من أحكام الجهاد وضوابطه

 خطبة جمعة : عن الجهاد وضوابطه   كتبها : خالد بن خضران الدلبحي العتيبي  الجمش – الدوادمي
الخطبة الأولى  :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله .

أما بعد :

عبادَ الله إن من العباداتِ العظيمة التي فيها أجورٌ عظيمة وفيها عزٌ للأمة ورفعة لها وجاءت النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة ترغب فيها عبادة الجهاد في سبيل الله يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ( 10 ) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( 11 ) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 12 )

ويقول الله تعالى((إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة : 111 )

وفي حديث معاذ رضي الله عنه الذي أخرجه الترمذي يقول النبي صلى الله عليه وسلم (وذِروةُ سنامه الجهاد في سبيل الله ) أي ذروة سنام الإسلام .

عباد الله إن هذه العبادة العظيمة أعني الجهاد في سبيل الله ضل فيه طائفتان :

الطائفة الأولى : طائفة جافية لا يرون الجهاد في سبيل الله ولا يحبون سماع النصوص التي فيه وربما فسروا الجهاد بغير تفسيره كتفسيرهم الجهاد بجهاد النفس وربما حاولوا إلغاء موضوع الجهاد من تاريخ المسلمين وما يتعلق به من فتوحات المسلمين وغزواتهم وسبب هذا الجفاء في الغالب بسبب الضغوط من أعداء الله أو بسبب من غلا في هذه العبادة وشوهوا صورة الجهاد.

الطائفة الثانية : الغلاة الذين غلوا في الجهاد فاستباحوا الدماء المعصومة وقتلوا المسلمين باسم الجهاد وفجروا في بيوت الله باسم الجهاد وقتلوا رجال الأمن باسم الجهاد وجروا على الأقليات المسلمة في بلاد الكفر الويلات بسبب تفجيراتهم في تلك البلاد وكل هذا باسم الجهاد أو جاهدوا الأعداء وليس عندهم قدرة فجروا على المسلمين المستضعفين الدمار والقتل فهذه الطائفة غالية وهي من أسباب وجود الطائفة الأولى .

عبادَ الله إن الجهاد عبادة عظيمة لا بد أن يكون المرجع فيها الكتاب والسنة بفهم العلماء الراسخين فالجهاد حتى يكون صحيحا وتحصل ثمرته لا بد فيه من شروط :

الشرط الأول : أن يكون القتال لإعلاء كلمة الله في الصحيحين من حديث أَبِي مُوسَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ: يُقَاتِلُ حَمِيَّةً، وَيُقَاتِلُ شَجَاعَةً، وَيُقَاتِلُ رِيَاءً، فَأَيُّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»

الشرط الثاني : لا بد أن يكون الجهاد بفتوى العلماء الراسخين لأن الله سبحانه وتعالى قال ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء : 83 ) فالأمور العظيمة التي تشمل عامة المسلمين لا بد أن يرجع فيها للعلماء الكبار كأمور الجهاد فليس مردها لجهال الوعاظ ولو بكوا على منابرهم وليس مردها للقُصاص  وأصحاب الأهواء الذين يحمسون الشباب ويدفعونهم لمواطن الفتن ثم بعد ذلك يتبرأون منهم من أعمالهم .

الشرط الثالث : لا بد من أذن الوالدين ففي سنن أبي داود عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟»، قَالَ: أَبَوَايَ، قَالَ: «أَذِنَا لَكَ؟» قَالَ: «لَا»، قَالَ: «ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ، وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا »

الشرط الرابع : أن يكون عند المسلمين قدرة ولذلك لم يوجب الله سبحان وتعالى على المسلمين الجهاد في مكة لضعفهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بأصحابه وهم يعذبون ويوصيهم بالصبر يمر بآل ياسر فيقول لهم وهم يعذبون صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة وأذن الله لهم بالهجرة فهاجر بعضهم من مكة إلى الحبشة الهجرة الأولى وبعضهم هاجر الهجرة الثانية للحبشة ثم أذن لهم بالهجرة إلى المدينة فهاجر النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر الصحابة رضي الله عنهم مع أن مكة بلدهم وأفضل بلاد الأرض فلما هاجر للمدينة وكون دولة قوية أذن له بالجهاد في سبيل الله حتى يكون الدين كله لله.

 الخطبة الثانية :

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله .

أما بعد :

من شروط الجهاد المهمة وهو الشرط الخامس : أن يكون الجهاد تحت راية يقودها إمام المسلمين أو من ينيبه ولذلك لما سأل حذيفة النبي صلى الله عليه وسلم عن الفتن وطريق المخرج منها قال له صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»[البخاري]

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ، يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ، وَيُتَّقَى بِهِ )

يقول الشيخ ابن عثيمين : الذين قاتلوا بدون راية إمام إما يبادوا جميعا أو إذا انتصروا تقاتلوا بينهم .

فأمر الجهاد لولي الأمر وهو الذي يستنفر الناس

سئل فضيلة الشيخ صالح الفوازان عن شروط الجهاد وهل هي متوفرة الآن؟

شروط الجهاد معلومة لا بد أن يكون عند المسلمين قوة وإمكانية لمجاهدة الكفار أما إذا لم يكن عندهم إمكانية ولا قوة فإنه لا جهاد عليهم....وكذلك لا بد أن يكون الجهاد تحت قيادة مسلمة بأمر ولي الأمر لأنه هو الذي يأمر به وينظمه ويتولاه ويشرف عليه وهو من صلاحياته وليس من صلاحيات أي أحد أو أي جماعة تذهب وتغزو بدون أذن ولي الأمر أ.ه

فلعينا أيها عبادَ الله أن نتفهم هذه الشروط ولا تدفعنا الغيرة والعاطفة إلى أمورٍ لا تجر خيراً على المسلمين وبلادهم .

وأكثر الشعوب في بلاد المسلمين غلب عليهم الفسق وانتشرت بينهم الشركيات والبدع فهؤلاء أول من يعيق الجهاد في سبيل الله فلا بد من الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وتوحيده وإقامة شرعه فإن الله وعد من ينصره بالنصر فقال تعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وعلينا أن نحذر من دعاة الفتن فربما باسم الغيرة على دماء المسلمين يدفعون بالناس إلى الفتن والشر فيتسلط الكفار والرافضة على بلاد المسلمين ونحن مكفيون فالأمور ليست فوضى هناك ولاة أمر وعلماء يقودون الناس وهم أعلم بالمصالح والمفاسد .

أسأل الله سبحانه أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يرد المسلمين إليه رداً جميلاً إنه سميع قريبٌ مجيب الدعاء .....

المرفقات

1744286706_خطبة عن الجهاد وضوابطه.docx

المشاهدات 134 | التعليقات 0