من أحكام الجنازة

[font="]26 / 7 / 1436 هـ
[/font]

الحمد لله العزيز الغفار متولي الأبرار ومهلك الفجار {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث بجوامع الكلم خاتم الرسل من العرب والعجم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد : فما أجمل التقوى وأحلى سبيلها ، ولكننا في غفلة عنها وتقصير .
إلَهِي تَحَمَّلْنَا ذُنُوبًا عَظِيْمَةً ... أَسَأْنا وقصَّرْنا وجُودُكَ أعْظَمُ
سَتَرْنَا مَعَاصِيْنا عن الخلقِ غَفْلَةً ... وأنتَ تَرانَا ثُمَّ تَعْفُو وتَرْحَمُّ
وَحَقِّك ما فِيْنَا مُسِيءٌ يَسُرُّهُ ... صُدُودُكَ عَنْهُ بلْ يَخَافُ ويَنْدَمُ
إلَهِي فَجُدْ واصْفحَ وأَصْلِحْ قلُوبنا ... فأنْتَ الذِيْ تُولِيْ الجَمِيلَ وَتُكْرِمُ
إخوة الإيمان : حث شريعة ربنا على الزواج ، والحرص على ذات الدين والخلق ، والقبول بذي الدين والخلق ، وأمرت الشريعة بالاهتمام بالتربية والتنشئة الطيبة ، وعمق ديننا الروابط بين الناس فشرع الحقوق المختلفة والآداب والأخلاق المتنوعة ونهى عن الأذى بأنواعه مما يبين عناية الرب سبحانه بعباده قبل ولادتهم وأثناء طفولتهم وفي رجولتهم وكهولتهم بل تعدت الأحياء إلى الأموات فشرعت أحكام قبل الوفاة وأثنائها وبعدها مما يؤكد لطف الله بعبده المتوفى وحفظ كرامته والإحسان إليه فشرع تلقينه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه والسير في جنازة بسكينة وخشوع و شرع الدعاء له وغير ذلك ، وحديثنا اليوم عن سنن وأحكام تتعلق بالوفاة {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ } .
معشر الكرام : من حضره الموت استُحب لمن حوله أن يلقنوه الشهادة، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه :أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عاد رجلًا منَ الأنصارِ فقال : يا خالُ ، قُل : لا إلهَ إلا اللهُ " أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني وفي الحديث الآخر " لقِّنوا موتاكم لا إله إلا الله، مَن كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوماً من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه" صححه الألباني . كما يستحب أن يدعوا له ولا يقولوا إلا خيرا قال عليه الصلاة والسلام : " إذا حضرتم المريضَ ، أو الميِّتَ ، فقولوا خيرًا . فإنَّ الملائكةَ يؤمِّنون على ما تقولون " أخرجه مسلم .
فإذا ثبت موته، سن تغميض عينيه، لحديث أم سلمة، قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة، وقد شق بصره، فأغمضه، ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر.. " رواه مسلم . ويسن تغطية جميع بدن الميت لحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: "سُجِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حين مات بثوبٍ حبرةٍ " أخرجه الشيخان ما لم يكن الميت محرما فلا يغطي رأسه . ويجوز كشف وجه الميت وتقبيله فعن عائشةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قبّلَ عثمانَ بن مظعونٍ ، وهو ميتٌ ، وهو يبكِي أو قال : عيناهُ تذرفانِ . أخرجه الترمذي وصححه الألباني . كما يشرع سؤال المغفرة للميت ففي الصحيحين عن أبي هريرةَ قال : نَعَى لنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ النجاشيَّ صاحبَ الحبشةِ، اليومَ الذي ماتَ فيهِ، فقال : " استغفِروا لأخِيكمْ " .
معشر الكرام : ويشرع المبادرة بسداد الدين عن الميت ، ومن كرامة المسلم تغسيله وتكفينه مع ستره واحترام جثته ففي الحديث "كسرُ عظْمِ الميّت ككسْرِه حيّا " أخرجه أبو داوود والنسائي وصححه الألباني ، و أولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك، لأن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، فقدمت بذلك، وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ، و للميت حرمة فلا ينبغي أن يبقى عند تغسيله إلا من يحتاج إلى بقاءه ومشاركته في التغسيل ، ومن أحب توديعة بقبلة فبعد التغسيل وقبيل إغلاق الكفن .
وههنا فائدة لغوية قال بعضهم الإنسان بعد خروج روحه يسمى جثة ، وبعد التغسيل والتكفين جنازة وبعد الدفن قبر . ومن حقوق المسلم على أخيه اتباع جنازته ؛ ففي صحيح مسلم مرفوعا : " حقُّ المسلمِ على المسلمِ خمسٌ -وذكر منها- : اتِّباعُ الجنائزِ " ، بل إن في اتباعها أجرا عظيما قال عليه الصلاة والسلام : " منْ شهدَ الجنازةَ حتى يصلِّيَ فلهُ قيراطٌ، ومنْ شهد حتى تُدفنَ كان لهُ قيراطانِ . قيل : وما القيراطانِ ؟ قال : مثلُ الجبلَينِ العظيمَينِ " . أخرجه الشيخان .
نَادِ القُصورَ التي أقوَتْ مَعالِمُها ... أيْنَ الجسُومُ التي طابَتْ مَطَاعِمُهَا
أيْنَ المُلُوكُ وأبْنَاءُ الملوك ومَن ... أَلْهاهُ ناضِرُ دُنياهُ وناعِمُها
أينَ الذين لهَوْا عَمَّا لهُ خُلِقُوا ... كَمَا لَهَتْ في مَرَاعِيهَا سَوائِمُهَا
أينَ البيُوتُ التي مِن عَسْجدٍ نُسجَتْ ... هَلُ الدنَانيرُ أغنَتْ أمْ دَرَاهِمُهَا
أينَ العُيونُ التي نامَتْ فما انَتَبَهَتْ ... وَاهًا لها نَوْمَةً ما هَبَّ نائِمُهَا
اللهم اغفر لنا وارحمنا ، اللهم إنا نسأل حسن الخاتمة اللهم ...
الحمد لله ... أما بعد :إخوة الإسلام فمن الأحكام المتعلقة بالجنائز أحسن لنا جميعا الخاتمة جواز المشي أمام الجنازة أو خلفها فقد ورد كله في السنة فعن أنس بن مالك رضي الله عنه :" أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأبا بكر وعمرَ كانوا يمشونَ أمامَ الجنازةِ وخلفَها " أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني .وفضل بعض أهل العلم المشي خلفها لأنه مقتضى الأمر باتباع الجنازة وفي الأمر سعة .
ويسن الإسراع بالجنازة، ففي الحديث " أَسْرِعُواْ بالجنازةِ ، فإن تَكُ صالحةً فخيرٌ تُقَدِّمُونَهَا ، وإن يَكُ سِوَى ذلكَ ، فشَرٌّ تضعونَهُ عن رقابكم " أخرجه الشيخان .
ويشرع عند دخول المقبرة أن يقول السلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مُؤمنينَ . وإنا، إنْ شاء اللهُ، بكمْ لاحقونَ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أتى المقبرةَ فقال : "السلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مُؤمنينَ . وإنا، إنْ شاء اللهُ، بكمْ لاحقونَ " رواه مسلم .
وأولياء الميت أحق بإنزاله أولياء الميت وقرابته {وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ } ، والسنة إدخالَ الميت من عند رجل القبر (الجهة اليسرى) وجعل الميت على شقه الأيمن مستقبل القبلة ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله، وعلى سنة رسول الله، أو: ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ إذا أدخلَ الميِّتُ القبرَ، قال: بسمِ اللَّهِ، وعلى ملَّةِ رسولِ اللَّهِ وفي رواية وعلى سنة رسول الله " صححه الألباني .و حلُّ عقد اللفائف ورَدَ فيه أثرٌ عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "إذا أدخلتم الميت القبر فحُلوا العُقد" .
وأما حديث الثلاث حثوات فمن أهلها العلم من صحح إسناده ومنهم من ضعفه وفي الأمر سعة .
ويُسَن أن يُرفَع القبرُ عن الأرض قليلاً نحو شبر وأن يكون مسنما ويسن وضع حصباء على القبر ثم رشه بالماء ليثبت التراب ولا بأس بتعليم القبر بوضع النصائب على طرفيه ، ويسن بعد الدفن الدعاء للميت بالمغفرة والتثبيت فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " أخرجه أبو داوود وصححه الألباني .
ويحرم الجلوس على القبر وكذلك وطئها في الحديث عند مسلم " لأن يجلسَ أحدُكم على جمرة، فتحرقَ ثيابه، فتخلُصَ إلى جلده؛ خيرٌ له من أن يجلسَ على قبر " .
إخوة الإيمان : ومشهد الجنازة فيه السكون والخشوع والاعتبار قال التابعي الجليل قيس بن عباد :كان أصحابُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ يكرهونَ رفعَ الصَّوتِ عند الجنائزِ . و عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ، وَلَمَّا يُلْحَدْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ ... قَالَ الطِّيبِيُّ: كِنَايَةٌ عَنْ إِطْرَاقِهِمْ رُءُوسَهُمْ، وَسُكُوتِهِمْ، وَعَدَمِ الْتِفَاتِهِمْ يَمِينًا وَشِمَالًا. اهـ أَيْ عَلَى رَأْسِ كُلِّ وَاحِدٍ الطَّيْرُ يُرِيدُ صَيْدَهُ فَلَا يَتَحَرَّكُ . والملاحظ أحيانا في بعض الجنائز ظهور الأصوات وكثرة التوجيهات وربما استمرار رنين الجولات . والأسوء من ذلك المزاح والضحك .
وتعزية أهل الميت سنة ، وتجوز التعزية في كل مكان، في السوق أو البيت أو المسجد أو العمل أو غيره .
و ليعلم أنه ليس من سنن العزاء تقبيل المعزى ، فالمصافحة والتقبيل مرتبطة بالملاقاة عموما و لو أن عموم الناس اكتفوا بالمصافحة وقبّله وثيق الصلة به لكان أخف مشقة على المعزى ، خصوصا عند كثرة المعزين .
وبعد عباد الله صلوا وسلموا ...
المشاهدات 1627 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا