من أحكام الشتاء

عبدالله اليابس
1438/03/23 - 2016/12/22 14:47PM
أحكام الشتاء الجمعة 24/3/1438هـ
الحمد لله الذي عز جلاله فلا تدركه الأفهام، وسما كماله فلا تحيط به الأوهام، وشهدت أفعاله أنه الحكيم العلام، الموصوفُ بالعزة والقدرة والكلام، سبحانه هو الملك القدوس السلام، المؤمنون حبب إليهم الإيمان وشرح صدورهم للإسلام، يقبل التوبة ويكشف الحوبة ويغفر الإجرام، تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام.
وأشهد أن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير, شهادة من قال ربي الله ثم استقام.
الشمس والبدر من أنوار حكمته *** والبر والبحر فيض من عطاياه
والطير سبَّحه والوحش مجَّده *** والموج كبرَّه والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخر الصم قدَّسه *** والنحلُ تهتف حمدًا في خلاياه
والناس يعصونه جهراً ويسترهم *** والعبد ينسى وربي ليس ينساه
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه.
فإذا أردت بأن تفـوز وتـرتـقي *** دَرَج العلى و تنال منه رضاه
أدم الصلاة على النبي محمدٍ *** لولاه مـا فـتح المكـبِّر فـاه
وله الوسيلة واللـواء وكوثـر *** يروى الورى وكذا يكون الجاه
صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. وجاء الشتاء.. وبردت الأجواء .. وتدثر الناس بمتين الثياب .. وأغلقوا على بيوتهم الأبواب..
لم ترِد كلمة الشتاء في القرآن الكريم سوى مرةً واحدة، وذلك في قوله تعالى: {لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف}.
قال الإمام مالك –رحمه الله-: الشتاء نصفُ السَّنة، والصيف نِصفها.
الصالحون يفرحون بالشتاء, قال يحيى بن معاذ رحمه الله: الليل طويل فلا تقصره بمنامِك, والإسلام نقي فلا تدنسه بآثامك.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: مرحبًا بالشتاء، تنزِل فيه البركة, ويطول فيه الليل للقيام, ويقصر فيه النهار للصيام.
قال يعض السلف: "لولا ثلاث: ظمأ الهواجر، وقيام ليل الشتاء، ولذاذة التهجد بكتاب الله ما باليت أن أكون يعسوباً".
أيها الإخوة.. إن للشتاء أحكاماً شرعية, ينبغي على كل مسلم معرفتُها, فمن هذه الأحكام ما يتعلق بالطهارة:
فمنها أن إسباغ الوضوء في البرد كفارة للذنوب والخطايا: روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أدلُكم على ما يمحو اللهُ بهِ الخطايا ويرفعُ بهِ الدرجاتِ؟) قالوا : بلى, يا رسولَ اللهِ! قال: (إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ, وكثرةُ الخطا إلى المساجِدِ, وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاةِ, فذلكمْ الرباطُ).
ومن أحكام الطهارة في الشتاء جواز المسح على الجوربين إذا لُبسا على طهارة وسترا محل الفرض، للمقيم يوماً وليلة - أي أربعاً وعشرين ساعة - وللمسافر ثلاثةَ أيام بلياليهن - اي اثنتان وسبعون ساعة - وتبدأ المدة من أول مسح بعد الحدث بأن يمسح أكثر أعلى الجورب، ولا يمسح أسفله.
ومن أحكام الطهارة في الشتاء أن بعض الناس ومع كثرة الملابس التي عليهم لا يرفعون أكمامهم لغسل الذراعين في الوضوء رفعًا تاماً, فإذا غسلوا ذراعهم لم يصلوا إلى المرفقين, وهذا غلط عظيم يؤدي إلى عدم صحة الوضوء وبالتالي عدم صحة الصلاة.
كما أن البعض يتحرج من تسخين الماء للوضوء وهذا لا أصل له, بل هو جائز لا حرج فيه.
ومن الأحكام الشتوية ما يتصل بالصلاة فمن ذلك:
أن الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما مستحب إذا وُجد سببه وهي المشقة في الشتاء، من مطر أو وحلٍ أو ريح شديدة باردة، وهي رخصة من الله عز وجل والله يحب أن تؤتى رخصه.
لكن ينبغي التنبيه إلى أن الجمع وإن كان رخصة إلا أنه لا ينبغي الترخص به إلا عند وجود موجِبه وهو المشقة, فإن جُمعت الصلاة عند عدم المشقة فإن الصلاة الثانية باطلة عند جمع من أهل العلم لوقوعها قبل دخول وقتها, والمشقة يترك تقديرها لإمام المسجد فهو المكلف بتقديرها, كما أن الجمع ينبغي ألا يكون سببًا لاختلاف الجماعة فيما بينهم وارتفاع الأصوات في المسجد, بل يترك تقدير ذلك للإمام كما تقدم.
ومن أخطاء المصلين في الشتاء التلثم وتغطية الفم والأنف, فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغطي الرجل فاه كما في حديث أبي هريرة عند أبي داوود وغيره, أما لبس القفازين في الصلاة فلا حرج فيه.
كما ينتبه المصلي للصلاة والنار في قبلته لأن في ذلك تشبهاً بالمجوس.
ومن أحكام الشتاء ما يتعلق بالدعاء, فمن ذلك أن يدعو إذا هاجت الريح بالحديث المتفق على صحته وهو: (اللهم إنِّي أسالك خيرَها وخيرَ ما فيها، وخير ما أُرسلت به، وأعوذ بك من شَرِّها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به)).
أما ما يقوله بعض الناس (اللهمَّ اجعلْها رياحًا ولا تجعلْها ريحًا، اللهمَّ اجعلْها رحمةً ولا تجعلْها عذابًا) فإنه حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فلينتبه لذلك.
ومن الأدعية ما يقال عند بداية نزول المطر فيستحب أن يقول (اللهم صيباً نافعاً) أو (اللهم صيباً هنيئًا), ويكشف عن ثيابه ليصيب بدنه ماء المطر كما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إنه حديث عهد بربه.
ويستحب الدعاء العام بخيري الدنيا والآخرة عند نزول المطر لحديث سهل بن سعد مرفوعًا: (ثنتان لا تُردَّان - أو قلَّما تردان -: الدُّعاء عند النداء، وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضًا)، وفي لفظ: (ووقت المطر)؛ رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
فإذا انتهى المطر وانقضى فيسن للمسلم أن يقول الدعاء الوارد: (مُطرنا بفضل الله ورحمته).
اللهم أغث بلادنا بالأمطار وقلوبنا بالإيمان يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.
فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. فما زلنا مع بعض الأحكام المتصلة بفصل الشتاء, ومن ذلك أنه تنتشر على ألسنة الناس بعض الأحاديث الضعيفة, فمن ذلك: حديث «الشتاء ربيع المؤمن», فلا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن معناه صحيح.
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من دعائه في الاستسقاء: «اللهم سُقيا رحمةٍ، لا سقيا عذابٍ», فهذا حديث ضعيف لكن معناه صحيح.
ومن الأحاديث الضعيفة في الشتاء: «اتَّقُوا البَرْدَ؛ فإنّه قتل أخاكم أبا الدَّرداء».
وحديث: «لا تقولوا: قوس قُزح؛ فإن قُزحَ شيطانٌ، ولكن قولوا: قوس الله –عز وجل-، فهو أمانٌ لأهل الأرض مِن الغَرَق».
وحديث: كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق، قال: «اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تُهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك».
وحديث: «إذا نشأت بَحريّةً، ثمَّ استحالتْ شاميةً، فهو أمطرُ لها».
فكل هذه أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أيها الإخوة.. ليتعاهد كلٌ منا من تحت يديه, ليتعاهد والديه وزوجه وولده, ليتعاهد عُمَّاله وخَدَمه, فإن الصالحين يتعاهدون رعيتهم إذا جاء الشتاء, كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهد أهلَ الشام وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر, وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعارًا (وهي ما يلي البدن) ودثارًا (الملابس الخارجية) فإن البرد عدو سريع دخوله بعيد خروجه.
تعاهدوا الفقراء, تفقدوا أحوالهم, ارحموهم, روى عبدالله بن عمرو بن العاص كما عند أبي داوود والترمذي وقال: حسن صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الرَّاحمونَ يرحمُهم الرحمنُ ، ارحمُوا أهلَ الأرضِ يرحمْكم مَن في السماءِ).
روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(اشتَكَتِ النارُ إلى ربها، فقالتْ: ربِّ أكلَ بعضي بعضًا، فأذِنَ لها بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ في الشتاءِ ونَفَسٍ في الصيفِ، فأشدُّ ما تجدونَ من الحرِّ، وأشدُّ ما تجدون من الزَّمْهَرِيرِ). متفق عليه, والمراد بالزمهرير شدة البرد .
فاللهم إنا نسألك الجنة والنجاة من النار.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.. اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المرفقات

أحكام الشتاء 24-3-1438هـ.docx

أحكام الشتاء 24-3-1438هـ.docx

المشاهدات 1184 | التعليقات 0