من أخطاء الصائمين | د. محمد العريفي

،

من أخطاء الصائمين

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وإن كل محدثة بدعة ، وإن كل ضلالة في النار .

أيها الإخوة الكرام :
لا يزال الناس يعيشون نسائم هذا الشهر الكريم الذي أنزل الله فيه القران{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ}.
وقد بين الله عز وجل أنه لفضل الصيام فرضه حتى على الأمم السابقة :{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ }.

وصفّد الله تعالى في رمضان الشياطين وغلّق أبواب النيران وفتح أبواب الجنان ، ولله في كل ليلة عتقاء من النار ، وللجنة باب يقال له الريان يدخل منه الصائمون فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل أحد غيرهم .

وجعل الله دعاء الصائم مستجاباً وله عند فطره أيضاً دعوة مستجابة .
والصيام جنّةُ يستتر بها العبد من النار .
ومن فضائل الصيام أن الله تعالى اختصه بنفسه فقد قال صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى: كلُ عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " . رواه البخاري ومسلم .

أيها الأحبة الكرام :
نقفُ اليوم على بعض المخالفات والأخطاء التي تقع من بعض الصائمين .
ومن هذه الأخطاء أنّ بعض الصائمين يتساهل بالفطر في رمضان بغير عذر يبيح له ذلك روى النسائي أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الرؤيا التي رآها: " ثم انطلَقَ – أي جبريل - بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقُهم تسيلُ أشداقهم دماً قال قلت: من هؤلاء قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحَلَة صومهم " .
فإذا كان هذا عقاب من صام لكنه قبل أن يؤذن عليه المغرب أفطر تساهلاً ، فما بالك بمن يتساهل بالأكل والشرب آمناً مطمئناً غير معذور بعد طلوع الفجر أو قبل غروب الشمس .

ومن الأخطاء أنّ بعض الصائمين يتأخر عن صلاة المغرب لانشغاله بطعام الإفطار وقد كان النبي صلى الله عليه و آله وسلم " إذا أذن المغرب أفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فتمرات فإن لم تكن حسَى حسواتٍ من ماء" رواه أحمد وأبوداود .

فَيُمْكن للصائم أن يفطر على شيء يسير ثم يخرج لصلاة المغرب ويدرك الركعتين قبلها ويدعو بماشاء الله ، فإذا صلى مع الإمام مطمئناً رجع بعد ذلك فأكمل إفطاره .

ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يسرف في الأكل والشرب عند إفطاره فتسبب له تخمةً وامتلاءً تشغله وقت صلاة التراويح وربما سمعت أصوات الجُشاء مراراً من الناس أثناء الصلاة أو شعرت أثناء ركوعهم أو سجودهم بأصوات تدل على امتلاء بطونهم أو رغبتهم أن يخفف الإمام عنهم و "بحسب ابن آدم لقيمات يُقمْن صُلبَه" . رواه الترمذي .

ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يتجنب الطيب أثناء صيامه ظاناً أن الطيب يقدح في صيامه وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه الطيب وكان يتطيب في كل أحواله سواء كان صائماً أو غير صائم فهو مستحب في كل الأوقات لكن الذي نبّه عليه الفقهاء هو استنشاق البخور؛ لأن له جزيئات قد تنفذ الى الجوف مع الّنفَس ، أما لو وُضع البخور في المسجد مثلا فشمه الناس جميعا دون أن يقرب أحدهم أنفه إلى المبخرة ويستنشق فهذا جائز.

ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يظن أنه إذا جُرِح وخرج منه الدم فسد صومه ، والصواب أن خروج الدم من الصائم لايفسد صومه إلا إذا أخرجه متعمداً وكان كثيراً ، أما إذا خرج الدم من غير عمدٍ كأن تصاب المرأة بجرح أثناء عملها في تجهيز الإفطار فهذا لا يؤثر في صومها سواء كان كثيراً أو قليلاً ، وكذلك لو أخرج دماً قليلاً متعمدا لا يفسد صومه .

ومن الأخطاء أن بعض الناس يبدأ صلاة التراويح مع الإمام فإذا زاد الإمام عن إحدى عشرة ركعة انصرف المأموم عن الإمام قبل أن ينتهي الإمام من التراويح والوتر بزعم أن الإمام قد خالف السنة بزيادته الركعات عن إحدى عشرة وهذا يفوت على المأموم أجراً عظيماً قال عليه الصلاة والسلام : " من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " . رواه الترمذي وأبو داود والنسائي .
وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدمَ من ذنبه " .متفق عليه .
فإذا تعمد المأموم أن يخرج أثناء صلاة التراويح مفارقاً لإمامه فاته هذا الفضل .

وسواء صلى المرء إحدى عشرة ركعة وهو السنة، أو صلى ثلاثاً وعشرين كما أمر عمر رضي الله عنه أُبَي بنَ كعب أن يصلي بالناس في زمانه، فكان سنة للخلفاء الراشدين فلابأس في ذلك والله تعالى قال : {قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} والنبي عليه الصلاة والسلام قال: " من قام رمضان إيماناً واحتساباً " فمدح القيام بحد ذاته سواء كان إحدى عشرة ركعة كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل وهو الأفضل وإن زاد جاز .

ومن الأخطاء أن بعض المصلين إذا جاء لصلاة العشاء متأخراً والإمام قد بدأ بالتراويح فإن بعضهم يجتمعون في زاوية من المسجد ويصلون العشاء جماعة والإمام يصلي التراويح ، والصواب: أن يدخلوا مع الإمام بنيّة صلاة العشاء، فإذا سلم الإمام من ركعتين قام المأموم فأتى بالركعتين الباقيتين لصلاة العشاء .


أيها الأحبة الكرام :
وبعض الناس يذهبون لمساجد بعيدة أصوات أئمتها حسنة ، وهذا لا بأس به ، لكن بعضهم يتأخر وتفوته صلاة العشاء وبعض التراويح فلا ينطبق عليه " من قام رمضان إيمانا واحتسابا " لأنه لم يقم صلاة التراويح كاملة ويفوت تكبيرة الإحرام وربّما فوّت الصلاة في الصفوف الأولى.

ومن الأخطاء مداومة بعض المصلّين بعد الفراغ من الدعاء في القنوت أو غيره بمسح وجهه بيديه .
قال بعض العلماء : إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء وردت فيه أحاديث ضعيفة لكنها في مجموعها وتنوّع روايتها وطرقها تدل على أن لهذا الفعل أصلاً ، فلو مسح وجهه بيديه أحيانا فلا بأس .

ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يؤخّر وقت صلاة الظهر أو العصر عن وقتها لغلبة النوم والله تعالى يقول : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون} .
وسئل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أيُّ الصلاة خير ؟
قال: " الصلاة على وقتها " .
وفي رواية : " الصلاة في أول وقتها " ( رواه البخاري ومسلم ).
وبعضهم يجعل رمضان نوماً وكسلاً في النهار وسهراً في الليل مع أنّ رمضان أيام معدودات شاهدة للطائعين بطاعتهم وعلى الغافلين بغفلتهم .

ومن الأخطاء أيها الإخوة الكرام أن بعض الصائمين لا يعجّل الإفطار ، فتجد أنه يسمع أذان المغرب وهو لا يشعر بجوع أو عطش ، أو يكون مشغولاً بشيء فيبدأ الأذان وينتهي وهو لم يفطر وهذا خلاف السنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لايزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " متفق عليه.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عجلوا بالإفطار وأخروا السحور " رواه الطبراني، فجعلها النبي صلى الله عليه وسلم سنة من السنن .

ومن الأخطاء أن بعض الصائمين يغفل عن الدعاء وقت الإفطار والسنة أن يدعو الصائم عند إفطاره ، فقد روى أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاثةٌ لا ترد دعوتهم ، دعوة الوالد ، ودعوة الصائم ، ودعوة المسافر " . وفي رواية قال : " ودعوة الصائم عند فطره "
وبعد أن ينتهي من إفطاره يقول : " الحمد لله ، ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله " كما رواه أبو داود في سننه .
فتحمد الله أن يسر لك الصوم ، وأصح بدنك ، وجعلك مسلماً تدرك رمضان طائعاً لا فاجراً ، ولا متكاسلاً عن الصيام .. فالحمد لله على ذلك ، كل هذه المعاني يستشعرها قلبك وأنت تَحمَدُ رباً يحب أن يُحمَد .

أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وأن يتقبل الصيام والقيام ، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .



الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا رسول الله الداعي إلى رضوانه ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى إخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستنّ بسنته إلى يوم الدين أما بعد :

أيها الإخوة الصائمون :
ومن الأخطاء أن بعض النساء كالحامل أو المرضع تفطر في رمضان بلا ضرورة وهذا خطأ ، فالمرأة الحامل أو المرضع إذا كان الصوم يتعبها جداً أو يتعب ولدها بحيث ينقص حليبها فتتعب ويتضرر ولدها أو إذا صامت الحامل شعرت بحركة الطفل ضعيفة في بطنها وخافت عليه أن يتأثر بضعف جسدها فهنا يجوز الفطر قياسا على المريض .
ولا ينبغي أن تتساهل الحامل أو المرضع بالفطر إلا إذا احتاجت إلى ذلك .

ومن أخطاء بعض الصائمين التفريط في أكلة السحور والسنة تأخير السحور لقبيل الفجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: « لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور » متفق عليه ، فينبغي أن يستيقظ قبل الفجر ويتسحر ولو على تمرات أو غيرها ، ونعم سحور المؤمن التمر.

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن ييسّر لنا صيامنا وقيامنا وأن يتقبله منا وأن يجعلنا الله تعالى من المقبولين في هذا الشهر الكريم .
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين .
اللهم اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا اللهم من كان منهم حيّاً فمتّعه على العافية وحبك وطاعتك حتى يلقاك ومن كان منهم ميتاً فوسّع له قبره وضاعف له أجره وتجاوز عن سيئاته يا ذا الجلال والإكرام .

اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ، ولا همّاً إلا فرّجْته ، ولا دَيناً إلا قضيته ، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته ، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين .

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت إلى إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، سبحان ربك ربّ العزّة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمدُ لله رب العالمين.

عباد الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين.




الخطبة السابقة
الرفق في التعامل مع الناس


المرفقات

1321.doc

المشاهدات 2695 | التعليقات 0