من أحكام وآداب اللباس

عبدالله اليابس
1435/07/29 - 2014/05/28 01:29AM
من أحكام اللباس وآدابه
الحمد لله الولي الحميد, الواسع المجيد, حكم عباده كونًا وشرعًا بما يريد, فقضى لهم ما تقتضيه حكمته وشرع لهم ما فيه مصلحتهم رحمة بهم وهو أرحم الراحمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفضل الخلق أجمعين, أعلم الخلق بالله وأتقاهم لله وأنصحهم لعباد الله {عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم } صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أما بعد: لقد كرم الله تعالى بني الإنسان على كثير من خلقه, فأكرمهم وجعلهم خلائف الأرض, (ولقد كرمنا بني آدم), فكرم الله تعالى الإنسان فميزه بكثير مما لا يتوفر في غيره .. ومن بين ما مميز الله تعالى به الإنسان على غيره أن امتن عليه بنعمة ستر العورة, (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ), لو تأملت إلى أغلب المخلوقات لوجدتها لا تعتني بستر عورتها, إلا الإنسان, ولذلك لما أكل أبونا آدم وأمنا حواء من الشجرة بدت لهما سوءاتهما وعوراتهما, فهرعا مباشرة يخصفان ويقطعان من ورق أشجار الجنة ليسترا به عورتهما, فنعمة الستر واللباس فطرة في بني الإنسان.
ومما لا شك فيه أن لهذه الألبسة التي يلبسها الناس والزينة التي يتزينون بها أحكامًا وآدابًا ينبغي على كل مسلم ومسلمة معرفتها والعناية بها, خصوصًا أنها مما لا ينفك عنه الواحد في يومه وليلته, ولعلنا نتناول في هذا اللقاء شيئًا من هذه الأحكام والآداب في عدة وقفات:
الوقفة الأولى: اللباس ولاشك من الزينة, وينبغي على كل منا التوسط والاعتدال في هذه الزينة المباحة, فلا يحسن بالمسلم الذي امتن الله تعالى عليه بالقدرة على شراء ثوب نظيف أن يلبس أردى الثياب, أو الممزق منها, كما لا يحسن به أن يقتني الثياب باهظة الثمن والمبالغ فيها لما في ذلك من الإسراف والمخيلة, وكسر قلوب الفقراء يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: «كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة».
ومن أفضل ما يتزين به المرء المحافظة على النظافة, لأنها الأساس لكل زينة حسنة، ومظهر جميل لائق: روى أبو داود وغيره وقال عنه السيوطي في الجامع الصغير حديث صحيح أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أوصى بعض أصحابه - وهم قادمون من سفر فقال: «إنكم قادمون على إخوانكم، فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا شامة في الناس".
الوقفة الثانية: مما أوجبه الله تعالى على المسلم ستر العورة, سواء كان في صلاة أو غيرها, فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قلت يا نبيَّ اللهَ عوْراتُنا ما نأتي منها وما نذرُ؟ قال: احفظْ عورتَك إلا من زوجتِك أو ما ملكتْ يمينُك ,قلتُ: يا رسولَ اللهِ إذا كان القومُ بعضُهم في بعضٍ؟ قال إن استطعتَ أن لا يراها أحدٌ فلا يراها, قال: قلتُ يا نبيَّ اللهِ إذا كان أحدُنا خاليًا؟ قال فاللهُ أحقُّ أن يَستحِييَ منه الناسُ.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بأن يحفظ الإنسان عورته من الظهور حتى ولو كان خاليًا بنفسه.
وكما يحرم كشف العورة فإنه يحرم النظر إليها, فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل, ولا المرأة إلى عورة المرأة) رواه مسلم.
وعورة الرجل التي أمر بسترها من السرة إلى الركبة والفخذ من العورة كما ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء, روى مالك في الموطأ وأحمد وغيرهما والترمذي وحسنه من حديث جرهد الأسلمي رضي الله عنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بردة وقد انكشفت فخذي, فقال: (غط فخذك فإن الفخذ عورة).
ويتساهل كثير من الشباب للأسف الشديد في كشف هذه العورة أثناء لعب الكرة أو في النزه البرية والبحرية, ولا شك أن هذا غلط كبير, ومخالفة صريحة لحديث البشير النذير صلى الله عليه وسلم.
كما أن البعض يتساهل في لبس سراويل قصيرة تحت الثياب, ولا شيء فوقها يسترها, فإذا جلس انكشفت عورته, وهذا كله مخالف للسنة.
أما المرأة فإنها عورة كلها أمام الرجال الأجانب وأما عن محارمها من الرجال فيجوز لها أن تظهر ما يبدو منها غالبًا كالوجه والشعر والرقبة والذراعين والقدمين ونحوها لقوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) .
وعورة المرأة أمام المرأة ليست كما يقول البعض أنها من السرة إلى الركبة, وإنما عورتها أمام النساء كعورتها أمام الرجال من محارمها, فيجوز لها أن تكشف ما يبدو منها غالبًا كما سبق, والدليل على ذلك أن الله تبارك وتعالى قال: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) ثم عدد الله تعالى من يجوز للمرأة أن تبدي له هذه الزينة الظاهرة فقال (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ) ثم قال: (أَوْ نِسَائِهِنّ), فساوى ما يجوز كشفه أمام النساء بما يجوز كشفه أمام الأب والابن والأخ ونحوهم.
وبذلك يعلم خطر كثير مما يفعله كثير من النساء اليوم من لبس ما يكشف الساق والفخذ أو الظهر ونحوه أمام النساء بحجة أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة.
كما أن ما تلبسه كثير من النساء من الملابس الضيقة سواء أمام النساء أو أمام المحارم من الرجال كله مخالف للباس الذي ينبغي أن تتحلى به المرأة المسلمة المتمسكة بدين ربها, فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عن مثل ذلك فقال: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعدُ) وذكر منهم (ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات), قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: (وفسرت بأنهن يلبسن ملابس خفيفة لا تمنع من رؤية ما وراءها من بشرة المرأة, وفسرت بأنهن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤية لكنها مبدية لمفاتن المرأة) ا.هـ
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ: الوقفة الثالثة: ومن آداب اللباس استحباب لبس البياض فقد روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا من ثيابكم البياض, فإنها من خير ثيابكم), وعن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب, وكفنوا فيها موتاكم)
كما يستحب التيامن في لبس الثوب والنعل ونحوهما, فقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها كما عند البخاري ومسلم: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في طهوره وترجله وتنعله), وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمين, وإذا نزع فليبدأ بالشمال, لتكن اليمين أولهما تُنعل, وآخرهما تُنزع) فليحرص المسلم على البدء باليمين, وهذه سنة سهلة ميسورة إذا احتسب بها الأجر أثيب عليها بإذن الله تعالى.
كما أنه يكره للمسلم المشي بنعل واحدة, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمشي أحدكم في نعل واحدة, ليُحفِهما جميعًا أو ليُنعِلهما جميعًا), والعلة في ذلك والله أعلم أنها مشية الشيطان كما روى أبو هريرة رضي الله عنه وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان يمشي في نعل واحدة).
الوقفة الرابعة: ومما ينبغي للمسلم أن يبتعد عن كل محرم في اللباس, فمن المحرمات إسبال اللباس وإنزاله بالنسبة للرجال إلى ما تحت الكعبين, فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار), وقال الفاروق الملهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فضول الثياب في النار), ودخل فتى على عمر رضي الله عنه وهو في مرض الموت وكان مسبلاً لإزاره فق له: (ارفع ثوبك, فإنه أبقى لثوبك (وفي رواية أنقى لثوبك), وأتقى لربك) قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله: (وأحاديث النهي عن الإسبال بلغت مبلغ التواتر المعنوي) ا.هـ, ولا شك أن الإسبال يدخل في الإزار والثوب والبنطال وغيرها.
فإذا كان الإسبال بقصد التكبر والخيلاء فإنه أعظم إثمًا, وعدَّه كثير من أهل العلم من الكبائر, روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرًا), وروى أبو داوود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإسبال في الإزار والقميص والعمامة, من جر منها شيئًا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة).
ومن المحرمات في اللباس أيضًا لبس الملابس التي فيها الصلبان, كبعض قمصان الأندية الرياضية التي تحتوي الصليب ضمن شعار النادي أو الدولة وغيرها, روى عمران بن حطان أن عائشة رضي الله عنها حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع في بيته ثوبًا فيه تصليب إلا نقضه).
كما يحرم لبس ما فيه صور لذوات الأرواح فعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نُمرُقة فيها تصاوير, فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالباب فلم يدخل, فقالت: أتوب إلى الله تعالى مما أذنبت. فقال: ما هذه النمرقة؟ قالت: لتجلس عليها وتوسدها. فقال: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة, يقال لهم: أحيوا ما خلقتم, وإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه الصورة).
ومن المحرمات في هذا الباب أيضًا لبس الحرير والذهب على الرجال إلا من عذر, فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرًا فجعله في يمينه, وأخذ ذهبًا فجعله في شماله ثم قال: (إن هذين حرام على ذكور أمتي), وقال صلى الله عليه وسلم: (من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن خاتم الذهب.
ألا فاتقوا الله عباد الله, واجعلوا حياتكم وفق ما أمر الله, لتنالوا في آخرتكم ما وعد الله.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله .. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

آداب اللباس.docx

آداب اللباس.docx

المشاهدات 7403 | التعليقات 3

شكر الله لكم كتابتكم وبارك في جهدكم وتقبل منكم ونفع بكم


جزاك الله خيرا وبارك الله فيك على هذه الوقفات ، ونسأل الله أن يكتب في كلماتك الخير والبركة .
و يمكن للخطيب أن يقسّم الخطبة من الناحية الفنية إلى : أولاً ما يًباح في اللباس ، و ثانيا ما يجب في اللباس ، و ثالثًا ما يحرم فيه ، وهكذا . وفي كل خير .


جزاك الله خيرا