مِنْ أَسْبَابِ رَفْعِ البَلَاءِ

مبارك العشوان 1
1441/10/26 - 2020/06/18 21:24PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: يَقُولُ اللهُ جَلَّ وَعَلَا: { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }الأنبياء 35

وَيَقُولُ تَعَالَى: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُـونَ }الأعراف 168 يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ، وَالْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ.

عِبَادَ اللهِ: وَقَدْ حَلَّ بِالنَّاسِ هَذَا البَلَاءُ، وَنَزَلَ بِهِمْ هَذَا الوَبَاءُ؛ فَإِنَّهُ لَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا اللهُ: { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ } يونس 107  

لَوِ اِجْتَمَعَ الخَلْقُ كُلُّهُمْ لِيَكْشِفُوهُ، أَوْ يَنْفَعُوا أَحَدًا، أَوْ يَضُرُّوهُ؛ لَمْ يَسْتَطِيعُوا إِلَّا شَيْئًا كَتَبَهُ اللهُ.

يَفْعَلُونَ السَّبَبَ، وَالأَمْرُ لِلَّهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ.

نَزَلَ هَذَا الوَبَاءُ؛ وَانْتَشَرَ فِي العَالَمِ، وَسَعَوا بِكُلِّ مَا يَسْتَطِيْعُونَ، لِلْوِقَايَةِ مِنْهُ، وَالحَدِّ مِنِ انْتِشَارِهِ، وَحَجْرِ المُصَابِينَ...وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَا رَادَّ لِقَضَاءِ اللهِ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا غَالِبَ لِأَمْرِهِ.  

عِبَادَ اللهِ: إِنَّنَا بِأَمَسِّ الحَاجَةِ، وَفِي أَشَدِّ الضَّرُورَةِ، لِمَعْرِفَةِ السَّبَبِ الشَّرْعِي الَّذِي يُرْفَعُ بِهِ البَلَاءُ، السَّبَبِ الشَّرْعِي لِجَلْبِ النِّعَمِ، وَدَفْعِ النِّقَمِ.

أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَسْبَابِ لِرَفْعِ البَلَاءِ: الرُّجُوعُ إِلَى اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ وَقَدْ جَاءَ هَذَا السَّبَبُ فِي عَدَدٍ مِنَ الآيَاتِ؛ وَمِنْهَا قَولُهُ تَعَالَى: { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } السجدة 21 قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: يَعْنِي بِالْعَذَابِ الْأَدْنَى مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَأَسْقَامَهَا وَآفَاتِهَا، وَمَا يَحِلُّ بِأَهْلِهَا مِمَّا يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ لِيَتُوبُوا إِلَيْهِ.

وَمِنْهَا قَولُهُ تَعَالَى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } الروم 41

قَالَ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: فَسَادُ مَعَايِشِهِمْ وَنَقْصُهَا وَحُلُولُ الآفَاتِ بِهَا، وَفِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الأمْرَاضِ وَالوَبَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَتْ أَيْدِيْهِمْ مِنَ الأعْمَالِ الفَاسِدَةِ المُفْسِدَةِ بِطَبْعِهَا.

هَذِهِ المَذْكُورَةُ { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أَيْ: لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ المُجَازِيْ عَلَى الأعْمَالِ فَعَجَّلَ لَهُمْ نَمُوذَجًا مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عَنْ أَعْمَالِهِمْ الَّتِي أَثَّرَتْ لَهُمْ مِنَ الفَسَادِ مَا أَثَّرَتْ، فَتَصْلُحُ أَحْوَالُهُمْ وَيَسْتَقِيمُ أَمْرُهُمْ. فَسُبْحَانَ مَنْ أَنْعَمَ بِبَلَائِهِ وَتَفَضَّلَ بِعُقُوبَتِهِ وَإِلَّا فَلَو أَذَاقَهُمْ جَمِيْعَ مَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ.

أَلَا فَارْجِعُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى اللهِ، تُوبُوا جَمِيعًا إِلَى اللهِ.

كُلُّنَا نُخْطِئُ؛ وَكُلُّنَا مَأمُورُونَ بِالتَّوبَةِ؛ وَقَدْ جَاءَ فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: ( يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

كُلٌّ يُحَاسِبُ نَفْسَهُ؛ وَلَا يُلْقِي بِاللَّومِ عَلَى غَيْرِهِ.

حَاسِبْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ؛ فَأَنْتَ أَعْرَفُ بِخَيْرِهَا وَشَرِّهَا؛  وَلَو ظَنَّ بِكَ النَّاسُ مَا ظَنُّوا، وَلَو أَكْرَمُوكَ وَقَدَّرُوكَ وَقَدَّمُوكَ، وَأَثْنَوا عَلَيْكَ، فَلَيْسَ لَهُمْ إِلَّا مَا تُظْهِرُهُ؛ أَمَّا تُخْفِيهِ وَمَا تَخْلُوا بِهِ، فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِنَفْسِكَ، وَلَا يَخْفَى عَلَى اللهِ تَعَالَى شَيءٌ مِنْ سِرِّكَ وَجَهْرِكَ؛ { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ }الرعد 10

حَاسِبْ نَفْسَكَ يَا عَبْدَ اللهِ؛ مَا حَالُكَ مَعَ وَاجِبَاتٍ فَرَّطْتَ فِيْهَا؟! وَمُخَالَفَاتٍ تَهَاوَنْتَ بِهَا وَأَصْرَرْتَ عَلَيْهَا؟!

حَاسِبْ نَفْسَكَ هَلْ غَيَّرْتَ مِنْ حَالِكَ شَيْئًا؟!

اعْلَمْ وَفَّقَكَ اللهُ: ( أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا. ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

أَسْألُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُوَفِّقَنَا جَمِيْعًا لِتَوبَةٍ صَادِقَةٍ؛ وَرُجُوعٍ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ. وَأَنْ يُبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَيَنْفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

الخطبة الثانية:  

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ. أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ رَفْعِ البَلَاءِ؛ سَوَاءً هَذَا الوَبَاءَ أَوْ غَيْرَهُ:

الدُّعَاءُ؛ يَقُولُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ: وَالدُّعَاءُ مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ، وَهُوَ عَدُوُّ الْبَلَاءِ، يَدْفَعُهُ، وَيُعَالِجُهُ، وَيَمْنَعُ نُزُولَهُ، وَيَرْفَعُهُ، أَوْ يُخَفِّفُهُ إِذَا نَزَلَ، وَهُوَ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ. اهـ.

فَعَلَيْكُمْ بِالدُّعَاءِ – وَفَّقَكُمُ اللهُ - أَكْثِرُوا مِنْهُ؛ وَأَلِحُّوا عَلَى اللهِ؛ وَالْجَأُوا إِلَيهِ؛ فَمَا لَجَأَ إِلَيْهِ مُظْطَرٌ إِلَّا كَشَفَ مَا بِهِ: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } النمل 62 

نَادَاهُ أَيُّوبُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَبَّهُ: { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّــرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ } وَنَادَاهُ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: { فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }  وَنَادَاهُ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ: { رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ } وَهَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَذْكُرُ تَعَالَى دُعَاءَهُمْ لَهُ وَاسْتِجَابَتَهُ لَهُمْ.

فَاللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا مِنْ كُلِّ هَمٍ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرجًا وَمِنْ كُلِّ بَلَاءٍ عَافِيَةٍ.

اللَّهُمَّ ارْفَعْ وَبَاءَ كُورُونَا وَسَائِرَ الأَوْبِئَةِ عَنَّا وَعَنْ بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ اصْرِفْهَا عَنَّا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المشاهدات 1309 | التعليقات 0