِما أعطَيتَ، ولا مُعطيَ لِما منَعتَ، ولا ينفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدُّ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ:
أما بعد:
أخي المعلم تأمل هذه المعادلة لو صلَح على يديك عشرة من الطلاب فعاش كل واحد منهم 60 سنة كم سيضاف إلى عمر؟ 600 عام أليس كذلك؟ فكيف لو ظفرت في كل عام بمثل هذا العدد، كم سيضاف إلى عمرك ؟
أخي تخيل لو أنك رحلت عن الحياة و لك مثل هذا الرصيد هل رحلت على الحقيقة أم أنك لازلت حياً ؟
تأمل : قال أبو حيان : الذكر الجميل قائم مقام الحياة ، بل هو أفضل من الحياة ، لأن أثر الحياة لا يحصل إلا في الحي، وأثر الذكر الجميل يحصل في كل مكان، وفي كل زمان
وقال ابن دريد : وإنما المرءُ حديثٌ بعده . . . فكن حديثاً حسناً لمن وعى
أخي المبارك، لقد نجح الشيطان في زرع رُوح التذمُّر لدينا من هذه الرسالة النبيلة، وتسلَّل إلينا المللُ والفتور؛ ليَحرمنا كلَّ هذه الخيرات، فهل نقول له: اخْسَأْ عدوَّ الله لن تعدوَ قدرَك!
هل نستشعر عِظَمَ رسالتنا التربوية في الحياة؟ مَن تخرَّج من العلماء والقضاة والأطباء والمهندسين والطيارين ورجال الأمن، كلهم من تحت عباءتك تخرَّجوا، وعلى تعليمك تَرَعْرَعُوا.
يا أيها المعلم الأمانة عظيمة والمسؤولية كبيرة، أنها أمانة جيل ومستقبل أمة فلا تضيع الأمة قال تعالى:{ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } .
الاستعداد للحص والحرص على إيصال النفع للطلاب في أبها صورة أمانة، المحافظة على وقت الحصة أمانة، الحرص على تعليم جميع الطلاب وتفهيمهم أمانة، اليوم الدراسي والمحافظة عليه أمانة.
وفي ظني أنكم أيها المربون أعظم من يقوم هذه الأمانات.
أخي المعلم تذكر أن تؤدي هذه الرسالة تبتغي بذلك وجه الله و أنت أيضاً تتقاضي على هذه الأمانة راتباً شهرياً فاحرص على أداء هذه الأمانة ليكن كسبك حلالاً لتطعم نفسك وأهلك من حلال فيبارك الله لك في مالك ونفسك وأهلك، و حذار حذار أن تضيع الأمانة فيكون كسبك حراما فتطعم نفسك وأهلك من حرام فقد قال صلى الله عليه و سلم : (يَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ أَبَدًا، النَّارُ أَوْلَى بِهِ ) رواه الحاكم و صححه الألباني
اسأل الله الحي القيوم أن يوفقك لما تحب وترضى ويجعل كسبك حلالاً وعمرك مباركاً وسعيك مقبولاً بمنّه وكرمه
وصلوا وسلموا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة و السلام عليه فقال : {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56] اللهم صلى وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
المرفقات
1692273845_من أنت؟.pdf