من آداب الصيام
عبد الله بن علي الطريف
من آداب الصيام 1444/9/9ـ .
الحمدُ لله الَّذِي بيده الخير وهو على كل شيء قدير.. مَنَّ بفضه على من يشاء من عباده بادرك شهر الصيام، فاستثمر نهاره بإتمام الصيام، وحفظه من القوادح والآثام.. وأحيا ليله بجميل القيام.. ففتَحَ الله لهم من خزائنِ رحمتِهِ وجودِهِ كُلَّ باب، وحرم المُعْرِضين بحكمته، فأعْمَى أبصارهم عن طاعتِهِ فصار بينهم وبين نوره حجاب، أضلَّ هؤلاء بعدله وحكمته، وهدى أولئك بفضله ورحمته.. إن في ذلك لذِكْرى لأولى الألبَاب، وأشْهدُ أنْ لا إِله إِلاَّ الله وحده لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمد الْعَزيزُ الوَهَّاب، وأشْهدُ أنَّ محمداً عبده ورسولهُ المبعوثُ بأجَلِّ العباداتِ وأَكمَلِ الآداب، صلَّى الله عليه وعلى جميع الإل والأصْحَاب، وعلى التابعين لَهم بإحْسَانٍ إلى يومَ المَآب، وسلَّم تسليماً.
أما بعد: يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما.
أيها الأحبة: الأحاديث الرمضانية لها طابع خاص؛ فنحن نحتاج إلى طرقها كلما هل علينا هذا الشهر الكريم ليس تكراراً، وإنما هي تأكيداً وتذكيراً والذكر تنفع المؤمنين.. خصوصاً في هذا الوقت الذي قلت فيه الأحاديث الرمضانية بعد الصلوات أو قبلها..
أيها الإخوة: نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا ويسدد أقولنا وأعمالنا..
فمن الآداب التي ينبغي أن يتأدب بها الصائم في صومه تناول طعام السَحور وهو من السنن، وحري بالمسلم أن يحرص عليه، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً. رواه البخاري ومسلم. والبركة: دنيوية في التقوى على صيام النهار، وأخروية بمزيد الأجر والثواب بامتثال أمره ﷺ.
وفي تناول الصائم للسحور مخالفة لأهل الكتاب، وقد شرع لنا ﷺ مخالفتهم وحث عليها فقال: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ». أخرجه مسلم.. ومعناه الفارق والمميز بين صيامنا وصيامهم السحور فإنهم لا يتسحرون ونحن يستحب لنا السحور.
وسماه ﷺباسم جميل الغداء المبارك؛ فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: «دعاني رسولُ الله ﷺ إِلى السَّحُورِ في رمضان، فقال: هَلُمَّ إِلى الغَدَاءِ المُبَارَك». وأكد هذا بقوله ﷺ: «عليكم بغَدَاءِ السَّحُورِ، فإنه هو الغَدَاءُ المُبَارَكُ». رواهما أبو داود والنسائي. وصححهما الألباني ولما دخل عليه النبيِّ ﷺ أحد أصحابه وهو يَتَسَحَّرُ قال له: «إِنها بركة أعْطاكم الله إِيَّاها، فلا تَدَعُوهُ». رواه النسائي وصححه الألباني. وقَالَ ﷺ: «السَّحُورُ أَكْلُهُ بَرَكَةٌ، فَلَا تَدَعُوهُ، وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جُرْعَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» رواه أحمد وحسنه الألباني
وأثنى رسولُ اللَّهِ ﷺ على سَحُوْرِ التمر فقال: «نِعْمَ سَحُورُ المؤمِنِ التَّمْرُ». رواه أبو داود وصححه الألباني..
وحث على تأخير السحور.. فقَالَ: ﷺ: «لاَ تَزَالُ أُمَّتي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السَّحُورَ». رواه أحمد وصححه الألباني
أيها الإخوة: ومن السنن تعجيل الفطر لقوله ﷺ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ». رواه البخاري.
ويسن للصائم أن يفطر على رطب، فإن لم يجد فتمر، فإن لم يجد أفطر على ماء، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» رواه أبو داود والترمذي وصححه في الألباني.
وقد ثبت طبياً أثر البداية على الرطب أو التمر ومن ثم الماء؛ لأن الإفطار على التمر والماء يحقق دفع الجوع والعطش. ويستطيع البدن الاستفادة منهما بسرعة كبيرة، ولهاتين خصائص تشعر متناولها بالشبع فلا يكثر الصائم من تناول مختلف أنواع الطعام..
ويسن لصائم الدعاء قبل الفطر وأثناءه بعده ﷺ يَقُولُ: «إنَّ لِلصَّائِمِ عَنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ مَا تُرَدُّ» رواه ابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وقال الأرناؤوط إسناده حسن. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي.. ومن هديه ﷺ أنه كان يدعو للمضيف في الصيام وغيره؛ فقد جَاءَ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَاءَ سَعْدٌ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ». رواه أبو داود وصححه الألباني.
أيها الإخوة: ومن الآداب الواجبة على الصائم البعد عن الرفث والصخب لقوله ﷺ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي صَائِمٌ». متفقٌ عَلَيْهِ. والرفث: هو الكلام الفاحش المحرم. الصخب وهو الخصام والصياح. ومن الآداب الواجبة البعد عن الوقوع في المعاصي عموماً. وقال النبي ﷺ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ». رواه البخاري.
قوله: من لم يدع قول الزور هو الكذب والبهتان والعمل به؛ أي العمل بمقتضاه من جميع ما نهى الله تعالى عنه.. ومعنى فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه: قال البيضاوي: المقصود من إيجاب الصوم ومشروعيته ليس نفس الجوع والعطش بل ما يتبعه من كسر الشهوات وإطفاء نائرة الغضب وتطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة؛ فإذا لم يحصل له شيء من ذلك ولم يكن له من صيامه إلا الجوع والعطش لم يبال الله تعالى بصومه، ولم ينظر إليه نظر قبول، وقوله فلا حاجة لله: مجاز عن عدم الالتفات له والقبول بنفي السبب وإرادة المسبب.. وقال الغزالي: بين بهذا الحديث به أن الصوم أي المقبول المثاب عليه في الآخرة الثواب الكامل ليس هو ترك الطعام والشراب والوقاع فرب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، بل تمام الصيام أن يكف الجوارح عما كره الله: فيحفظ اللسان عن النطق ويحفظ العين عن النظر إلى المكاره، والأذن عن الاستماع إلى المحرم فإن المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين، وكذا يكف جميع الجوارح كما يكف البطن والفرج فإذا عرفت معنى الصوم الحقيقي فاستكثر منه ما استطعت فإنه أساس العبادة ومفتاح القربات..
وقال بعض أهل العلم: المقصود لا يثاب عليه ثواب الصائمين الذين يوفَّون أجرهم بغير حساب، وإن كان الصوم في حد ذاته صحيحاً مسقطاً للفرض الذي عليه.. والواجب على الصائم أن يجتنب جميع المحرمات كالغيبة والفحش والكذب، فربما ذهبت بأجر صيامه كله، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» رواه أحمد وابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وقال الألباني حسن صحيح..
وعلى الصائم ألا يخاصم من خاصمه، بل يرد بما وجه به النبي ﷺ فقد قَالَ: «الصِّيَامُ جُنَّةٌ [وقاية وسترة من الوقوع في المعاصي التي تكون سببا في دخول النار] فَلاَ يَرْفُثْ [وهو الكلام الفاحش ويطلق أيضا على الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء.] وَلاَ يَجْهَلْ [لا يفعل شيئا مما لا يصلح من القول والفعل]، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ». رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فواحدة تذكيراً لنفسه، والأخرى تذكيرا لخصمه.
أيها الإخوة: الناظر في أخلاق بعضنا في الصيام يجد خلاف هذا الخُلق الكريم، وهذا ظاهر في حال بعض الناس أثناء سيرهم بسياراتهم في الشوارع.. وفي تعامل بعضهم مع بعض.. ترى أحدهم مستعداً متحفزاً للشجار مع أي أحد لأتفه الأسباب ولو كلمته بذلك قال: أنا صائم.!! نقول أيها الصائم: الصوم راحة وجنة ووقاية.. والأحرى بكل واحد منا أن يهذبه صومه، وأن يتبع فيه هدي النبي ﷺ. وعليه أن يظهر السكينة والهدوء وحسن الخلق.. أسأل الله تعالى كما وفقنا للعمل أن يوفقنا لحسن المتابعة والقبول إنه جواد كريم.... وصلى الله وسلم على نبينا محمد...
االخطبة الثانية.
أيها الإخوة: لا ينبغي للمسلم الإكثار من أكل الطعام عموماً وفي رمضان خصوصاً لقَولِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ». رواه الترمذي وصححه الألباني.. وكثرة الأكل تجلب النعاس والخمول، ثم إن الفائدة التي تحققت بالصوم من راحة للجهاز الهضمي تزول بكثرة الأكل.. وعلى المسلم أن يتجنب كل أكل به رائحة يؤذي بها المصلين..
ومن مضار التوسع بالمآكل والمشارب في رمضان إشغال أوقات النساء بالطبخ وإعداد أصنافه وألوانه مما يفوت عليهن الأوقات الشريفة واستثمارها بالطاعة..
أيها الإخوة: ويسن في رمضان الحرص على أداء صلاة التراويح جماعة في المساجد: وقبل ذلك الحرص على الصلوات المفروضة في وقتها، مع الجماعة في المساجد ولا يسع المستطيع التخلف عنها. أسأل الله كما منَّ علينا بإدراك الشهر أن يمن علينا بالتمام والبركة والقبول.. وصلوا على نبيكم..