منكرات الأفراح

عبدالله حمود الحبيشي
1434/07/27 - 2013/06/06 11:44AM
هذه خطبة للشيخ منصور الغامدي بنفس الاسم بتاريخ 4/ 3/ 1420هـ مع بعض التعديل

أَمَّا بَعْدُ ... عباد الله .. إن الناس يعيشون أحوالا متقلبة ، من العسر واليسر ، والفرج والشدة ، والحزن والفرح ، وفي ذلك كُلِه فإن المسلم الحق يبقى وثيق الصلة بربه ، الذي لو تخلى عنه طرفه عين لهلك .. ومن الأحوال التي يعيشها أكثر الناس ، وخاصة في هذه الأيام ، أحوال الفرح والسرور ، ومن مظاهر ذلك حفلات الزواج وإعلان النكاح في كل مكان ، ودعوة الناس لحضورها ، فتجد كثيرا من البيوت تعيش فرحة زواج الذكر أو الأنثى ، وتعد له ما يحتاجه ، وأسر أخرى تنتظر يوم فرحتها بهذا الحديث ،
والناس يكتنفهم السرور ، ويحدوهم الفرح في التهنئة والمشاركة .. بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما على خير .
ولقد كان للصالحين في ليلة الزفاف وصايا عظيمة ، وكلمات نافعة، يهمسون بها في أدب إلى الزوجين حين إقبالهما على حياة جديدة .
قال عتبة بن أبي سفيان لا بن أخيه عثمان حينما خطب ابنته قال : أقرب قريب ، خطب أحب حبيب ، لا أستطيع له ردا ، ولا أجد من إسعافه بدا ، قد زوجتكما وأنت أعز علي منها ، وهي ألصق بقلبي منك ، فأكرمها يَعْذُب على لساني ذكرك ، ولا تهنها فيصغر عندي قدرك ، وقد قربتك مع قربك ، فلا تبعد قلبي من قلبك .
هذه بعض المعالم التي يسوقها المجرّب إلى فلذة كبده ، يعينه بها على الحياة ، ويشد من أزره ليبقى موصول السعادة ، دائم البِشْرِ ، متيقظا حذرا .
يفتقر كثير من الشباب والشابات المقبلين على الزواج لمثل هذه الكلمات التوجيهية ، والنصائح القيمة المفيدة والتي تعينهم على معرفة أسرار الحياة التي يقبلون عليها ، ويعرفوا كيف يتعاملون مع المشكلات والعقبات التي قد تطرأ عليهم فيها .. وما حصول الطلاق وكثرته إلا بفقدان مثل هذه التوجيهات والنصائح .
أيها الأحبة في الله .. إن لليلة الزفاف فرحتها وسرورها ، ولذلك اقر الشارع هذه الفرحة ورغب فيها ، ومن ذلك الضرب بالدف للنساء فقط بكلمات جميله لطيفه بعيده عن التبذل والإسفاف والعبارات الخادشة للحياء فقال عليه الصلاة والسلام (فصل ما بين الحلال والحرام ضرب الدف) .
ولكن مما يؤسف له ما يحصل في تلك الليلة من المنكرات التي تنغص على الغيور سعادة تلك الليلة ، وفرحة تلك الساعات .
لذا يجب علينا أن نحفظ تلك الليلة الغالية مما يغضب الله ويخالف شرعه .
ولعلنا نذكر جملة من هذه الأمور التي نراها ونسمع عنها ولا نرضاها بل لا يرضاها كل غيور على دينه ومجتمعه ..
فمن ذلك ما يسمى بدبلة الخطوبة وأنه لا يتم الزواج إلا بها ، بل يعتقد البعض أنها إذا نزعت فقد نزع عقد النكاح .
إن الحديث عنها قد يعده البعض تنطع ومبالغة ، ويقولون إنه أمر عادي .. ونقول ليت الأمر أقتصر على الشكل فقط وأنه أمر عادي، فأصبح بعض الرجال يلزم نفسه بلبس هذه الدبلة ، وبعض الأسر يعدونه من علامة القبول والرضى ما دام الخاتم يُلبس ، فإذا نزعه فهو علامة عدم الرضى ..
وبعض الشباب يريك الخاتم في يده اليسرى ليبرهن لك أنه متزوج وهذا كله لا أصل له ، بل هو من عادات النصارى فقد كان العريس يضع الخاتم على إبهام العروس اليسرى ويقول : باسم الأب ، ثم ينقله على رأس السبابة ويقول : باسم الابن ، ثم يضعه على الوسطى ويقول : باسم الروح القدوس ، وعندما يقول آمين يضعه أخيرا في البنصر .
أنا أعلم والجميع يعلم أن من يلبس الدبلة لا يفعل هذه الأمور ولا يقولها .. فأسأل ما الداعي له وهو لم يكن من عاداتنا ولا تقاليدنا وزياده على ذلك أنه من عادات النصارى وطقوس زواجهم .. والمشابهة في الظاهر توحي للجاهل ولغير المسلمين بالتشابه في الباطن فهل نرضى على أنفسنا أن نتشبه بهم ولدينا أكمل نهج وشريعة .
ومما يشاهد في مثل هذه المناسبات ما أحيطت به بعض الزيجات من تكاليف باهظة ، ونفقات مذهلة ، وعادات اجتماعية فرضها كثير من الناس على أنفسهم ، تقليدًا وتبعية ، ومفاخرة ومباهاة ، وإسرافًا وتبذيرًا ، كأنهم لم يسمعوا قول الحق جل وعلى (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) .
ألا يعتبر هؤلاء بأحوال إخوان لهم في العقيدة ، في بقاع شتى من العالم ، ممن لا يجدون ما يسدّ رمقهم ، ولا ما يواري عوراتهم ، نعوذ بالله من كفران النعم .. بل في هذه البلاد من لا يجد مصاريف الحياة الضرورية .. في حين أن بعض أفراد المجتمع يصرف على مثل هذه المناسبات ما يزيد على مئات الآلاف في ليلة واحدة .. تنفق على كماليات ومبالغات لا تعود بالنفع ولا الفائدة على العروسين ولا الحاضرين .. غاية ما يستفاد منها أن يقال إن فلان قد فعل وأحضر وجهز .. مما يتحدث به الناس وقد يعود بالضرر عليه مما يكون في نفوس البعض من حقد أو حسد نسأل الله العافية والسلامة .
عباد الله .. ومن أعظم المنكرات التي تحدث في بعض حفلات الزواج أن تكون موسما للاختلاط بين الرجال والنساء ، وإظهار الزوج مع زوجته أمام الحاضرين ، وهم بكامل الزينة ، وتُلتقط لهم الصور المحرمة ، وفي هذا من الفتن والفساد ما لا يعلمه إلا الله .
ومنهم من يجعله موسم سمر وسهر إلى ساعات متأخرة من الليل ، بل بعضهم يصل الحال بهم إلا ساعات الصباح الأولى ، فيفوِّت فريضة الله عليه ، وبعضهم يؤذي جيرانه وإخوانه المسلمين .
وفئة تجعله فرصة للسماع المحرم ، بالأغاني والموسيقى ، فترفع أصوات المعازف والمزامير ، التي تمرض القلب وتقسيه وتصد عن ذكر الله .
فاتقوا الله رحمكم الله ، وتناصحوا فيما بينكم ، وتعقلوا كل التعقل في أمور الزواج ، ولا تتركوا الأمر بأيدي غيركم من السفهاء ، والدعوة موجهة للمصلحين ، والوجهاء والأثرياء ، أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال ، فالناس تبع لهم .
نسأل الله أن يصلح أحوالنا وييسر أمورنا ويرزقنا العمل بكتابه والتمسك بهدي رسوله عليه الصلاة والسلام ، أقول قولي هذا ، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين ، فاستغفروه وتوبوا إليه ، إنه كان حليمًا غفورًا .
الخطبة الثانية ..
عباد الله .. ومن المنكرات التي كثر انتشارها في حفلات الزواج ما يحصل من تصوير النساء بالكاميرات الفتوغرافية ، أو التصوير بالفيديو ، أو كاميرا الجوال والتي صغر حجمها وخفي أمرها وعم خطرها وعظم شرها .. وما يحصل بعده من تداول للصور بين الناس ، مما يكشف عورات المسلمين ويجر من المصائب ما لا يعلمه إلا الله .
ولكي نطلع جميعا على حجم انتشار هذه المشكلة ، وعظم خطرها أنقل لكم أجزاء من مقال نشر في أحد الجرائد المحلية ، قبل سنوات قليلة ، بشيء يسير من التصرف .
يقول صاحب المقال : إنه مما استحدث في حفلات الزواج الحرص على تصوير الحفلات بكاميرات للفيديو ، ويرى الباحث الاجتماعي محمد بن خليص أن مشكلات أسرية عديدة تنتج عن مشكلة تسرب الأشرطة ، وتصل بعضها إلى حالة الطلاق بين الزوجين ، بعد أن يكتشف الزوج أن شريط حفل زواجه موجود في عشرات البيوت ، ومتداول بين الشباب ، إضافة إلى المشكلات الأسرية التي تلحق بالنساء اللاتي ظهرن في تلك الأشرطة ، سواء كن جالسات ، أو من ضمن الذين رقصن ، وخاصة أن بعضا منهن يكون لباسهن شبه عار وتظهر أجزاء كثيرة من أجسادهن.
وفي ختام المقال تقول الجريدة أنها تحتفظ بخمس أشرطة لحفلات زواج تمت في مدن متعددة بالمملكة والتي تحصلت عليها نتيجة لانتشارها بين المنازل وشقق العزاب . أ.هـ
وقبل زمن نشرت جريدة اليوم مقال عن تعرض إحدى النساء إلى سرقة جوالها وذكرت أنه يحتوي على صور لحفل زواج إحدى قريباتها وصور خاصة بالعائلة .
بل أنقل لكم ما نشر قبل فترة قريبة عن حادثة وقعت في مدينة جدة فقد تم القبض على امرأة تمتهن تصوير الحفلات والزواجات ولها شهرة كبيرة وانتشار واسع في جدة .. تقوم هذه المرأة بأخذ نسخ من الصور والأفلام بمعاونة بعض العمالة الوافدة المتخصصة بالدبلجة وتركيب الصور ويتم بيع هذه الصور والأفلام على المواقع المتخصص بالفضائح وما أكثرها وأكثر متابعيها للأسف وكذلك يتم استخدام هذه النسخ لابتزاز الفتيات والأسر وبفضل من الله ثم بجهود رجال الهيئة تمكنوا من القبض عليها وما أزعج الجميع وهالهم وجود قوائم بأسماء وعناوين وأرقام الفتيات والأسر التي تم تصويرها مُرفَق بها الصور والأفلام وبعضها يعود إلى فترات قديمة .
إنها ظاهرة شنيعة ، ومنكر عظيم ، لا يتحمل تبعاته من قام به فقط، بل كل من حضر في ذلك العرس يتحمل جانبا من الإثم والتبعات ، وليس هناك مسوغ شرعي يجيز للحضور البقاء في تلك الأماكن التي تشتمل على مثل هذه المنكرات .
عباد الله .. وتجدر الإشارة هنا إلى منكر كثر وشاع بين النساء وخاصة في الحفلات والمناسبات ، إنه التعري في الملبس بحجة الموضة ، أو أن الحضور كلهم نساء ، فتجد النساء لبسن القصير الذي قد يصل وبدون مبالغة إلى نصف الفخذ أو أقصر ، ومنهن من تبدي كامل ظهرها ، وشيء كبيرا من صدرها ، إلى غير ذلك من المظاهر والموضات التي تعرفها النساء .. وهذا الأمر على ما فيه من تعويد المرأة على قلة الحياء بين النساء والتشبه بالكافرات في لباسهن إلا أنه محرم لما فيه من إظهار لعورة المرأة كما أفتت بذلك الجنة الدائمة على أنه لا يجوز للمرأة أن تبدي زينتها وما اعتادت النساء بستره أمام النساء وهذا هو هدي نساء الصحابة والصالحين من بعدهم ولما في التعري أمام النساء من الفتنة والتشبه بالكافرات كما يجعل المرأة قدوة سيئة لغيرها من النساء .
فعلى النساء أن يتقين الله وأن يتحلين بالحياء الذي هو من خلق المرأة والذي هو من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (الحياء شعبة من الإيمان) . ولم يُعلم ولا عن نساء الجاهلية أنهن كن يتعرين هذا التعري الذي نسمع عنه في الحفلات والمناسبات لا عند النساء ولا عند الرجال فهل يردن هؤلاء النساء أن تكون نساء المسلمين أبشع صورة من نساء الجاهلية .
فلنتقي الله في نسائنا وبناتنا بنصحهن وأمرهن باللباس الشرعي البعيد عن الفتنة والمخالفة الشرعية حفاظا لهن أولا وللمجتمع .
هذه إشارات لما يحصل في بعض حفلات الزواج ، وتذكير لبعض المنكرات التي قد تقع فيها ، وبحق إن كل واحدة من هذه المنكرات بحاجة إلا بحث أكبر ، لبيان حرمتها ، وخطرها على الفرد والمجتمع، ولكن حسبنا أن السامع تكفيه الإشارة ، ويكفي اللبيب عن البيان العبارة .
والله نسأل أن يصلح أحوالنا ويوفقنا إلى كل ما يحبه ويرضاه ويباعدنا عن كل ما يسخطه ويشناه .
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )
اللهم صلّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المشاهدات 3138 | التعليقات 0