من أخلاق الإسلام : النصرة

1434/06/28 - 2013/05/08 08:13AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره؛ ونعوذ بالله من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فأيها المسلمون: اتقوا الله واخشوه وأطيعوا أمره ولا تعصوه ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ )

عباد الله : الأخلاق عماد الأمم وقوام الشعوب ومعيار الحياة الآمنة وشعار المدنية الفاضلة
والأخلاق مرتبطة ٌ بالإيمان وجوداً وعدماً وقوة وضعفا , و الله سبحانه وتعالى حينما أرسل رسله إلى الناس جعل تمكين الأخلاق الفاضلة من أصول رسالاتهم حتى تستقيم الحياة وينعم الناس بالحرية والكرامة والآمان
وحيثما يوجد الإيمان مع العمل الصالح توجد الأخلاق الكريمة والحياة المطمئنة
يقول الله تعالى( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كان يعملون )
وفي المقابل حيثما كان الكفر والضلال والظلم والطغيان تكون أزمة الأخلاق .
والعالم اليوم مع بعده عن منهج الله القويم يعاني أزمة أخلاقية في جوانب الحياة المختلفة .
إن مفهوم الأخلاق ـ أيها المسلمون ـ مفهومٌ واسع وهو شاملٌ لمناحي الحياة المختلفة
من صدق الحديث والوفاء والأمانة والكرم والصفح والعفو والقصد والعفاف وسلامة الصدر من الأحقاد والحياء والإخاء والرحمة والعطف واحترام الرجال وكف الأذى والثبات على المبدأ وغيرهما .
ومن الأخلاق الإسلامية ـ أيضاً ـ النصرة ُ .. ونعنى بالنصرة تلك الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم المستضعف أو لمد يد العون إليه
وبقدر إحساس المسلم بحال أخيه وبقدر المساعدة والعون يكون معيار الأخوة لأن الأخوة الإيمانية ضريبتها النصرة وعلامتها النصرة وآثارها النصرة .
أيهـا المؤمنون: القائم بحق النصرة والمتخاذل عنها كلٌ منهما سيلقى ثمرة ذلك في الدنيا قبل الآخرة جزاءَ وفاقا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك { ما من امرئ يخذل امرءاً مسلما عند موطن ٍ تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلاَ خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر امرءاً مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلاَ نصرة الله في موطن يحب فيه نصرته } رواه الإمام أحمد
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ٍ كان منها نصرُ المظلوم والله تعالى أوجب نصرة من طلب النصرة بقوله جلا وعلا { وإن استنصركم في الدين فعليكم النصر }
.. ويصف ابن الجوزي الظلم بأن المعصية فيه أشد من غيرها معللاً ذلك بقوله { لأنه لا يقع غالباً إلاَ بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار } .
والمسلم ـ يأخى المسلم ـ لا يرضى بأن يُظلم أخوه المسلم أو أن يتخلى عنه وهو قادرٌ على نصرته ناهيك عن مباشرة الظلم وإيقاع العدوان بالأخ المسلم والعياذ بالله
ففي صحيح البخاري يقول الرسول صلى الله عليه وسلم { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلمٍ كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة } .
أيها المسلمون : لقد كان أبناء الجاهلية يتناصرون في الخير والشر وأراد الإسلام لهذا الخلق أن يستمر بوجهه الخيَر معطياً له معنى جديدا
ففي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم { انصر أخاك ظالماً أو مظلوما فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما أما رأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟ قال : تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره } .
والحذر الحذر ـ أيها الأخوة ـ من العصبيات المقيتة والنعرات الجاهلية التي لا يحكمها الإسلام ولا تتحاكم إلى العدل والميزان , لقد أمرنا بأن ندعها لأنها فتنه
ولقد شبه الرسول صلى الله عليه وسلم حال صاحب العصبية كالبعير الذي سقط في هوّة فهو ينـزع بذنبه ، ولا يُقْدَرُ على خلاصه بقوله{ من نصر قومَه على غير الحق فهو كالبعير الذي رُدَى فهو ينزع بذنبه } والحديث رواه أبو داود وصححه الألباني رحمه الله .
ونصرة المسلمين ونصرة الأخ في الإسلام ـ أيها المسلمون ـ يكون بكل وسيلة ٍ مشروعة
يكون بالوقوف معه وبيان الحق للمخالف , والتعريف بقضيته يكون بالشفاعة الحسنة والكلمة الطيبة ,
يكون بالمال والنفس والجاه وكل مستطاع
وما أحوج المسلمين اليوم إلى نصرة الأخوة في فلسطين وسوريا وبورما وكثير من بلدان المسلمين ,
وما أحوج بعض أفراد المسلمين إلى النصرة ممن هم في حاجة ماسة إلى مساعدة ٍ مالية لسداد دين أو مؤونة زواج أو تحسن حال أو رفع فقر .
فنصرة المسلمين واجبة وخذلانهم محرم , ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم
ولا بأس على المسلم أن يطلب النصرة في حالة حاجته فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يعرضُ دعوته في المواسم بمنى كان يقول { من يؤويني ؟من ينصرني ؟ } وحين بويع بيعة العقبة اشترط النصرة , وحتى ورقة بن نوفل كان يقول له في مطلع الرسالة { وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراَ } رواه البخاري في صحيحه.
والله عز وجل قادر ـ وهو القادر ـ على أن ينصر رسوله لكنه ترك للمؤمنين حظاً في النصرة يؤدونه ويسألون عنه ويؤجرون عليه قال تعالى { هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين } ,
ووصف الله سبحانه المفلحين بأنهم هم الذين { آمنوا به وعزروه ونصروه } ولقد شُرع للمؤمن أن يدعو بالنصرة كما في الحديث { رب أعنى ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي } واشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجالسين على قارعة الطريق أن يتحملوا ضريبة جلوسهم هذا بقوله لهم { إن أبيتم إلاَ أن تجلسوا فاهدوا السبيل وردوا السلام وأعينوا المظلوم } رواه الإمام أحمد في مسنده .
ولقد أثنى عمرو بن العاص رضي الله عنه على الروم وهم كفار بخصال استحسنها فيهم فقال : إن فيهم لخصالاً أربعاً : إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد معصية وأوشكهم كرة بعد فرة وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامسة حسنة جميلة : وأمنهم من ظلم الملوك } والحديث رواه مسلم في صحيحه
والمسلمون أحرى وأولى من الكافرين في إقامة العدل ونصرة المظلوم وإعانة المسكين واليتيم والضعيف .
ألا فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ وكونوا أنصار الله بنصرتكم للحق ونصرتكم لأخوتكم المسلمين عند ظلمهم وضعفهم وهوانهم على الناس
واتقوا الله الذي انتم به مؤمنون
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم }
المشاهدات 1845 | التعليقات 0