من أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه

د. عبدالله بن حسن الحبجر
1440/04/12 - 2018/12/19 11:20AM

بسم الله الرحمن الرحيم

(من أخطأته هذه العشر فلا يلومن إلا نفسه)  1440/4/7

 الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام الأتمان على خاتم الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبدالله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعلكم لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم )

عباد الله : إن من المتقرر أن كل بنى آدم خطاء ، لكن خير الخطائين التوابون، فالذنب يؤرق المومن بالله وبصدق موعوده وما أعد في الآخرة من الجنة والنار، فيخاف أن يحول بينه وبين الجنة ذنب أو خطيئة، فيحرص على كل عمل صالح يقرب إلى الله لعله أن يتجاوز عنه .

وههنا مسألة ربما تدور في خلد كثير من المسلمين حول هذه المسألة .

ما الأعمال التي بعون الله تكون مكفرة لهذه الذنوب والخطايا؟

ما السبيل إلى رجوع صحائف الأعمال إلى نقائها وبياضها بعد أن أسود شيء منها بأثر من آثار الذنوب والخطايا؟

هل هي باب واحد فقط ؟ يستوي فيه جميع الناس لتكفير السيئات ، ليتحقق لهم المطلوب وينجو من المرهوب؟

أم أنها برحمة أرحم الراحمين أبواب متعددة يلتمسها ويحرص عليها كل موفق لينجو من تبعات كل ذنب وخطيئة؟

إليك الجواب مختصرا ومفندا ومفصلا بفهم إمامين جليلين ، وعالمين محققين ، أحدهما : شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله حيث يقول ما نصه (1) :

( والمؤمن إذا فعل سيئة فإن عقوبتها تندفع عنه بعشرة أسباب:

أن يتوب فيتوب الله عليه ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.

أو يستغفر فيغفر له.

أو يعمل حسنات تمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات.

أو يدعو له إخوانه المؤمنون ويستغفرون له حيا وميتا.

أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه الله به.

أو يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.

أو يبتليه الله تعالى في الدنيا بمصائب تكفر عنه.

أو يبتليه في البرزخ بالصعقة فيكفر بها عنه.

أو يبتليه في عرصات القيامة من أهوالها بما يكفر عنه.

أو يرحمه أرحم الراحمين.

فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن إلا نفسه)

أما تلميذه ابن القيم رحمه الله رحمة واسعة فقد ذكر تلك الأسباب مع المراحل التي يمر بها الإنسان فقال :

التمحيص يكون في دار الدنيا بأربعة أشياء: بالتوبة والاستغفار وعمل الحسنات الماحية والمصايب المكفرة .

فإن محصته هذه الأربعة وخلصته ‏كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ، بشرونهم بالجنة .

وإن لم تف هذه الأربعة بتمحيصه محص في البرزخ بثلاثة أشياء :

أحدها : صلاة أهل الإيمان الجنازة عليه، واستغفارهم و شفاعتهم فيه .

الثاني : تمحيصه بفتنة القبر وروعة الفتان والعصرة والانتهار وتوابع  ذلك .

الثالث : ما يهدي إخوانه المسلمون إليه من هدايا الأعمال، من الصدقة عنه والحج والصيام عنه، وقراءة القرآن عنه والصلاة وجعل ثواب ذلك له .

فإن لم تف هذه بالتمحيص ، محص بين يدي ربه في الموقف بأربعة أشياء:

أهوال القيامة وشدة الموقف وشفاعة الشفعاء وعفو الله عز وجل(2) .

اسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا وان يزيدنا قربا منه وان يوفقنا لما يحب ويرضى ويأخذ بنواصينا للبر والتقوى ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، كما اسأله أن يتجاوز عن تقصيرنا وزللنا وان يغفر لنا ولوالدينا ووالديهم ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين إنه سميع مجيب وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

الخطبة الثانية.

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ثم أما بعد :

فما سمعتم عباد الله في الخطبة الأولى هو كلام إمامين محققين كتب الله لعلمهما قبولا بين عامة المسلمين من أهل الإنصاف والعدل؛ لأنه علم يدور مع الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ، لا يبغي بهما بدلا .

لا ندعي لهما العصمة ؛ لكن ما كان من كلامهما موافقا للحق يقبل وما خالفه فالحق أحب إلينا منه .

وقد جاءت هذه الكلمات العظيمة في هذا الموضوع إرشادا وتوجيها للأمة .

وتتمة لكلامهما يقول ابن تيمية:

( فمن أخطأته هذه العشرة فلا يلومن الا نفسه،  كما قال تعالى فيما يرويه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم ( يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن ‏الا نفسه)(3) .

ويقول رحمه الله في كتابه: تفسير آيات أشكلت كلاما عظيما بل ومخيفا ، يقول : (فمن تمام التوبة من حقوق العباد أن يُكثر العبد من الحسنات؛ ليوفي غرماءه، وتبقى له بقية يدخل بها الجنة)(4)

لكن ماذا لو ـ لا قدر الله ـ لم تف هذه الحسنات للغرماء ؟!!

يجيب تلميذه ابن القيم رحمه الله بقوله : ( فإن لم تف هذه المكفرات بتمحيصه فلا بد له من دخول الكير ، رحمة في حقه ؛ليتخلص ويتمحص ويتطهر في النار ، فتكون النار طهرة له ، وتمحيصا لخبثه ، ويكون مكثه فيها ‏على حسب كثرة الخبث وقلته وشدته وضعفه وتراكمه ، فإذا خرج خبثه وصفي ذهبه ، وصار خالصا طيبا أُخرج من النار وأدخل الجنة) (5) .

هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله ...

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • ينظر: مجموع الفتاوى  45/10 و 487/7 .
  • ينظر : مدارج السالكين 108/1
  • ينظر: مجموع الفتاوى 46/10 .
  • ينظر : مدارج السالكين 108/1 .

 

المشاهدات 2370 | التعليقات 0