من أسباب تغيير حال المسلمين

محمد النومان
1437/03/19 - 2015/12/30 22:42PM
بسم الله الرحمن الرحيم
من أسباب تغيير حال المسلمين
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , و أشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد , و أشهد أن محمدا عبده و رسوله الناصح الأمين صلى الله عليه و على آله و صحبه و تابعيهم بإحسان و سلم تسليما ،،
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ... }
أيها الناس / إن حال أمة الإسلام اليوم وما آلت إليه تلك الحالُ من تفكك وضعف ومذلة هي حال تدعو للأسى, لا سيما إذا تذكرنا أمجاد أمتنا يوم أن كانت تتبوأ مكان العزة والكرامة، تسود ولا تساد، تقود ولا تقاد، تأمر بأمر الله فتطاع، وتنهى بنهي الله فلا تعصى، ذلت لها الأمم ودانت لها الدول، وكانت مضرب المثل بين الأمم ، لا بالقوة فحسب، بل بالأمن والإيمان والعدل و الكرامة، إلى أن كان ما كان من تغير أحوال وتبدل مقامات, حتى صارت إلى ضعف , و أصبح كثير من المسلمين عبرة للمعتبرين بعد أن كانوا قدوة للعالمين.
عباد الله / إن تغير أحوال المسلمين إلى الأفضل , مرهون بتغيير أنفسهم إلى ما يرضي الله تعالى كما قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } فمتى غير المسلمون أحوالهم وأصلحوا شؤونهم بدل الله حالهم إلى أحسن حال، ورفع شأنهم وأعلى مكانتهم.
والناظر بعين الاعتبار إلى أحوال الناس قبل ظهور الإسلام , يرى عجائب وغرائب من الجهالات والظلمات التي أضلت كثيرين عن طريق الهدى والرشاد، فالأصنام تدعى وترتجى، ومجالس الخمر معمورة صباح مساء، والظلم مرفوعة رايته وقد ولغ فيه كثيرون. فبينما هم في ظلمات الجهل و دركات الفوضى , بعث الله محمدًا r ، فأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور، ومن الذل والمهانة إلى العزة والمكانة، فأمسكوا بزمام الأمور، و سعوا في نشر هذا النور , فتوالت الفتوحات والانتصارات، ولم يزالوا في رفعة وعزة بسبب تمسكهم بدينهم. إلى أن تقادم الزمن و اشتغلوا بدنياهم عن دينهم , فبدأ الضعف يدب إليهم ، ويزداد ضعفهم بقدر ابتعادهم عن دينهم , إلى أن وصلوا إلى ما هم عليه الآن من تكالب أعداءِ الإسلام .
عباد الله / ومن أعظم أسباب ضعف المسلمين وقوة عدوهم الإعراضُ عن حكم الله تعالى , والجهل به في كثير من بلاد المسلمين, حتى أصبح أمر التوحيد غريبًا في كثير من بلاد الإسلام، فكيف يرجى النصر وقد أقصيت الشريعة و عطلت الحدود في كثير من بلاد المسلمين؟! وكيف يرجى النصر والقبور تدعى من دون الله؟! وكيف يرجى النصر و كثيرون يترددون على أبواب السحرة والمشعوذين ؟! وكيف يرجى النصر وقد أضيعت الصلاة في كثير من مساجد المسلمين؟! فهذه الأمور أشد فتكًا في المسلمين من أعدائهم. يضاف إلى هذه الأسباب الإعجاب والتبعية المطلقة لأعداء الإسلام ومحاكاتهم في كثير من شؤونهم .
عباد الله / إن تغيير تلك الحال المخزية المزرية لا بد له من أسباب، أعظم تلك الأسباب التمسك بالكتاب والسنة منهجًا وعقيدة، ففي ذلك الفلاح كله والخير كله، فلا فلاح إلا بالأخذ بهما وتحكيمها في جميع مجالات الحياة {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران: 132] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]، وقال r: ( تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي) والنصوص في هذا المعنى كثيرة كثيرة.
فالتمسك بالكتاب والسنة من أعظم أسباب الفلاح في الدين والدنيا، و من لازم التمسك بهما محاربة البدع والتحذير منها، وعدم الغفلة أو التهوين من شأنها مهما صغرت، فإن البدع إذا غفل عنها زاد انتشارها.
ومن أسباب عزة الأمم ورفعتها الالتفاف حول علماء الأمة الراسخين في العلم, المعروفين بصلاح المعتقد وسلامة المنهج، فالقرب من أولئك والاستئناس بآرائهم والصدور عن رأيهم فيه مصلحة عظيمة للأمة وشبابها، فالعلماء الراسخون أدرى الناس بمعالجة قضايا الأمة، وهم أبصر الناس بمجاراة واقعها وإيجاد الحلول الناجعة لها، فأولئك الثلة من العلماء لا تصدر آراؤهم إلا بعد النظر في النصوص الشرعية، فثوابهم مضاعف مأجور، وخطؤهم أيضا مأجور، قال r: (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) أخرجه البخاري.
عباد الله / ومن أسباب تغيير الحال أيضًا الاطلاع على تاريخ المسلمين المجيد التليد، لا من باب التسلية والمواساة والتواكل، بل من باب شحذ الهمم وبعث العزائم، وكيف كان المسلمون الأوائل أقوياء حسيًا ومعنويًا، وكيف كان تمسكهم بدينهم واعتزازهم به سببا دانت لهم به الأمم وخضعت لهم الأعداء، نصروا الله فنصرهم، وأعزوا الإسلام فأعزهم الله به. فوالله لو نصر المسلمون دينهم لنصرهم ربُّهم، فالله تعالى لا يخلف الميعاد، {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، أما إن كانت الأخرى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].
و من أسباب تغيير الحال الحذر من اليأس والقنوط وقتل الهمم والعزائم؛ لكثرة ما يُرى ويُسمع من مصاب الإسلام في أي مكان أو زمان، فعلى المسلم أن ينبذ عن نفسه اليأس والقنوط ، وأن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يستشعر معاني الآيات المحذّرة والمرهبة من اليأس، كقوله تعالى: { لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53]، وقوله تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ [الحجر: 56]، وقوله تعالى: {وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف: 87]. وعلى المسلم أيضًا أن يتذكر النصوص المبشرة والدالة على حصول اليسر بعد العسر: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } [البقرة: 214].
عباد الله / ومن أسباب تغيير الحال استشعار المسؤولية من كلّ فرد من أفراد المجتمع، وذلك بأن يشعر كل واحد من المسلمين مهما كان موقعه وشأنه أنه مسؤول ومساءل، فيبدأ بإصلاح نفسه وبيته، ثم تتسع دائرة الإصلاح حتى تشمل جلساءه وجيرانه ومجتمعه. وليعلم كل واحد منا أنه على ثغر من ثغور الإسلام ، فليحذر أن يؤتى الإسلام من قبله ، فعلى الكاتب أن يسخِّر قلمه لخدمة الإسلام ونصرته، وعلى التاجر أن يراقب الله في تجارته بيعًا وشراءً، و أن يناصح التجار الآخرين , وعلى المسؤول في أي موقع أن يستشعر مرضاةَ الله في جميع شأنه، وعلى أفراد المجتمع جميعًا التعاون على البر والتقوى، ومن أعظم ذلك بذل التناصح بينهم، و تعظم مسئولية ذلك أكثر على من أوتو نصيبا من العلم ، فعليهم المبادرة بنشر الخير وبالنصح في المساجد والمحافل بعلمٍ وحلمٍ ورفق. وعلى كل من منَّ الله عليه بالصلاح أن يبادرَ بنصحِ من قصّر في الطاعة؛ فعلى أهل الجمعة والجماعة أن يتفقّدوا بيوتهم وجيرانهم وأصحابهم، فمن كان مقصّرًا في الصلاة منهم أن يبادروه بالنصح والترغيب في الخير والترهيب من وخيم عاقبة المعصية، فعلى كل مسلم أن يبادر ببراءة ذمته بالنصح والمثابرة، عليه بمكاتبة المسؤولين وزيارتهم عند حدوث منكر، كل ذلك بعلم وبصيرة.
عباد الله / إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب خيرية الأمة، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [آل عمران:
فاجتناب المعاصي والتحذير منها من أعظم أسباب فلاح الأمة؛ فالمعاصي مفتاح لكل شر ومغلاق لكل خير، وبسببها يتصدع كيان الأمة وتزول هيبتها، قال r: (إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع واتبعتم أذناب البقر وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم).
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و صحبه و تابعيهم بإحسان و سلم تسليما .. أما بعد :
فـأوصيكم و نفسي المقصرة بتقوى الله عز و جل في السر و العلن
عباد الله / ومن أسباب فلاح الأمة التنبه لمكائد الأعداء – في الداخل و الخارج - والحذر منها ؛ لأن المكائد إذا غفل عنها فإنها تتنامى وتزداد بحسب تجاهلها و الغفلة عنها، وفي الوقت نفسه تتبلّد أحاسيس كثير من الناس تجاهها، ثم يستمرئونها ويتأقلمون معها. و اعلموا أن كيد شياطين الإنس والجن مستمرّ في شره و مستفحل في خطره، والواجب على كل مسلم أن يحذر ويحذّر من الانخداع بكيدهم و مكرهم .
عباد الله / ومن فلاح الأمة وقوتها عدم التهويل من شأن العدو إلى حدّ إدخال الرعب في قلوب الآخرين، وذلك بذكر عدد العدو وعدته وعتاده بصورة تظهره بمظهر القوة التي لا تقهر، فهذا مما يسبب الإحباط و اليأس من النصر. ولا شك ولا ريب أن هذا من الخطورة بمكان؛ إذ إن الهزيمةَ النفسيةَ أعظم من الهزيمة الحسية، فالهزيمةُ الحسيةُ مؤقتة بوقت تزول بزواله، أما المعنوية فتبقى ملازمة أصحابها أمدًا طويلاً.
فالحذر الحذر من التضخيم والمبالغة في تهويل العدو، بل الأولى بالمسلم أن يكون سببًا في شحذ الهمم والعزائم وحث النفس على حسن الظن بالله تعالى، وكذلك على فعل ما يستطاع من الأسباب والوسائل التي تكون عونًا بعد الله تعالى في هزيمة العدو وكسر شوكته، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]. ومن أسباب النصر أيضًا التفاؤل والقطع بأن النصر للإسلام وأهله، كما جاءت بذلك النصوص الكثيرة التي تدل دلالة واضحة على ذلك، من ذلك قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
وعن ثوبان رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله r: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها) أخرجه مسلم. ومن ذلك أيضًا قوله r: ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر ) أخرجه الإمام أحمد وغيره .
عباد الله / صلوا على البشير النذير نبينا محمد بن عبد الله , اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك وخير خلقك محمد وأرض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وارض اللهم عنا وعن والدينا وعن جميع المسلمين .. اللهم اعز الإسلام وانصر المسلمين و أذل الكفرة و المنافقين .. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا .
عباد الله / اذكروا الله يذكركم , واشكروه على نعمه التي لا تحصى يزدكم
منها ويبارك لكم فيها ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون.
المشاهدات 2166 | التعليقات 1

مرحبا بالشيخ محمد النومان وحياك ربي بين إخوانك وأهلا وسهلا بك بين محبيك والذي يفترض أن كنت بينهم من زمن في هذه الملتقى المبارك والنافع بأمثالكم لا حرم الله أجر من كتب فيه وشارك وزار وأشار.